«فضائح ظريف» بحق سليماني تغضب «الحرس»
تسريب صوتي يؤجج الحرب بين «المدنيين» المعتدلين و«جنرالات السياسة»
وسَّعت البلبلة، التي أعقبت تسريباً صوتياً لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف انتقد فيه تدخل قائد «فيلق القدس» الراحل قاسم سليماني في السياسة الخارجية لبلاده، الشرخ الحادث بين حكومة الرئيس المعتدل حسن روحاني و«الحرس الثوري» في خضم التجاذب السياسي استعداداً للانتخابات في يونيو المقبل.واعتبرت «الخارجية» الإيرانية أن التسجيل الصوتي لظريف الذي أثار تسريبه جدلاً واسعاً في إيران وخارجها، تضمن مواقف شخصية واقتطع من حديث غير معد للنشر.ونفى المتحدث باسم الوزارة، سعيد خطيب زاده علم «الخارجية» أو أي دور لها في تسريب المقابلة التي أجريت مع ظريف قبل شهرين، مؤكداً أنها «لم تكن إعلامية وصحافية ولم يكن مقرراً نشرها».
وأضاف زاده أنها كانت «حواراً سرياً داخل الحكومة، ورئيس الجمهورية كان على قناعة بأن تُنقل التجارب للحكومة المقبلة من خلال إجراء حوارات داخلية مع أعضاء الحكومة لتسجيلها كوثائق». وبينما أكد زاده أن نقاشات كهذه دائماً ما تكون «جدية، وشفافة، ومباشرة»، قلل من شأن الجدل حول التصريحات، مشيراً إلى أن ما نشر هو «ثلاث ساعات ونصف ساعة» من حديث امتد «سبع ساعات».ورأى مراقبون أن تصريحات زاده تشي بتمرير الحكومة «رسالة هجومية» ضد من وصفهم الرئيس روحاني في وقت سابق بـ«جنرالات السياسة» من ضمن التيار المتشدد لتحذيرهم من جر البلاد إلى حكم عسكري مقنع من خلال ترشح جنرالات الحرس للرئاسة.وجاء في تصريحات ظريف التي كان من المقرر نشرها بعد انتهاء ولاية الحكومة الحالية، أن دوره معدوم في السياسة الخارجية بسبب ضغوط ومطالب القائد الميداني للجمهورية الإسلامية (سليماني) الذي كان يطلب من مفاوضي «الخارجية» الحصول على امتيازات وعدم التنازل عن أخرى خلال أي مباحثات خارجية، معتبراً أن «في الجمهورية الميدان هو الذي يحكم. بدل أن يخدم الميدان الدبلوماسية»، ومشيراً إلى أن «هيكلية وزارة الخارجية هي ذات توجه أمني غالباً».كما جاء في المقتطفات أن سليماني عمل عن قرب مع روسيا لمعارضة الاتفاق حول البرنامج النووي الذي أبرم بين طهران والقوى الكبرى عام 2015.واستدل ظريف على تهميش دور المدنيين بقوله: «هل تعلمون أن أميركا علمت بالهجوم الانتقامي الذي شنته القوات الإيرانية على قاعدة عين الأسد العراقية عقب اغتيالها سليماني، قبل أن أسمع به أنا؟!»، مضيفاً أنه سمع بالهجوم على القاعدة التي تضم قوات أميركية بعد ساعتين من إبلاغ رئيس الوزراء العراقي في حينها عادل عبدالمهدي بالقصف.وبالتزامن مع انتشار واسع للتصريحات المسربة استغل ظريف زيارته للعراق وقام بزيارة للموقع الذي قتلت فيه طائرة أميركية مسيرة «درون» سليمان قرب مطار بغداد. وحيا وزير الخارجية الإيراني سليماني، واصفاً إياه بـ«بطل القتال ضد داعش» دون التطرق للجدل الدائر في طهران. في المقابل، رد «الحرس الثوري»، عبر نشرته الدورية اليومية، مؤكداً أن المؤسسة العسكرية الموازية للقوات المسلحة «لا تثق بوزارة الخارجية التي لم تتمكن حتى من الاحتفاظ بمقابلة صوتية ومنعها من الخروج».كما قال ظريف في التسجيل إن «الحرس» أسقط الطائرة الأوكرانية المدنية وهم كانوا يعلمون أنها مدنية منذ اللحظة الأولى ولكنهم أخفوا الأمر عن «الخارجية»، متهماً «الحرس» بأنه يستغل الطائرات المدنية الإيرانية لتغطية تحركاته، إذ يستفيد قادته من المدنيين الحاضرين في هذه الطائرات كدروع بشرية عندما يسافرون إلى سورية أو العراق أو لبنان. واتهم «الحرس الثوري» في نشرته الصادرة عن النائب السياسي الجنرال يدالله جواني الجهاز الدبلوماسي لبلاده بالخضوع لـ«نفوذ وتغلغل منظم من الخارج».وقال: «إذا كان سليماني تنازل عن الميدان العسكري للحكومة كما هي الحال في مجال الدبلوماسية، كان من المفترض أن تستمر المعركة ضد داعش لسنوات، مثل ما حدث مع الاتفاق النووي الذي لا يزال التفاوض الفاشل مستمراً بشأنه في فيينا بعد آلاف الانتهاكات».وأضاف رداً على ما قاله ظريف: «لماذا يجب أن نثق بوزارة خارجية لا يمكن فيها حماية ملف صوتي سري ونعطيها معلومات حول هجوم عسكري سري مثل قصف عين الأسد».وأثارت التصريحات المسربة انتقادات سياسيين محافظين، إذ رأى النائب المحافظ نصرالله بجمن فر أن ظريف في تسجيله «يشكك في مسائل تندرج ضمن الخطوط الحمراء للجمهورية الإسلامية التي يتولى فيها منصب وزير الخارجية».وانتقدت وكالة «فارس» للأنباء الموالية لـ«الحرس» تقديم ظريف نفسه خلال الحديث المسرّب بأنه «رمز للدبلوماسية» في مواجهة سليماني الذي يشكل رمز «ميدان المعارك» الإقليمية.ويحدث الصدام بشأن التصريحات بين التيار الحكومي المعتدل والمحافظين بعد يوم من رسالة بعث بها أكثر من 220 نائباً من نواب البرلمان الخاضع لهيمنة التيار المتشدد إلى رئيس القضاء إبراهيم رئيسي، دعوه خلالها إلى الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في يونيو المقبل.ونشرت وكالات الأنباء الإيرانية الرسمية، أمس الأول، نص الرسالة الموقّعة من النواب، وقد وُجهت فيها انتقادات لاذعة لروحاني.واتهم النواب الـ220 روحاني باستخدام الجدل والأداء المعزول لتبرير الأداء الضعيف لحكومته، معربين عن قلقهم من أن «الاضطرابات الاقتصادية والمعيشية الخطيرة ستعمل على تعميق السخط العام وتقليص رأس المال الاجتماعي».وكشف أحد النواب الأعضاء في مجلس الشورى (البرلمان) لـ«الجريدة» أن النواب بدأوا جمع تواقيع لاستجواب ظريف بسبب التسجيل الذي تصل مدته إلى أكثر من سبع ساعات.ولم يتضح بعد إذا ما كان ظريف لا يزال يتمتع بدعم المرشد الأعلى علي خامنئي أو حتى روحاني، بينما نفى مستشار الرئيس الإيراني حسام الدين آشنا الذي كان مؤتمناً على الشريط أن يكون له أو لمركزه اي علاقة بالتسريب.