كانت هناك أسباب عِدة وراء تأخر نجومية حسني حسني في السينما، رغم طاقاته الفنية الهائلة، وقد ظل يبحث عن فرصة حقيقية لإثبات موهبته، ما دفعه إلى التركيز في الدراما التلفزيونية، وغاب عن مصر لفترة، وشارك خلال عقد السبعينيات في العديد من المسلسلات باستديوهات دبي وعجمان، وحينها أطلق عليه زملاؤه "الممثل الطائر"، وكذلك أطلق عليه الكاتب الصحافي موسى صبري لقب "القشَّاش" ويعني القطار الذي يقف في جميع المحطات.

ورغم تراكم أعماله الفنية، ظل مشغوفاً بالوجود في كواليس السينما والمسرح، وطرق أبواب دراما الشاشة الفضية، كأنه يرفض الاستسلام لذكريات بعيدة، والتي جرفت ذات يوم الطفل اليتيم إلى مسرح المدرسة، وأصبح عاشقاً للتمثيل، ولا يرى نفسه في مهنة أخرى، ليقطع مرحلة طويلة في سجن الأدوار الثانوية، وفي كل مرة يترك أثراً، ويكشف عن موهبته المتقدة، ويلقى الثناء من المخرجين وزملائه من النجوم، من دون أن تسيطر عليه عقدة غياب أدوار البطولة المطلقة.

Ad

نأسف لهذا الخطأ

وجاءت إطلالته في سينما الثمانينيات، مغايرة للعقدين السابقين، وتشكلت ملامحه كممثل في أذهان الجمهور، واستقر اسمه في "أفيشات" الأفلام، ومنها فيلم "قهوة المواردي" عام 1982، للمخرج هشام أبوالنصر، المأخوذ عن رواية للكاتب محمد جلال، ودارت أحداثه في أجواء الحارة الشعبية، وجسَّد شخصية "غُباشة" أمام النجوم فريد شوقي ونبيلة عبيد ويوسف شعبان وفاروق الفيشاوي، ويعتبر هذا الفيلم من بين أوائل الأفلام المهمة التي تناولت فترة الانفتاح الاقتصادي في مصر، وحقّق نجاحاً جماهيرياً كبيراً.

وفي العام نفسه، عاد حسني مرة أخرى إلى الشاشة الصغيرة، وشارك في الفيلم التلفزيوني "الحل اسمه نظيرة"، قصة نجيب محفوظ، وإخراج سعيد عبدالله، وبطولة ليلى علوي وسعيد صالح وعقيلة راتب ووحيد سيف، وأسند إليه المخرج حسن الإمام دور "موسى عبدالحميد" في فيلم "ليالٍ"، قصة الكاتب جورج إبراهيم الخوري، وبطولة سهير رمزي وحسين فهمي ومحمود عبدالعزيز وتحية كاريوكا.

وغاب "الممثل الطائر" عن السينما لمدة أربعة أعوام، وعاد في عام 1986 بدور محوري في فيلم "وداعاً يا ولدي"، للمخرج تيسير عبود وبطولة النجمة سميرة أحمد وصلاح قابيل وهالة صدقي وممدوح عبدالعليم، ولعب دور أب لديه طفلان يُسجن ظلماً ويموت في السجن حزناً، وتتفانى الأم في تربية الابنين، ولكن أحدهما يفشل في دراسته ويتاجر في المخدرات ويحسِّن وضع الأسرة، والثاني ضابط شرطة يلاحق تجّار المخدرات.

وفي العام ذاته، قدّم حسني دور "قُرني" في فيلم "رجل قتله الحب" للمخرج شريف حمودة، ودارت أحداثه في إطار من الدراما الاجتماعية الممزوجة بالإثارة والتشويق، وشارك في بطولته أبوبكر عزت، وعايدة عبدالعزيز وهياتم. كما جسّد أيضاً شخصية "شفيق" في فيلم "نأسف لهذا الخطأ" للمخرج حسن سيف الدين، وبطولة فاروق الفيشاوي وإلهام شاهين وبوسي، ودارت قصته حول "صادق" الكاتب البسيط بمكتب المحامي "عصام" الذي يتعرض لمآزق عديدة.

فيش وتشبيه

ولعب حسني دور ضابط شرطة يُدعى "بهجت سليمان" في فيلم "فيش وتشبيه" للمخرج عدلي يوسف، وبطولة أحمد بدير ودلال عبدالعزيز ومحمود الجندي، وتدور قصته في إطار كوميدي حول الشاب الريفي "غريب" الذي يصل إلى القاهرة بعد أن باع أرضه ليقع في أيدي نصاب، يوهمه بعمل مشروع ويستولي على أمواله، وتتشابه أحداث هذا الشريط السينمائي مع فيلم "العتبة الخضراء" الذي أُنتِج عام 1959 للمخرج فطين عبدالوهاب، وبطولة نجم الكوميديا إسماعيل ياسين.

ولا ينتهي عام 1986 من دون أن يظهر حسني في فيلم "رجل في عيون امرأة"، وأسند إليه المخرج جمال عمَّار دور عامل الطاحونة "عبدالمتعال" أمام صلاح ذوالفقار وإلهام شاهين وحاتم ذوالفقار، وتدور قصته حول فتاة صغيرة تعيش مع والدها "عبدالمتعال" ويرغب ابن صاحب الطاحونة في الزواج منها، ويعارض والده إتمام تلك الزيجة، بسبب الفارق الاجتماعي بينهما.

وفي عام 1987، ظهر اسمه على "أفيشات" ستة أفلام، وبدأت بالفيلم التلفزيوني الاجتماعي "يوميات امرأة عصرية" للمخرجة أنعام محمد علي، وبطولة ليلى طاهر وصلاح قابيل ورجاء الجداوي، وعاد إلى السينما في فيلم "زوجة رجل مهم" سيناريو رؤوف توفيق وإخراج محمد خان، ولعب دور "عميد الشرطة" أمام أحمد زكي وميرفت أمين وزيزي مصطفى ونظيم شعراوي.

وتجدّد لقاء حسن حسني بالمخرج عاطف الطيب في فيلم "البدرون" سيناريو عبدالحي أديب، وجسّد شخصية صاحب العمارة "الدندراوي" أمام سهير رمزي وليلى علوي وسناء جميل وعايدة عبدالعزيز وجلال الشرقاوي وأحمد بدير، وتدور قصة الفيلم في إطار اجتماعي حول الأرملة الفقيرة "أم الخير" وأولادها يوسف وعائشة ورقية، وتتطلع الأخيرة للثراء، وترتبط بصاحب العمارة، وتتصاعد الأحداث.

وتراوحت أعمال حسن حسني بين التراجيديا والكوميديا، وشارك خلال عام 1990 في فيلم "أنا وحماتي والزمن" ولعب دور "زوج الحماة" أمام أحمد بدير وميمي جمال وعايدة رياض، وحاول المخرج نبيل زكي أن يستعيد أصداء نجاح سلسلة أفلام الحماوات، مثل "حماتي قنبلة ذرية" (1952)، و"الحموات الفاتنات" 1953، للمخرج حلمي رفلة، وبطولة نجمة الكوميديا في الخمسينيات ماري منيب.

النظرة الأخيرة

واستقر "القشاش" في دور الأب بأقنعته المتعددة، وأراد تحقيق المعادلة الصعبة بين الانتشار وجودة العمل الفني، وعثر على ضالته في أفلام عاطف الطيب كمخرج متميز ينتقي أعماله المُعبِّرة عن المجتمع، وحين قرأ حسني سيناريو "ضربة معلم" أدرك أنه أمام مغامرة سينمائية مغايرة، وفوجئ بالطيب يمنحه مشهداً واحداً فقط في هذا الفيلم لكنه ظهور مؤثر ولا يمكن إلغاؤه، ليقف أمام كوكبة من النجوم منهم نور الشريف وكمال الشناوي وليلى علوي.

وظهر حسن حسني في فيلم واحد فقط خلال عام 1988، وخاض تجربة مختلفة، مع المخرج ياسين إسماعيل ياسين، والمعروف بأفلامه ذات الطابع التشويقي، والتي تحمل أصداءً من أفلام المخرج الأميركي ألفريد هيتشكوك، وقام حسني بدور "آدم" في "ولو بعد حين"، بطولة حسين فهمي وناهد يسري وسعيد عبدالغني وصلاح نظمي، ودارت قصته حول جريمة قتل يتهم بها شخص ظلماً ويُحكم عليه بالإعدام، ويستمر ضابط المباحث وخطيبة المتهم بالبحث حتى يتمكنان من معرفة القاتل الحقيقي.

ويذهب "القشاش" إلى أجواء الريف المصري، ويتقمص دور المزارع "الصاوي" في فيلم "النظرة الأخيرة" للمخرج شريف حمودة، وبطولة بوسي ويوسف شعبان، وتدور قصته حول سائق شاب يرغب في الزواج من "فرحة" ابنة "الصاوي" المتورط في أعمال غير مشروعة، ويتعقبه محمود "ضابط المباحث" ويبلغ الصدام ذروته في نهاية غير متوقعة.

فارس في المدينة

وانضم حسني إلى نادي "أصحاب المواهب الطاغية" مثل صلاح منصور وزكي رستم وحسن البارودي، وهؤلاء كانت لا تعنيهم أدوار البطولة المطلقة، بل أسهم حضورهم في منح تلك الأعمال أسباب التفرد، والكثيرون من ممثلي الأدوار الثانية كانوا بمثابة ركيزة لنجاح العمل السينمائي أو الدرامي، بما لديهم من حضور وتوهج يمتد أثره العميق إلى وجدان المشاهد.

وخلال مسيرة "الجوكر" ترك بصمات متفردة، ومنها لقاؤه مع المخرج المتميز سعيد مرزوق، وتقمصه دور الأب في فيلم "المغتصبون" عام 1989، سيناريو الكاتب فيصل ندا، وكان هذا العمل من التجارب الصعبة في الأداء، لما يحمله هذا الشريط السينمائي من كشف صادم لجريمة اغتصاب حقيقية، وحقّق نجاحاَ جماهيرياً كبيراً، وقام ببطولته ليلى علوي ومحمد كامل وحمدي الوزير.

وبعد غياب طويل عن أفلام المخرج صلاح أبوسيف، عاد في عام 1991، بدور من أهم علامات مسيرته الفنية، وهو دور "حمدان الويشي" المتعهد في فيلم "المواطن مصري" ليلتقي للمرة الأولى النجم العالمي عمر الشريف، وفي هذه الشخصية أبدع حسني من خلال اهتمامه بتفاصيل دقيقة، لإبراز ملامح المزور المخادع، والعقل المدبر لتزوير أمر استبدال ابن الغفير بابن العمدة ليؤدي عنه الخدمة العسكرية في زمن الحرب.

وسطعت موهبته المتوهجة في مشهد جمعه مع "العمدة" الذي قام بدوره النجم عمر الشريف، وهو يحاول الحصول منه على أية مبالغ إضافية من المال، فيتفتق ذهنه الشيطاني عن فكرة استخراج شهادة وفاة مزورة لابن الغفير ليؤمِّن موقف "العمدة" في حال ما عاد الشاب حياً من جبهة القنال وطالبه بحقوقه.

ويمضي "القشاش" في طريق الأدوار المتفردة، ويلعب دوراً مهماً في فيلم "فارس في المدينة" للمخرج محمد خان وأول بطولة للنجم محمود حميدة، بل إن شخصية "عبدالعظيم القُرُنفُلي" تحتاج إلى شريط سينمائي منفرد، بما تحمله من رهافة ومشاعر إنسانية بالغة العذوبة، ويتخذ مسارها الدرامي بُعداً فلسفياً، فهذا الرجل يكسب عيشه من ادعاء الإصابة في حوادث متفرقة، ومن خلال أداء بسيط وفهم لأعماق هذا النموذج الإنساني، استطاع أن يؤثر في وجدان المشاهد،

لا سيما عند لقائه بالشاب "فارس" اللاهث وراء جني المال، ويمنحه سر السعادة، وأن عليه أن يستمتع بحياة هانئة، ويقنع بما هو متاح.

جائزة عالمية بتوقيع «سارق الفرح»

كان عقد التسعينيات من القرن العشرين نقطة انطلاق حسن حسني إلى النجومية في عالم السينما، وظهور اسمه بشكل دائم في "أفيشات" الأفلام، وعمل مجدداً مع المخرج عاطف الطيب في فيلم "على الأسفلت" (1992)، للكاتب المبدع أسامة أنور عكاشة وبطولة نور الشريف وحنان شوقي وإيمان الطوخي وطارق لطفي، ولعب حسني شخصية موظف نزيه يعمل "سكرتير في محكمة"، ويُتهم زوراً بتقاضي رشوة.

وحاز عدة جوائز على دوره في هذا الفيلم، منها جائزة أحسن ممثل من المهرجان القومي للسينما المصرية عام 1993، متفوقاً على عدة أسماء بارزة منها نور الشريف وأحمد زكي ومحمود عبدالعزيز. ونال أيضاً جائزة أحسن ممثل من مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي عن دوره في فيلم "فارس المدينة" للمخرج محمد خان. ثم قدم شخصية "ركبة" القرداتي الصعبة والمركبة في فيلم "سارق الفرح" إنتاج عام 1994، ونال على هذا الدور خمس جوائز منها جائزة عالمية من إيطاليا.

«المنشار» يكشف سر كثرة ظهوره

استطاع الفنان حسن حسني أن يفرض نفسه على الساحة الفنية، ويحطم الأرقام القياسية في عدد مشاركاته السينمائية والتلفزيونية، وتعددت أقنعته في تجسيد شخصيات متباينة بأعمال كوميدية وتراجيدية، حتى لقبه البعض بـ "القشاش"، لبراعته الشديدة في إقناع المتفرج، وقدرته على التلون وصدق انفعالاته، ليثبت أنه ممثل من طراز نادر.

ومن أغرب الألقاب التي حصل عليها "المنشار" وأطلقه عليه المخرج خيري بشارة، لمشاركته في عدد كبير من الأعمال الفنية، وكان السبب الحقيقي لكثرة مشاركاته، أنه عشق التمثيل ولا يتخيل أن تخلو حقيبته من سيناريوهات جديدة، وأن يصحو من نومه من دون الذهاب إلى الاستديو أو موقع تصوير فيلم أو مسلسل درامي.

وفي السنوات الأخيرة من حياته، تباينت مشاعره بين الضيق من كثرة العمل والخوف من الوحدة والاعتزال الجبري، وأن يأتي يوم لا تعرض عليه أي أعمال فنية، وكان النص الجيد شرطه الوحيد لقبول العمل، وبعد ذلك مخرج ذو خبرة وفنانون على كفاءة عالية.

أحمد الجمَّال