مع توصّل مؤسسة البترول الكويتية والهيئة العامة للاستثمار إلى اتفاق نهائي يقضي بأن تسدد المؤسسة أرباحا مرحّلة بنحو 8.25 مليارات دينار (27.44 مليار دولار) لخزينة الدولة خلال 15 عاما على أقساط، بواقع 550 مليونا سنويا - وهي خطوة مستحقة - تكون الحكومة قد استنفدت البدائل المليارية كافة لتغطية التزامات المالية العامة للدولة على المدى القصير، دون أن تتخذ أي إجراءات ذات استمرارية وديمومة على مستوى الإصلاح الاقتصادي الذي يعطي آثارا على المدى الطويل.
إجراءات وتداعيات
فالإدارة الحكومية خلال الفترة الماضية، وخصوصا مع تصاعد الآثار المزدوجة لانتشار فيروس كورونا بالتوازي مع انخفاض أسعار النفط في العالم وما ترتّب عليهما من تداعيات مالية واقتصادية قاسية، أبرزها بلوغ عجز الميزانية لمستويات تاريخية، اتخذت مجموعة من الإجراءات المالية الدفاعية القصيرة المدى، مثل وقف استقطاع حصة صندوق الأجيال القادمة المقدّرة بـ 10 في المئة من إجمالي الإيرادات النفطية ومبادلة أصول الاحتياطي العام بسيولة احتياطي الأجيال القادمة لمرتين حتى الآن، وأخيرا توريد الأرباح المحتجزة من مؤسسة البترول الى الهيئة العامة للاستثمار - الاحتياطي العام - كل هذا بغرض تمويل نفقات الميزانية على المدى القصير، وخصوصا فيما يتعلّق بسداد الرواتب والأجور.وإذا كان المدى القصير يتطلب، بطبيعته، قدرا من الإجراءات ذات الآليات السريعة أو المحدودة العمق، فإن المديين المتوسط والطويل يستوجبان اتخاذ سياسات ذات أبعاد متعلقة بالإصلاح الاقتصادي تتجاوز أهدافها مجرد تغطية نفقات الميزانية العامة، وهذه السياسات يجب أن تكون أعمق من محاولة الحكومة لتمرير قوانين الدّين العام أو سحب 5 مليارات دينار سنويا من احتياطي الأجيال القادمة، ناهيك عن تطبيق ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية في وقت لا تستطيع الدولة ضبط نفقاتها العامة.خطط واستراتيجيات
فالتحديات خلال الـ 10 سنوات القادمة تتطلب خططا واستراتيجيات أعمق من الحلول السريعة والمؤقتة التي يبدو أننا أدمنّاها في كل مرة، خصوصا مع ترقّب ارتفاع أسعار النفط، فالكويت تقف أمام تحديات غير مسبوقة، فإن كانت الدولة تشكو من عبء باب الرواتب والأجور الذي يستهلك نحو 52 في المئة من الميزانية، فإننا أمام أرقام مستقبلية رسمية تتوقّع دخول نحو 400 ألف شخص الى سوق العمل خلال 9 سنوات مقبلة، أي أكثر من عدد موظفي الدولة اليوم بنحو 36 ألفاً، مما قد يرفع قيمة باب الرواتب الحالية في الميزانية من 12 مليار دينار إلى نحو 24 ملياراً، بما يتجاوز ميزانية الدولة الحالية بجميع أبوابها بمليار دينار، الأمر الذي يجعل عملية الإصلاح الاقتصادي، بكل اختلالاتها بسوق العمل، والإيرادات غير النفطية، والتركيبة السكانية، وحجم وفعالية القطاع الخاص، ضرورةً لا خياراً، فأي دولة في العالم تستنزف مصداتها المالية القصيرة الأمد على مناحي إنفاق غير ضرورية أو محدودة الكفاءة الاقتصادية، مثل الكويت، ستكون ماليتها مهددة بالانكشاف على أيّ أزمة قادمة لا قدرة لدينا غالباً على التحكّم في معطياتها أو نتائجها، وهذا الأمر ليس مرتبطا فقط بتداعيات أزمة كورونا، بل بأزمات متعددة بعضها مرتبط بضعف الطلب على النفط لأيّ سبب كان، أو حتى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي.وتتعدد التحديات لتشمل كيفية التعامل مع دخول سوق الديون السيادية ومدى حصافة الاقتراض في ظل سياسات الهدر وتعاظم الإنفاق، الى جانب التأثير السلبي لتراجع أسعار النفط على مختلف الخدمات، كالرعاية السكنية والصحة والتعليم، فضلا عن توفير الرواتب لموظفي الدولة، ناهيك بإعادة تنمية الاحتياطي العام بعد استهلاك سيولته خلال أقل من 5 سنوات، إضافة إلى إعادة توجيه مصروفات الميزانية لمصلحة المشروعات ذات القيمة التنموية أكثر من الاستهلاكية، وفوق ذلك تحديات سوق العمل والتركيبة السكانية وخلق بيئة استثمارية مجدية للمستثمر المحلي والأجنبي، ومعالجة إخفاقات المشروعات الصغيرة والمتوسطة.مشكلة الكويت أنها لو جمعت من مختلف الإجراءات القصيرة الأمد ما يصل الى 50 مليار دينار، فإنها ستنفقها في أقل من 5 سنوات، وهذا يعني أن الرهان على الحلول القصيرة الأمد يصلح فقط للحالات الطارئة والظروف الاستثنائية، لكن لا يمكن أن تكون استراتيجية نتعامل بها مع تحديات هيكلية يصل عمرها إلى أكثر من 60 عاما.