ولما كانت الليلة الثامنة والستون بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أنه عندما صاح الكفار على بعضهم ولبسوا السلاح، وقالوا: قد هجمت علينا الأعداء، ثم قتلوا من بعضهم ما لا يعلم عدده إلا الله تعالى، ولما كان الصباح فتّشوا على الأسارى فلم يجدوا لهم أثراً، فقال رؤساؤهم: إن الذي فعل بكم هذه الفعال هم الأسارى الذين كانوا عندنا، فدونكم والسعي خلفهم حتى تلحقوهم فتسقوهم كأس الوبال، ولا يحصل لكم خوف ولا انذهال.
حيّ على الجهاد
ثم إنهم ركبوا خيولهم وسعوا خلفهم، فما كان إلا لحظة حتى لحقوهم وأحاطوا بهم، فلما رأى ضوء المكان ذلك ازداد به الفزع، وقال لأخيه: إن الذي خفت من حصوله قد حصل، وما بقي لنا حيلة إلا الجهاد، فلزم شركان السكوت عن المقال، ثم انحدر ضوء المكان من أعلى الجبل وكبّرت معه الرجال وعولوا على الجهاد وبيع أنفسهم في طاعة رب العباد، فبينما هم كذلك وإذا بأصوات يصيحون بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير، فالتفتوا إلى جهة الصوت فرأوا جيوش المسلمين وعساكر الموحدين مقبلين، فلما رأوهم قويت قلوبهم، وحمل شركان على الكافرين وهلّل وكبّر هو ومن معه من الموحدين، فارتجت الأرض كالزلزال وتفرقت عساكر الكفار في عرض الجبال، فتبعتهم المسلمين بالضرب والطعان، وأطاحوا منهم الرؤوس عن الأبدان، ولم يزل ضوء المكان هو ومن معه من المسلمين يضربون في أعناق الكافرين إلى أن ولّى النهار وأقبل الليل بالاعتكار.
بهرام ورستم
ثم انحاز المسلمون إلى بعضهم وباتوا مستبشرين طول ليلهم، فلما أصبح الصباح وأشرق بنوره ولاح، رأوا بهرام مقدم الديلم، ورستم مقدم الأتراك، ومعهما عشرون ألف فارس مقبلين عليهم كالليوث العوابس، فلما رأوا ضوء المكان ترجّل الفرسان وسلّموا عليه وقبّلوا الأرض بين يديه، فقال لهم ضوء المكان: أبشروا بنصر المسلمين وهلاك الكافرين.ثم هنأوا بعضهم بالسلامة وعظيم الأجر في القيامة، وكان السبب في مجيئهم إلى هذا المكان أن الأمير بهرام والأمير رستم والحاجب الكبير لما ساروا بجيوش المسلمين والرايات على رؤوسهم منشورة حتى وصلوا إلى القسطنطينية، رأوا الكفار قد طلعوا على الأسوار وملكوا الأبراج والقلاع، واستعدوا في كل حصن مناع حين علموا بقدوم العساكر الإسلامية والأعلام المحمدية، وقد سمعوا قعقعة السلاح وضجة الصياح، ونظروا فرأوا المسلمين وسمعوا حوافر خيولهم من تحت الغبار، فإذا هم كالجراد المنتشر والسحاب المنهمر، وسمعوا أصوات المسلمين بتلاوة القرآن وتسبيح الرحمن، وكان السبب في إعلام الكفار بذلك ما دبّرته العجوز ذات الدواهي من زورها وبهتانها ومكرها، حتى قربت العساكر كالبحر الزاخر من كثرة الرجال والفرسان والنساء والصبيان، فقال أمير الترك لأمير الديلم: يا أمير إننا بقينا على خطر منا للأعداء الذين فوق الأسوار فأنظر إلى تلك الأبراج وإلى هذا العالم الذي كالبحر العجاج المتلاطم بالأمواج، إن هؤلاء الكفار قدرنا مئة مرة، ولا نأمن من جاسوس شر فيخبرهم أننا على خطر من الأعداء الذين لا يحصى عددهم ولا ينقطع مددهم، خصوصاً مع غيبة الملك ضوء المكان وأخيه والوزير دندان، فعند ذلك يطمعون فينا لغيبتهم عنّا، فيمحقوننا بالسيف عن آخرنا ولا ينجو منا ناج، ومن الرأي أن نأخذ 10 آلاف فارس من المواصلة والأتراك، ونذهب بهم إلى دير مطروحنا لطلب إخواننا وأصحابنا، فإن أطعتموني فلا لوم عليّ، وإذا توجهتم ينبغي أن ترجعوا إلينا مسرعين، فإن من الحزم سوء الظن، فعندما قبل الأمير كلامه انتخب عشرين ألف فارس، وساروا يقطعون الطرقات طالبين الدير المشهور. وهذا ما كان سبب مجيئهم.هجمة رومية
وأما ما كان من أمر العجوز ذات الدواهي، فإنها لما أوقعت السلطان ضوء المكان وأخاه شركان والوزير دندان في أيدي الكفار، أخذت جواداً وركبته، وقالت للكفار: إني أريد أن ألحق عسكر المسلمين وأتحيّل على هلاكهم، لأنهم في القسطنطينية، فأعلمهم أن أصحابهم هلكوا، فإذا سمعوا ذلك منّي تشتت شملهم، وانصرم حبلهم، وتفرّق جمعهم.ثم أدخل أنا إلى الملك أفريدون ملك القسطنطينية وولدي الملك حردوب ملك الروم، وأخبرهما بهذا الخبر، فيخرجان بعساكر إلى المسلمين ويهلكونهم ولا يتركون أحداً منهم.ثم سارت لقطع الأرض على ذلك الجواد طول الليل، فلما أصبح الصباح لاح عسكر بهرام ورستم، فدخلت بعض الغابات وأخفت جوادها هناك، ثم خرجت وتمشت قليلاً، وهي تقول في نفسها: لعل عساكر المسلمين قد رجعوا منهزمين من حرب القسطنطينية، فلما قربت منهم نظرت إليهم وتحققت أعلامهم، فرأتها غير منكسة فعلمت أنهم أتوا غير منهزمين ولا خائفين على ملكهم وأصحابهم.فلمّا عاينت ذلك أسرعت نحوهم بالجري الشديد مثل الشيطان المريد إلى أن وصلت إليهم، وقالت لهم: العجل العجل يا جند الرحمن إلى جهاد حزب الشيطان، فلما رآها بهرام أقبل عليها وترجّل وقبّل الأرض بين يديها، وقال لها: يا ولي الله ما وراءك؟ فقالت: لا تسأل عن سوء الحال وشديد الأهوال، فإن أصحابنا لما أخذوا المال من دير مطروحنا أرادوا أن يتوجهوا إلى القسطنطينية، فعند ذلك خرج عليهم عسكر جرار ذو بأس من الكفار.ثم إن الملعونة أعادت عليهم أرجافاً وجلاً، وقالت: إن أكثرهم هلك ولم يبق إلا خمسة وعشرون رجلاً، فقال بهرام: أيها الزاهد متى فارقتهم؟ فقال: في ليلتي هذه، فقال بهرام: سبحان الذي طوى لك الأرض البعيدة وأنت ماش على قدميك متكئاً على جريدة، لكنّك من الأولياء الطيّارة المهمين وحي الإشارة، ثم ركب على ظهر جواده وهو مدهوش وحيران بما سمعه من ذات الإفك والبهتان، وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لقد ضاع تعبنا وضاقت صدورنا وأسر سلطاننا ومن معه، ثم جعلوا يقطعون الأرض طولاً وعرضاً، ليلاً ونهاراً، فلما كان وقت السحر أقبلوا على رأس الشعب، فرأوا ضوء المكان وأخاه شركان يناديان بالتهليل والتكبير والصلاة والسلام على البشير النذير، فحمل هو وأصحابه وأحاطوا بالكفار إحاطة السيل بالقفار، وصاحوا عليهم صياحاً ضجت منه الأبطال وتصدعت منه الجبال، فلما أصبح الصباح وأشرق بنوره ولاح، تعارفوا ببعضهم كما تقدّم ذكره، فقبّلوا الأرض بين يدي ضوء المكان وأخيه شركان، وأخبروهم بما جرى لهم في المغارة، فتعجّبوا من ذلك.مدد ومعونة
ثم قالوا لبعضهم: أسرعوا بنا إلى القسطنطينية، لأننا تركنا أصحابنا هناك وقلوبنا عندهم، فعند ذلك أسرعوا في المسير، وتوكلوا على اللطيف الخبير، وكان ضوء المكان يقوي المسلمين على الثبات، وينشد هذه الأبيات:لك الحمد مستوجب الحمد والشـكـر فما زلت لي بالعون يا رب في أمريربيت غريباً في البلاد وكـنـت لـي كفيلاً، وقد قدّرت يا ربنـا نـصـريوأعطيتني مالاً ومُـلـكـاً ونـعـمة وقلدتني سيف الشجاعة والـنـصـروخولتني ظل المليك معـمـراً وقد جُدت لي من فيض جودك بالغمربفضلك قد صُلنا على الـروم صـولة وقد رجعوا بالضـرب فـي خـوروأظهرت أنّي قد هـزمـت هـزيمة وعدت عليهم عودة الضيغم الغـمـرتركتهم في القاع صرعى كـأنـهـم نشاوى بكأس الموت لا قهوة الخمـروصارت بأيدينا المراكـب كـلـهـا وصار لنا السلطان في البر والبحـروجاء إلينا الزاهـد الـعـابـد الـذي كرامته شاعت لدى البدو والحَضْـرأتينا لأخذ الثأر من كل كـافـر وقـد شاع عند الناس ما كان مـن أمـريوقد قتلوا منا رجـالاً فـأصـبـحـوا لهم غرف في الخلد تعلو على نهـرفلما فرغ ضوء المكان من شعره هنأه أخوه شركان بالسلامة وشكره على أفعاله، ثم إنهم توجهوا مجدين المسير، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.الحاجب والزاهد
وفي الليلة التاسعة والستين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن شركان هنأ أخاه ضوء المكان بالسلامة وشكره على أفعاله، أما العجوز ذات الدواهي فإنها لمّا لاقت عسكر بهرام ورستم عادت إلى الغابة، وركبت جوادها، وأسرعت في سيرها حتى أشرفت على عسكر المسلمين والمحاصرين للقسطنطينية، ثم نزلت وأخذت جوادها وأتت به إلى السرادق الذي فيه الحاجب، فلما رآها نهض لها قائماً، وأشار إليها بالإيماء، وقال: مرحباً بالعابد الزاهد، ثم سألها عمّا جرى فأخبرته بخبرها المرجف وبهتانها المتلف، وقالت له: إني أخاف على الأمير رستم والأمير بهرام، لأني قد لاقيتهما مع عسكرهما في الطريق، وأرسلتهما إلى الملك ومن معه وكانا في عشرين ألف فارس، والكفار أكثر منهم وإنّي أردت في هذه الساعة أن ترسل جملة من عسكرك حتى يلحقوهم بسرعة، لئلا يهلكوا عن آخرهم، وقالت لهم: العجَل العجَل.فلما سمع الحاجب والمسلمون منها ذلك الكلام، انحلت عزائمهم وبكوا، وقالت لهم ذات الدواهي: استعينوا بالله واصبروا على هذه الرزية، فلكم أسوة بمن سلف من الأمة المحمدية، فالجنة ذات القصور أعدها لمن يموت شهيداً، ولا بدّ من الموت لكل أحد، ولكنه في الجهاد أحمد، فلما سمع الحاجب كلام اللعينة ذات الدواهي، دعا بأخي الأمير بهرام، وكان فارساً يقال له تركاش، وانتخب له عشرة آلاف فارس أبطال عوابس، وأمره بالسير، فسار في ذلك اليوم وطول الليل حتى قرب من المسلمين، فلما أصبح الصباح رأى شركان ذلك الغبار، فخاف على المسلمين فإما هذا هو النصر المبين، وإما أن يكونوا من عسكر الكفار فلا اعتراض على الأقدار.رئيس العسكر
ثم إنه أتى إلى أخيه ضوء المكان، وقال له: لا تخف أبداً، فإني أفديك بروحي من الردى، فإن هؤلاء من عسكر الإسلام فهذا مزيد الأنعام، وإن كان هؤلاء من أعدائنا فلا بدّ من قتالهم، لكن أشتهي أن أقابل العابد قبل موتي لأسأله أن يدعو إلى ألّا أموت إلا شهيداً، فبينما هم كذلك إذا بالرايات قد لاحت مكتوباً عليها: لا إله إلا الله محمد رسول الله.فصاح شركان: كيف حال المسلمين؟ قالوا: بعافية وسلامة، وما أتينا إلا خوفاً عليكم، ثم ترجّل رئيس العسكر عن جواده وقبّل الأرض بين يديه، وقال: يا مولانا كيف السلطان والوزير دندان ورستم وأخي بهرام؟ هل الجميع سالمون؟ فقال: بخير، ثم قال له: ومن الذي أخبركم بخبرنا؟ قال: الزاهد قد ذكر أنه أتى أخي بهرام ورستم وأرسلهما إليكم، وقال لنا: إن الكفار قد أحاطوا بهم وهم كثيرون، وما أرى الأمر إلا بخلاف ذلك وأنتم منصورون، فقال لهم: وكيف وصل الزاهد إليكم؟ فقالوا له: كان سائراً على قدميه وقطع في يوم وليلة مسيرة عشرة أيام للفارس المجد، فقال شركان: لا شك أنه وليّ الله، وأين هو؟ قالوا له: تركناه عند عسكرنا أهل الإيمان يحرّضهم على قتال أهل الكفر والطغيان، ففرح شركان بذلك وحمد الله على سلامتهم وسلامة الزاهد، وترحموا على من قُتل منهم، وقالوا: كان ذلك في الكتاب المسطور.ظهور الزاهد
ثم ساروا مجدين في سيرهم، فبينما هم كذلك، إذا بغبار قد سار حتى سد الأقطار وأظلم منه النهار، فنظر إليه شركان، وقال: إني أخاف أن يكون الكفار قد كسروا عسكر الإسلام، لأن هذا الغبار سدّ المشرقين وملأ الخافقين، ثم لاح من تحت ذلك عمود من الظلام أشد سواداً من حالك الأيام، وما زالت تقرب منهم تلك الدعامة وهي أشد من هول يوم القيامة، فتسارعت إليها الخيل والرجال لينظروا ما سبب سوء هذا الحال، فرأوه الزاهد المشار إليه فازدحموا على تقبيل يديه وهو ينادي: يا أمة خير الأنام ومصباح الظلام، إن الكفار غدروا بالمسلمين، فأدركوا عساكر الموحدين وأنقذوهم من أيدي الكفرة اللئام، فإنهم هجموا عليهم في الخيام، ونزل بهم العذاب المهين، وكانوا في مكانهم آمنين، فلما سمع شركان ذلك الكلام طار قلبه من شدة الخفقان وترجّل عن جواده وهو حيران.ثم قبّل يد الزاهد ورجليه وكذلك أخوه ضوء المكان وبقية العسكر من الرجال والركبان، إلا الوزير دندان، فإنه لم يترجّل عن جواده.شكوك دندان
وقال دندان: والله إن قلبي نافر من هذا الزاهد، لأني ما عرفت للمتنطعين في الدين غير المفاسد، فاتركوه وأدركوا أصحابكم المسلمين، فكم غزوت مع الملك عمر النعمان ودُست أراضي هذا المكان، فقال له شركان: دع هذا الظن الفاسد، أما نظرت إلى هذا العابد وهو يحرّض المؤمنين على القتال، ولا يبالي بالسيوف والنبال؟ فلا تغتبه، لأن الغيبة مذمومة ولحوم الصالحين مسمومة، وانظر إلى تحريضه لنا على قتال أعدائنا، ولولا أن الله تعالى يحبه ما طوى له البُعد بعد أن أوقعه سابقاً في العذاب الشديد، ثم إن شركان أمر أن يقدّموا بغلة نوبية إلى الزاهد ليركبها، وقال له: اركب أيها الزاهد الناسك العابد، فلم يقبل ذلك وامتنع عن الركوب، وأظهر الزهد لينال المطلوب، وما دروا أن هذا الزاهد الطاهر هو الذي قال في مثله الشاعر:صلى وصام لأمر كان يطـلـبـه لما قضى الأمر لا صلّى ولا صاماثم إن ذلك الزاهد ما زال ماشياً بين الخيل والرجال كأنه الثعلب المحتال، رافعاً صوته بتلاوة القرآن وتسبيح الرحمن، وما زالوا سائرين حتى أشرفوا على عسكر الإسلام، فوجدهم شركان في حالة الانكسار والحاجب قد أشرف على الهزيمة والفرار، والسيف يعمل بين الأبرار والفجّار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.تشتيت الصفوف
وفي الليلة السبعين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن السبب في خذل المسلمين أن اللعينة ذات الدواهي عدوة الدين لما رأت بهرام ورستم قد سارا بعسكرهما نحو شركان وأخيه ضوء المكان، سارت هي نحو عسكر المسلمين وأبلغت الأمير تركاش، وقصدها بذلك أن تفرّق بين عسكر المسلمين لأجل أن يضعفوا، ثم تركتهم وقصدت القسطنطينية ونادت بطارقة الروم بأعلى صوتها، وقالت: أدلوا حبلاً لأربط فيه هذا الكتاب وأوصلوه إلى ملككم أفريدون ليقرأه هو وولدي ملك الروم، ويعملان بما فيه من أوامره ونواهيه، فأدلوا لها حبلاً فربطت فيه الكتاب وكان مضمونه: من عند الداهية والطامة الكبرى ذات الدواهي إلى الملك أفريدون، أما بعد، فإني دبّرت لكم حيلة على هلاك المسلمين، فكونوا مطمئنين وقد أسرتهم وأسرت سلطانهم ووزيرهم، ثم توجهت إلى عسكرهم وأخبرتهم بذلك، فانكسرت شوكتهم وضعفت قوتهم، وقد خدعت العسكر المحاصرين للقسطنطينية، حتى أرسلت منهم اثني عشر ألف فارس مع الأمير تركاش خلاف المأسورين، وما بقي منهم إلا القليل، فالمراد أنكم تخرجون إليهم بجميع عسكركم في بقية هذا النهار وتهجمون عليهم في خيامهم، لكنكم لا تخرجون إلا سواء واقتلوهم عن آخرهم.فلما وصل كتابها إلى الملك أفريدون فرح فرحاً شديدا،ً وأرسل في الحال إلى ملك الروم ابن ذات الدواهي وأحضره، وقرأ الكتاب عليه ففرح، وقال: انظر إلى مكر أمي فإنه يغني عن السيوف، وطلعتها تنوب عن هول اليوم المخوف.ثم أمر البطارقة بأن ينادوا بالرحيل إلى خارج المدينة، وشاع الخبر في القسطنطينية، وخرجت عساكر العصابة الصليبية وجرّدوا السيوف الحداد ، فلما نظر الحاجب إلى ذلك قال: إن سلطاننا غائب فربما هجموا علينا وأكثر عساكرنا قد توجه إلى الملك ضوء المكان، واغتاظ الحاجب ونادى: يا عسكر المسلمين وحماة الدين المتين إن هربتم هلكتم، وإن صبرتم نصرتم، فاعلموا أن الشجاعة صبر ساعة، وما ضاق أمر إلا أوجد الله اتساعه، بارك الله فيكم ونظر إليكم بعين الرحمة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.رحى السيوف
وفي الليلة الواحدة والسبعين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الحاجب قال لجيش المسلمين: بارك الله عليكم ونظر إليكم بعين الرحمة، فعند ذلك كبّر المسلمون وصاح الموحدون، ودارت رحى الحرب بالطعن والضرب، وعملت الصوارم والرماح، وملأ الدم الأودية والبطاح، وقست القسوس والرهبان، وأعلن المسلمون بالتكبير للملك الديان، وصاحوا بتلاوة القرآن، واصطدم حزب الرحمن بحزب الشيطان، وطارت الرؤوس عن الأبدان، وطافت الملائكة الأخيار على أمة النبي المختار، ولم يزل السيف يعمل إلى أن ولّى النهار وأقبل الليل بالاعتكار، وقد أحاط الكفار بالمسلمين، وطمع المشركون في أهل الإيمان إلى أن طلع الفجر وبان، فركب الحاجب هو وعسكره ورجا الله أن ينصره، واختلطت الأمم بالأمم، وقامت الحرب على ساق وقدم، وطارت القمم، وثبت الشجاع وتقدّم وولّى الجبان وانهزم، وقضى قاضي الموت وحكم، حتى تطاوحت الأبطال عن السروج وامتلأت بالأمواج المروج، وعزم المسلمون على الانكسار والهزيمة والفرار.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.اصطفاف
فبينما هم كذلك، إذا بقدوم شركان بعساكر المسلمين ورايات الموحدين، فلما أقبل عليهم شركان حمل على الكفار وتبعه ضوء المكان، وحمل بعدهما الوزير دندان، وكذلك أمير ديلم بهرام ورستم وأخوه تركاش، فإنهم لما رأوا ذلك طارت عقولهم وغاب معقولهم، وثار الغبار حتى ملأ الأقطار، واجتمعت واجتمع المسلمون الأخيار بأصحابهم الأبرار، واجتمع شركان بالحاجب فشكره على صبره وهنأه بتأييده ونصره، وفرح المسلمون وقويت قلوبهم، وحملوا على أعدائهم وأخلصوا لله في جهادهم، فلما نظر الكفار إلى الرايات المحمدية وعليها كلمة الإخلاص الإسلامية، صاحوا بالويل والثبور واستغاثوا ببطارقة الدبور، وانقبضت أيديهم عن القتال، وقد أقبل الملك أفريدون على ملك الروم، وصار أحدهما إلى الميمنة والآخر في الميسرة، وعندهم فارس مشهور يسمى لاويا، فوقف وسطاً واصطفوا للنزال وإن كانوا في فزع وزلزال، ثم صفّ المسلمون عساكرهم، وطلب أفريدون مبارزة شركان.