بينما كان المراقبون يرجّحون أن تكون إسرائيل المحطة الثانية بعد مصر في سياسة إصلاح العلاقات التي اعتمدها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، لمواجهة الضغوط المحتملة من إدارة الرئيس جو بايدن، تبيّن أن المساعي التي تبذلها تركيا مع السعودية لترميم العلاقة بين هذين البلدين الإسلاميين الكبيريين قد تكون تسير على طريق أقل وعورة من خط أنقرة-تل أبيب.

وتحدثت مصادر دبلوماسية عن "بوادر اتفاق" لإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، مشيرة الى أن "الإعلان عن عودة المياه الى مجاريها سيسبقه بالتأكيد تصريحات لتلطيف الاجواء وتهيئة الرأي العام"، وذلك بعيد تصريحات إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية، ومستشار إردوغان، التي أشار فيها إلى وجود مساع تركية لإصلاح العلاقة مع السعودية.

Ad

وقال كالين إن تركيا "ستبحث عن سبل لإصلاح العلاقات بأجندة أكثر إيجابية مع السعودية"، مضيفا أن تركيا تأمل في إنهاء "المقاطعة".

وفي تغير ملحوظ في لهجة أنقرة، رحب كالين، وللمرة الأولى، بالمحاكمة التي أجرتها السعودية وقضت العام الماضي بسجن 8 متهمين بقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في السفارة السعودية بأنقرة بين 7 سنوات و20 عاما. وقال كالين: "لديهم محكمة أجرت محاكمات. اتخذوا قرارا وبالتالي فنحن نحترم ذلك القرار".

مصر

وعن العلاقات مع مصر، أوضح كالين أن "هناك اتصالات بين رؤساء أجهزة الاستخبارات ووزيري خارجية البلدين، وإن بعثة دبلوماسية تركية ستزور القاهرة أوائل مايو المقبل"، مشيراً إلى أن المحادثات التي سيجريها الوفد التركي بالقاهرة يمكن أن تسفر عن تعاون جديد بين البلدين، وتساعد في الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في ليبيا.

واعتبر كالين أن "التقارب مع مصر سيساعد في تأكيد الوضع الأمني في ليبيا، لأن لمصر حدودا طويلة معها، وقد يشكل ذلك في بعض الأحيان تهديدا أمنيا لها".

وتابع: "بالنظر إلى الحقائق على أرض الواقع، أعتقد أن من مصلحة البلدين والمنطقة تطبيع العلاقات مع مصر".

وفي القاهرة، بدأت عجلة الاستعدادات المصرية-التركية لإجراء اللقاء المرتقب على مستوى نواب وزراء الخارجية، الأسبوع المقبل، في الدوران. وعلمت "الجريدة" أن الملف الليبي، بالإضافة إلى ملف استعادة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء، ستكون الموضوعات التي سيتم مناقشتها بشكل أولي، خلال اجتماعات الأسبوع المقبل.

وأشارت مصادر مطلعة إلى أنه من السابق لأوانه الحديث عن الخطوة التالية، بعد اجتماعات القاهرة المرتقبة، التي ستضع الكثير من النقاط على الحروف، إلا أن النية المتبادلة بين الطرفين هي استعادة العلاقات على قاعدة احترام المصالح المتبادلة وسيادة كل دولة.

وكانت مصادر أشارت الى أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ناقش خلال زيارته إلى الدوحة المقربة من أنقرة، التوتر التركي-الإيراني المتصاعد في محاولة لتخفيف التوتر.

وقبل أسابيع قتل جندي تركي في قصف صاروخي على قاعدة بعشيقة التركية شمال العراق. واتهمت فصائل عراقية موالية لايران بالوقفوف وراء القصف. كما عبرت طهران عن غضبها بعد استبعادها عن محادثات روسية-تركية حول سورية.

تهديد تركي

وفي أعنف وأوضح تهديد من قبل أنقرة، وفي خطوة من المتوقّع لها أن تبعد إردوغان أكثر فأكثر عن الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي اعترف السبت بمجازر الأرمن خلال حكم العثمانيين (إبادة جماعية)، نقلت وكالة "بلومبرغ" الأميركية للأنباء عن مسؤول تركي، أمس، أن رد بلاده المحتمل على إعلان بايدن، قد يشمل تجميد العمل باتفاقية التعاون الدفاعي والاقتصادي الموقعة بين أنقرة وواشنطن عام 1980، والتي تشكل الوثيقة الأساسية للتعاون العسكري الثنائي بينهما.

وأشار المسؤول إلى أن الخطوات التركية قد تشمل أيضا شن عملية ضد القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة في سورية، وزيادة الدعم لأذربيجان.

وتنص الاتفاقية على تقديم المساعدة الأمنية وتبادل المعلومات الاستخباراتية وإجراء تدريبات مشتركة، وتتيح للولايات المتحدة استخدام القواعد العسكرية التركية.

يذكر أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان هدّد في ظل التوترات مع واشنطن، في وقت سابق، بحرمان الولايات المتحدة من إمكان استخدام محطة الرادار كوريجيك المهمة بالنسبة للدفاعات الصاروخية لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وقاعدة إنجرليك الجوية القريبة من سورية، لكنه لم يقدم على ذلك حتى الآن.

ورغم هذا الغضب، فإن تركيا لا تستطيع الرد على ذلك بالانسحاب من "الناتو" أو إغلاق القواعد الأميركية على أراضيها.

لكن الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جون كيربي استبعد خلال مؤتمر صحافي، أمس الأول، أي تأثير للاعتراف الاميركي بـ"الابادة الارمنية" على العلاقات العسكرية بين البلدين، مشدداً على أن بلاده "حريصة على العمل مع أنقرة عن كثب في الكثير من الملفات المهمة على الساحة الدولية، وعلى رأسها محاربة وجود تنظيم "داعش" والجماعات الإرهابية في سورية".

وتبذل واشنطن وأنقرة جهداً مضنياً لإصلاح العلاقات التي تصدعت في السنوات الماضية بسبب عدد من القضايا، من بينها شراء تركيا نظام الدفاع الصاروخي الروسي S400، الذي كان من شأنه فرض عقوبات أميركية على أنقرة إضافة إلى خلافات بشأن سياسة كل منهما في سورية ونزاعات قضائية.

إردوغان

وفي أول تصريحات له بهذا الشأن، انتقد إردوغان، أمس الأول، خطوة بايدن "الخاطئة"، مؤكدا انها ستضر بالعلاقات.

واتهم الرئيس التركي نظيره الأميركي بـ "الرضوخ لضغوطات الجماعات الأرمنية المتطرفة والمعادية لتركيا، واستخدم عبارات آلمتنا، وهي غير محقة ولا أساس لها، وتخالف الحقائق بشأن أحداث أليمة وقعت قبل أكثر من قرن".

وأضاف: "هناك مقابر جماعية للأتراك قتلهم الأرمن في أماكن كثيرة، لكن لا يوجد أي مكان تجدون فيه مقبرة جماعية للأرمن لأنها لم تقع أصلا"، وتابع: "إذا كنتم تتحدثون عن إبادة جماعية فيتعين عليكم النظر إلى المرآة ومحاسبة أنفسكم".

وتوقع إردوغان مناقشة جميع القضايا الخلافية مع بايدن في قمة حلف شمال الأطلسي في يونيو المقبل.