ولما كانت الليلة الثانية والستون بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز ذات الدواهي طلعت خارج البلد مع أصحابها وألبستهم زي تجار المسلمين، وكانت قد أخذت معها مئة بغل محملة بالقماش الأنطاكي ما بين أطلس معدني وديباج ملكي وغير ذلك، وأخذت من الملك أفريدون كتاباً مضمونه أن أهل هؤلاء التجار من أرض الشام، وكانوا في ديارنا فلا ينبغي أن يتعرض لهم أحد بسوء حتى يصلوا إلى بلادهم ومحل أمنهم، لأن التجار بهم عمار البلاد وليسوا من أهل الحرب والفساد، ثم إن الملعونة ذات الدواهي قالت لمن معها: إني أريد أن أدبر حيلة على هلاك جيش النعمان فقالوا لها: أيتها الملكة مُرينا بما شئت فنحن تحت طاعتك، فلبست ثياباً من الصوف الأبيض الناعم، وحكت جبينها حتى صار له وسم ودهنته بدهان دبرته حتى صار له ضوء عظيم، وكانت الملعونة نحيلة الجسم غائرة العينين، وقيدت رجليها من فوق قدميها وسارت حتى وصلت إلى عسكر النعمان، ثم حلت القيد من رجليها وقد أثر القيد في ساقها ثم دهنتهما بدم، وأمرت من معها أن يضربوها ضرباً عنيفاً وأن يضعوها في صندوق، فقالوا لها: كيف نضربك وأنت سيدتنا ذات الدواهي أم الملك الباهي؟ فقالت: لأجل الضرورات تباح المحظورات، وبعد أن تضعوني في الصندوق خذوه في جملة الأموال واحملوه على البغال ومروا بذلك فوق عسكر النعمان ولا تخشوا شيئاً من الملام، وإن تعرض لكم أحد من المسلمين فسلموا له البغال وما عليها من الأموال وانصرفوا إلى ملكهم ضوء المكان واستغيثوا به، وقولوا له نحن كنا في بلاد الكفار ولم يأخذوا منا شيئاً، بل كتبوا لنا توقيعاً أنه لا يتعرض لنا أحد، فكيف تأخذون أنتم أموالنا وهذا كتاب ملك الروم الذي مضمونه ألا يتعرض لنا أحد بمكروه، فإذا قال: وما الذي ربحتموه من بلاد الروم في تجارتكم؟ فقولوا له: ربحنا خلاص رجل زاهد، وقد كان في سرداب تحت الأرض له فيه خمسة عشر عاماً وهو يستغيث فلا يغاث، بل يعذبه الكفار ليلاً ونهاراً.

Ad

الصورة تتكلم

وقالت العجوز: قولوا لملك المسلمين: لم يكن عندنا علم بذلك، مع أننا أقمنا في القسطنطينية مدة من الزمان، وبعنا بضائعنا واشترينا خلافها وجهزنا حالنا وعزمنا على الرحيل إلى بلادنا وبتنا تلك الليلة نتحدث في أمر السفر، فلما أصبحنا رأينا صورة مصورة في الحائط ، فلما قربنا منها تأملناها فإذا هي تحركت، وقالت: يا مسلمين هل فيكم من يعامل رب العالمين؟ فقلنا: وكيف ذلك فقالت تلك الصورة: إن الله أنطقني لكم ليقوي يقينكم ويلهمكم دينكم وتخرجوا من بلاد الكافرين وتقصدوا عسكر النعمان، فإن فيهم سيف الرحمن وبطل الزمان الملك شركان، وهو الذي يفتح القسطنطينية، فإذا قطعتم سفر ثلاثة أيام تجدوا ديراً يعرف بدير مطروحنا وفيه صومعة، فاقصدوا بصدق نيتكم وتحيلوا على الوصول إليها بقوة عزيمتكم، لأن فيها رجلاً عابداً من بيت المقدس اسمه عبدالله، وهو من أدين الناس وله كرامات تزيح الشك والإلباس، قد خدعه بعض الرهبان وسجنه في سرداب له فيه مدة مديدة من الزمان، وإنقاذه وفكاكه من أفضل الجهاد.

صومعة الراهب

ثم إن العجوز لما اتفقت مع من معها على الكلام، قالت: فإذا ألقى إليكم الملك شركان سمعه فقولوا له، فلما سمعنا هذا الكلام من تلك الصورة علمنا أن ذلك العابد من أكابر الصالحين وعباد الله المخلصين، فسافرنا مدة ثلاثة أيام ثم رأينا ذلك الدير فعرجنا عليه وملنا إليه وأقمنا هناك يوماً في البيع والشراء على عادة التجار، فلما ولى النهار وأقبل الليل بالاعتكار قصدنا تلك الصومعة التي فيها السرداب، فسمعناه بعد تلاوة الآيات، ينشد هذه الأبيات:

كيداً أكـايده وصـدري ضـيق

وجرى بقلبي تجرهم مغـرق

إن لم يكن فرج فموت عاجـل

إن الحمام من الرزايا أرفـق

يا برق إن جئت الديار وأهلهـا

وعلا عليك من البشائر رونق

كيف السبيل إلى اللقاء وبينـنـا

تلك الحروب وباب رهن مغلق

بلغ أحبتنا السلام وقـل لـهـم

إني بدير الروم قاص موثـق

ثم قالت: إذا وصلتم بي إلى عسكر المسلمين، صرت أعرف أدبر حيلة في خديعتهم وقتلهم عن آخرهم، فلما سمعوا كلام العجوز قبلوا يديها ووضعوها في الصندوق بعد أن ضربوها أشد الضربات الموجعات تعظيماً لها، لأنهن يرون طاعتها من الواجب، ثم قصدوا بها عسكر المسلمين.

تبادل التهاني

أما عسكر النعمان فإنهم لما نصرهم الله على أعدائهم، وغنموا ما كان في المراكب من الأموال والذخائر، قعدوا يتحدثون مع بعضهم فقال ضوء المكان لأخيه: إن الله عز وجل قد نصرنا بسبب انقيادنا لبعضنا فكن يا شركان ممتثلاً أمري في طاعة الله، فقال شركان: حباً وكرامة، وهنأ الوزير دندان شركان، وقال لهما: اعلما أيها الملكان أن الله عز وجل نصرنا حيث وهبنا أنفسنا وهجرنا الأهل والأوطان، والرأي عندي أن نرحل وراءهم ونحاصرهم ونقاتلهم لعل الله أن يبلغنا مرادنا ونستأصل أعداءنا، وإن شئتم فانزلوا في هذه المراكب وسيروا في البحر ونحن نسير في البر ونصبر على القتال والطعن والنزال، ثم أن الوزير دندان ما زال يحرضهم على القتال وأنشد قول من قال:

أطيب الطيبات قتل الأعادي

واحتمال على ظهور الجياد

ورسول يأتي بوعد حبـيب

وحبيب يأتي بلا مـيعـاد

وقال آخر:

وإن عمرت جعلت الحرب والدة

والمشرفي أخا والسمهري أبـا

بكل أشعث يلقي الموت مبتسماً

حتى كان له في قتـلـه إربـا

طريق القسطنطينية

فلما فرغ الوزير دندان من شعره قال: سبحان من أيدنا بنصره العزيز وأظفرنا بغنيمة الفضة والإبريز، ثم أمر ضوء المكان العسكر بالرحيل فسافروا طالبين القسطنطينية، وجدوا في سيرهم حتى أشرفوا على مرج فسيح وفيه كل شيء مليح ما بين وحوش تمرح وغزلان تسنح، وكانوا قد قطعوا مغاور كثيرة وانقطع عنهم الماء ستة أيام، فلما أشرفوا على ذلك المرج نظروا تلك العيون النابعة والأثمار اليانعة وتلك الأرض كأنها جنة أخذت زخرفها وازّينت وسكرت أغصانها من رحيق الظل فتمايلت وجمعت بين عذوبة التنسيم فتدهش العقل والناظر، كما قال الشاعر:

أنظر إلى الروض النضير كأنما

نشرت عليه ملاءة خـضـراء

انى سرحت بلحظ عينك لا ترى

إلا غديراً جـال فـيه الـمـاء

وترى بنفسك عـزة فـي دوحة

إذ فوق رأسك حيث سرت لواء

وما أحسن قول الآخر:

النهر خد بـالـشـعـاع مـورد

قد دب فيه عذار ظـل الـبـان

والماء في سوق الغصون خلاخل

من فضة والزهر كالتـيجـان

فلما نظر ضوء المكان إلى ذلك المرج الذي التفت أشجاره وزهت أزهاره وترنمت أطياره، نادى أخاه شركان وقال له: إن دمشق ما فيها مثل هذا المكان فلا نرحل منه إلا بعد ثلاثة أيام نأخذ راحة لأجل أن تنشط عساكر الإسلام وتقوي نفوسهم على لقاء الكفرة اللئام، فأقاموا فيه.

التجار وضوء المكان

فبينما هم كذلك إذ سمعوا أصواتاً من بعيد فسأل عنهم ضوء المكان، فقيل أنها قافلة تجار من بلاد الشام كانوا نازلين في هذا المكان للراحة، ولعل العساكر صادفوهم وربما أخذوا شيئاً من بضائعهم التي معهم حيث كانوا في بلاد الكفار، وبعد ساعة جاء التجار وهم صارخون يستغيثون بالملك، فلما رأى ضوء المكان ذلك أمر بإحضارهم فحضروا بين يديه، وقالوا: أيها الملك إنا كنا في بلاد الكفار ولم ينهبوا منا شيئاً فكيف ينهب أموالنا إخواننا المسلمون؟ ثم أخرجوا له كتاب ملك القسطنطينية فأخذه شركان وقرأه، ثم قال لهم: سوف نرد عليكم ما أخذ منكم ولكن كان من الواجب ألا تحملوا تجارة إلى بلاد الكفار، فقالوا: يا مولانا إن الله سيرنا إلى بلادهم لنظفر بما لم يظفر به أحد من الغزاة ولا أنتم في غزوتكم، فقال له شركان: وما الذي ظفرتم به؟ فقالوا: ما نذكر لك ذلك إلا في خلوة، لأن هذا الأمر إذا شاع بين الناس ربما أطلع عليه أحد فيكون ذلك سبباً لهلاكنا وهلاك كل من توجه إلى بلاد الروم من المسلمين، وكانوا قد خبأوا الصندوق الذي فيه اللعينة ذات الداوهي، فأخذهم ضوء المكان وأخوه واختليا بهم فشرحوا لهما حديث الزاهد وصاروا يبكون حتى أبكوهما. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

بكاء الزاهد

وفي الليلة الثالثة والستين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن التجار شرحوا لضوء المكان وأخيه شركان حديث الزاهد

فرق قلب شركان للزاهد وأخذته الرأفة عليه وقامت به الحمية لله تعالى، وقال لهم: هل خلصتم هذا الزاهد أم هو في الدير إلى الآن؟ فقالوا: بل خلصناه وقتلنا صاحب الدير من خوفنا على أنفسنا ثم أسرعنا في الهرب خوفاً من الغضب، وقد أخبرنا بعض الثقات أن في هذا الدير قناطير من الذهب والفضة والجواهر.

وبعد ذلك أتوا بالصندوق وأخرجوا منه تلك الملعونة كأنها قرن خيار شنبر من شدة السواد والنحول، وهي مكبلة بتلك السلاسل والقيود، فلما نظرها ضوء المكان هو والحاضرون ظنوا أنها رجل من خيار العباد ومن أفضل الزهاد خصوصاً وجبينها يضيء من الدهان الذي دهنت به وجهها، فبكى ضوء المكان وأخوه شركان بكاء شديداً، ثم قاموا إليها وقبلا يديها ورجليها وصارا ينتحبان، فأشارت إليهما، وقالت: اعلما أني قد رضيت بما صنعه بي مولاي، لأني أرى أن البلاء الذي حل بي لأجل أن أموت تحت حوافر خيل المجاهدين الذين هم بعد القتل أحياء غير أموات، ثم أنشدت هذه الأبيات:

الحصن طور ونار الحرب موقـدة

وأنت موسى وهذا الوقت ميقـات

ألق العصا تلقف كل ما صنـعـوا

ولا تخف ما حبال القـوم حـيات

فاقرأ سطور العدا يوم الوغى سورا

فإن سيفك فـي الأعـنـاق آيات

صيام العجوز

فلما فرغت العجوز من شعرها تناثرت من عينيها المدامع وجبينها بالدهان كالضوء اللامع، فقام إليها شركان وقبل يدها وأحضر لها الطعام فامتنعت، وقالت: إني لم أفطر من مدة خمسة عشر عاماً فكيف أفطر في هذه الساعة وقد جاد على المولى بالخلاص من أسر الكفار ودفع عني ما هو أشق من عذاب النار فأنا أصبر إلى الغروب.

فلما جاء وقت العشاء، أقبل شركان هو وضوء المكان وقدما إليها الأكل وقالا لها: كل أيها الزاهد، فقالت: ما هذا وقت الأكل وإنما هذا وقت عبادة الملك الديان، ثم ذهبت إلى المحراب تصلي إلى أن ذهب الليل، ولم تزل على هذه الحالة ثلاثة أيام بلياليها وهي لا تقعد إلا وقت التحية، فلما رآها ضوء المكان على تلك الحالة ملك قلبه حسن الاعتقاد فيها، وقال لشركان: اضرب خيمة من الأديم لذلك العابد ووكل فراشاً بخدمته، وفي اليوم الرابع دعت بالطعام، فقدموا لها من الألوان ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، فلم تأكل من ذلك كله إلا رغيفاً واحداً ثم نوت الصوم، ولما جاء الليل قامت إلى الصلاة، فقال شركان لضوء المكان: أما هذا الرجل فقد زهد الدنيا غاية الزهد، ولولا هذا الجهاد لكنت لازمته وأعبد الله بخدمته حتى ألقاه، وقد اشتهيت أن أدخل معه الخيمة وأتحدث معه ساعة، فقال له ضوء المكان: وأنا كذلك ولكن نحن في غد ذاهبون إلى غزو القسطنطينية ولم نجد لنا مثل هذه الساعة، فقال الوزير دندان: وأنا الآخر أشتهي أن أرى ذلك الزاهد لعله يدعو لي بقضاء نحبي في الجهاد ولقاء ربي، فإني زهدت الدنيا.

فلما جن الليل دخلوا على تلك الكاهنة ذات الدواهي في خيمتها فرأوها قائمة تصلي، فدنوا منها وصاروا يبكون رحمة لها، وهي لا تلتفت إليهم إلى أن انتصف الليل فسلمت من صلاتها ثم أقبلت عليهم وحيتهم، وقالت لهم: لماذا جئتم؟ فقالوا لها: أيها العابد أما سمعت بكاءنا حولك؟ فقالت: إن الذي يقف بين يدي الله لا يكون له وجود في الكون حتى يسمع صوت أحد أو يراه، ثم قالوا: إننا نشتهي أن تحدثنا بسبب أسرك وتدعو لنا في هذه الليلة فإنها خير لنا من ملك القسطنطينية.

القصة المزعومة

فلما سمعت كلامهم قالت: والله لولا أنكم أمراء المسلمين ما أحدثكم بشيء من ذلك أبداً فإني لا أشكو إلا إلى الله وها أنا أخبركم بسبب أسري: إعلموا أنني كنت في القدس مع بعض الأبدال وأرباب الأحوال، وكنت لا أتكبر عليهم لأن الله سبحانه وتعالى أنعم عليّ بالتواضع والزهد، فاتفق أنني توجهت إلى البحر ليلة ومشيت على الماء فداخلني العجب من حيث لا أدري، وقلت في نفسي: من مثلي يمشي على الماء، فقسا قلبي من ذلك الوقت، وابتلاني الله تعالى بحب السفر فسافرت إلى بلاد الروم، وجلت في أقطارها سنة كاملة حتى لم أترك موضعاً إلا عبدت الله فيه، فلما وصلت إلى هذا المكان صعدت إلى هذا الجبل وفيه دير راهب يقال له مطروحنا، وقال: إني رأيتك منذ دخلت بلاد الروم وقد شوقني إلى بلاد الإسلام ثم أخذ بيدي وأدخلني في ذلك الدير، ثم دخل بي إلى بيت مظلم، فلما دخلت غافلني وأغلق الباب علي وتركني فيه أربعين يوماً من غير طعام ولا شراب، وكان قصده بذلك قتلي صبراً، فاتفق في بعض الأيام أنه دخل ذلك الدير بطريق يقال له دقيانوس، ومعه عشرة من الغلمان ومعه ابنة يقال لها تماثيل ولكنها في الحسن ليس لها مثيل، فلما دخلوا الدير أخبرهم الراهب مطروحنا بخبري، فقال البطريق: أخرجوه لنا فلم يبق من لحمه ما يأكله الطير، ففتحوا باب ذلك البيت المظلم فوجدوني منتصباً في المحراب أصلي وأقرأ وأسبح وأتضرع إلى الله تعالى، فلما سمعوا كلامه قاموا جميعاً ودخلوا علي، وأقبل علي دقيانوس هو وجماعته وضربوني ضرباً عنيفاً، فعند ذلك تمنيت الموت ولمت نفسي وقلت: هذا جزاء من يتكبر ويعجب بما أنعم عليه ربه مما ليس في طاقته، وأنت يا نفسي قد داخلك العجب والكبر أما علمت أن الكبر يغضب الرب ويقسي القلب ويدخل الإنسان في النار، ثم بعد ذلك قيدوني وردوني إلى مكاني وكان سرداباً في ذلك البيت تحت الأرض، وكل ثلاثة أيام يرمون إليّ قرصاً من الشعير وشربة ماء، وكل شهر أو شهرين يأتي البطريق ويدخل ذلك الدير، وقد كبرت ابنته تماثيل لأنها كانت بنت تسع سنين حين رأيتها ومضى لي في الأسر خمس عشرة سنة فجملة عمرها أربعة وعشرون عاماً، وليس في بلادنا ولا في بلاد الروم أحسن منها، وكان أبوها يخاف عليها من الملك أن يأخذها منه، غير أنها تركب مع أبيها في زي الرجال الفرسان وليس لها مثيل في الحسن ولم يعلم من رآها أنها جارية، وقد خزن أبوها أمواله في هذا الدير لأن كل ما كان عنده شيء من نفائس الذخائر يضعه في ذلك الدير، وقد رأيت فيه من أنواع الذهب والفضة والجواهر وسائر الألوان والتحف ما لا يحصي عدده إلا الله.

إغراء الزاهد

وقالت العجوز: أنتم أولى به من هؤلاء الكفرة، فخذوا ما في هذا الدير وأنفقوه على المسلمين وخصوصاً المجاهدين، ولما وصل هؤلاء التجار إلى القسطنطينية وباعوا بضاعتهم كلمتهم تلك الصورة التي في الحائط كرامة أكرمني الله بها، فجاءوا إلى ذلك الدير وقتلوا البطريق مطروحنا بعد أن عاقبوه أشد العقاب، وشدوه من لحيته فدلهم على موضعي فأخذوني، ولم يكن لهم سبيل إلا الهرب خوفاً من العطب، وفي ليلة غد تأتي تماثيل إلى ذلك الدير على عادتها ويلحقها أبوها مع غلمانه لأنه يخاف عليها، فإن شئتم أن تشاهدوا هذا الأمر فخذوني بين أيديكم وأنا أسلم لكم الأموال وخزانة البطريق دقيانوس التي في ذلك الجبل، وقد رأيتهم يخرجون أواني الذهب والفضة يتسربون فيها، ورأيت عندهم جارية تغني لهم بالعربية، وإن شئتم فأدخلوا هذا الدير وأكمنوا فيه إلى أن يصل دقيانوس وتماثيل معه، فخذوها فإنها لا تصلح إلا لملك الزمان شركان وللملك ضوء المكان.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

أبناء الملك داخل الدير

عندما سمع ضوء المكان وشركان قصة الزاهد عن الدير فرحا بذلك، إلا الوزير دندان، فإنه ما دخل كلامها في عقله، وإنما كان يتحدث معها لأجل خاطر الملك، وصار باهتاً في كلامها ويلوح على وجهه علامة الإنكار عليها، فقالت ذات الدواهي: إني أخاف أن يقبل البطريق وينظر هذه العساكر في المرج فما يجسر أن يدخل الدير، فأمر السلطان العسكر أن يرحلوا صوب القسطنطينية، وقال ضوء المكان: إن قصدي أن نأخذ معنا مائة فارس وبغالاً كثيرة ونتوجه إلى ذلك الجبل ونحملهم المال الذي في الدير.

ثم أرسل من وقته وساعته إلى الحاجب الكبير فأحضره بين يديه، وأحضر المقدمين والأتراك والديلم، وقال: إذا كان وقت الصباح فارحلوا إلى القسطنطينية، أنت أيها الحاجب تكون عوضاً عني في الرأي والتدبير، وأنت يا رستم تكون نائباً عن أخي في القتال، ولا تعلموا أحد أننا لسنا معكم وبعد ثلاثة أيام نلحقكم، ثم انتخب مئة فارس من الأبطال وإنحاز هو وأخوه الوزير دندان والمئة فارس وأخذوا معهم البغال والصناديق لأجل حمل المال.

الجريدة - القاهرة