في محاولة لاحتواء ردود الأفعال الغاضبة على تسريب تسجيل صوتي لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، انتقد فيها هيمنة «الحرس الثوري» وقائد «فيلق القدس» الراحل قاسم سليماني على السياسة الخارجية للبلاد، كلف الرئيس حسن روحاني، أمس، الاستخبارات بالقبض على المتورطين في التسريب الذي فضح الخلافات بين أجنحة النظام المختلفة.

وقال المتحدث باسم الحكومة، علي ربيعي، إن روحاني أمر وزارة الاستخبارات بالتعرف على «عملاء المؤامرة».

Ad

ووصف ربيعي، الكشف عن تصريحات ظريف بـ«سرقة الوثائق والتآمر على الحكومة والنظام في محاولة للإضرار بالتماسك الداخلي والمصالح الوطنية».

وأشار إلى أن «مقابلة مع ظريف أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية»، مضيفاً: «لم يتم تحديد هوية الأشخاص الذين سربوا المقابلة بعد سرقة ملف الصوت الخاص بها».

وأوضح المتحدث: «كان من المقرر تخزين ملف النسخة الصوتية والمرئية والمكتوبة لمقابلة ظريف، في الحكومة، ونشر جزء من مقتطفاتها بالتوافق مع طرفي الحوار، ليكون متاحاً للجمهور بعد انتهاء ولاية الحكومة الحالية، وننتظر عودة ظريف من العراق إلى إيران لتقديم التفسيرات اللازمة حول سوء الفهم».

واعتبر ربيعي أن «النظام الذي استخدمه حسام الدين آشنا، مستشار رئيس الجمهورية، لإجراء المحادثات، لم يكن آمنا»، لافتاً إلى أن «من أجرى المقابلة مع ظريف هما سعيد ليلاز ومحمد فاضلي، وأن جميع أعضاء الحكومة تمت مقابلتهم، باستثناء إسحاق جهانغيري النائب الأول للرئيس».

تعليق ظريف

وفي أول تعليق له على نشر التسريبات التي اشتكا فيها من تقزيم دوره في السياسة الخارجية مقابل تحكم سليماني في مفاصلها، كتب وزير الخارجية على «إنستغرام»: «دعونا لا نقلق بشأن التاريخ، دعونا نخشى الله والناس». وأثارت التصريحات المسربة ردود فعل واسعة، حيث قال في المقابلة، التي استمرت 3 ساعات مع الاقتصادي الموالي للحكومة سعيد ليلاز، والتي أجريت في مارس الماضي.

وتناول التسجيل المسرب الذي نشر للمرة الأولى الأحد الماضي في وسائل إعلام خارج إيران، جدلا في البلاد، علاقة ظريف المتوترة مع قائد «فيلق القدس» الراحل، قائلاً: «لم أتمكن أبدا في مسيرتي المهنية من القول لسليماني أن يفعل شيئاً معيناً لكي أستغله في الدبلوماسية، وكان يفرض شروطه عند ذهابي لأي تفاوض مع الآخرين بشأن سورية، ولم أتمكن من إقناعه بطلباتي».

تصاعد الاتهامات

في المقابل، صعد التيار المتشدد الذي طالب بمحاكمة ظريف واتهمه بتعمد تسريب التصريحات مواقفه ضد حكومة الرئيس المعتدل حسن روحاني.

واتهم الكاتب والمحلل السياسي، داريوش سجادي، الرئيس الإيراني، بدفع الأميركيين نحو اغتيال سليماني. وقال سجادي في برنامج حواري عبر قناة «أفق»، في سياق مناقشة دوافع تسريب المقابلة السرية، إنه «في ليلة اغتيال واشنطن لسليماني، اتصل بي صديق لي كان ناشطاً في أحد المراكز البحثية الأميركية، وقال إن هذا الاغتيال تم بتوجيه من الرئاسة الإيرانية».

وأضاف سجادي أن ما جاء في مقابلة ظريف حول تحكم سليماني في السياسة الخارجية «يوضح رسالة للأميركيين أن أيدينا مقيدة. هذا الكلام مهم جداً، فلو كان ما ذكره ظريف ولو بنسبة واحد في المئة صحيحاً، فهذا يعني أن سليماني وأنشطته كان عائقاً أمام التواصل بين إيران والولايات المتحدة، وهو بمنزلة دفع الولايات المتحدة نحو اغتيال سليماني. وهذا ما حدث».

ولاحقاً، دعا عضو البرلمان عن التيار المتشدد، حسين حق وردي، ظريف إلى تقديم استقالته.

وقال وردي: «يجب أن يستقيل بنفسه، وإلا فإن عزله وإقالته من قبل البرلمان أمر لا مفر منه».

وأضاف: «لا شك أن أعضاء البرلمان وفق واجباتهم القانونية والثورية لن يسمحوا باستهداف الأمن الذي تحقق بمساعدة كبيرة من رجال مثل سليماني».

تدمير العلاقات

من جانب آخر، اعتبر مستشار قائد «الحرس الثوري» العميد محمد إسماعيل كوثري، أمس، أن ما ذكره ظريف في المقابلة المسربة حول علاقة سليماني بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتنسيقه معه بشأن الاتفاق النووي واتهامه لموسكو بالعمل ضد الصفقة التي أبرمت عام 2015، «يؤكد وجود نية لتدمير العلاقات الإيرانية الروسية».

وأضاف كوثري المرشح للانتخابات الرئاسية المقررة منتصف يونيو المقبل: «من الناحية الدبلوماسية لدينا علاقات أكثر مع الروس. هذه ليست قضية عادية يطرحونها في هذه المرحلة لإحداث شرخ بين إيران وروسيا».

وأمس الأول، دافع رئيس البرلمان القائد السابق بـ«الحرس الثوري» محمد باقر قاليباف عن دور سليماني في فتح ساحات المعارك ومعابر الدبلوماسية، فيما اتهم رئيس لجنة الأمن القومي البرلمانية منصور حقيقت بور ظريف بـ«تجاوز الخطوط الحمراء».

ويأتي تصاعد الجدل بشأن التصريحات المسربة في خضم معركة «تكسير عظام» بين روحاني والتيار المعتدل من جهة، والتيار المتشدد و«الحرس الثوري» من جهة أخرى مع قرب الانتخابات الرئاسية.

وتتهم أصوات محسوبة على التيار المتشدد حكومة روحاني بتعمد تسريب التصريحات التي تتحدث عن تهميش دور المدنيين مقابل العسكريين بإدارة الدولة، في محاولة لتحقيق مكاسب دعائية بالتزامن مع تقدم مفاوضاتها غير المباشرة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في فيينا، بشأن إحياء الاتفاق النووي، ورفع العقوبات الاقتصادية، وهو ما قد يصب في مصلحة مرشحي التيار المعتدل لخوض السباق الرئاسي.

نفي زاده

إلى ذلك، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، أمس، التقارير التي تحدثت عن عقد اجتماع في العاصمة العراقية بغداد، بين مسؤولين إيرانيين وويليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «CIA».

وتزامن النفي مع مواصلة وزير الخارجية الإيراني عقد لقاءات مع المسؤولين ورؤساء الأحزاب العراقية في بغداد أمس.

من جانب آخر، ثمّن ظريف الدور الذي تلعبه الحكومة العراقية في تبني سياسة الحوار والتهدئة من أجل أمن واستقرار وسلام المنطقة خلال لقاء جمعه برئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي مساء أمس الأول. وأكد ظريف، الذي تتهم بلاده بدعم فصائل عراقية مسلحة تشن هجمات على المصالح الأميركية ببغداد، «رفض إيران لأي تصرف أو سلوك يؤثر سلبا على الأمن في العراق».

من جهته، أشار الكاظمي إلى «أهمية التواصل بين مسؤولي البلدين، في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة والعالم، والتي تتطلب استمرار الحوار وتبادل الأفكار بين دول المنطقة من أجل إرساء التهدئة والسلام». ولاحقاً، أجرى ظريف مشاورات مع رئيس تيار الحكمة السيد عمار الحكيم تناولت تطورات الشأن العراقي والدولي.

في سياق ذي صلة، اقتربت قطع بحرية تابعة لقوات «الحرس الثوري» الإيراني بشكل «عدواني» من سفينتين أميركيتين في مياه الخليج أبريل الجاري، حسب ما أعلن الأسطول الخامس الأميركي، في أول حادث من نوعه هذا العام.

وأوضح الأسطول، في بيان، أن سفينة وثلاثة زوارق هجومية سريعة إيرانية اقتربت من السفينتين الأميركيتين اللتين كانتا تقومان بدوريات أمنية روتينية في الثاني من أبريل.

وقال البيان إن المسافة التي اقتربت بها السفينة الإيرانية من السفينتين الأميركيتين، وبلغت نحو 65 مترا، كانت «غير ضرورية»، ما اضطر إحدى السفينتين إلى القيام بمناورة لتفادي الاصطدام وإطلاق خمس طلقات تحذيرية.

حلحلة فيينا

في غضون ذلك، توجه المبعوث الأميركي الخاص، روبرت مالي، أمس، إلى فيينا للمشاركة في مفاوضات النووي الإيراني، بعد توقف المحادثات عدة أيام قضتها الوفود في بلدانها للتشاور.

ومن المقرر أن تبدأ الجولة الثالثة من مباحثات فيينا اليوم، وسط تحركات وتسريبات تؤشر على بوادر حلحلة.

على صعيد منفصل، أفاد «الحرس الثوري» بمقتل قائد الكتيبة 310 في مدينة أشنوية الواقعة بمحافظة اذربيجان شمال غربي البلاد، الرائد وحيد زرافشان «خلال أداء مهمته إثر حادث أمني».