كان في انتظار الممثلة المصرية عبير بيبرس، سيناريو آخر يصلح لفيلم سينمائي، لكنها قامت بتمثيله بعيداً عن "بلاتوه التصوير" والتقطت بهاتفها الجوال صورة "سيلفي" مع المجني عليه غارقاً في دمائه، واختارت أن تصوّر بنفسها اللحظة الأخيرة، لشريط طويل من الأحداث الدرامية، وكأنها توثق دليل إدانتها، وتختصر التحقيقات وجلسات النظر في القضية التي أثارت اهتمام الشارع المصري في الشهور الماضية.
«كما تدين تدان»
بدأت قصة بيبرس مع التمثيل في عام 2014، ببطولة الفيلم الروائي القصير "كما تدين تدان"، وشاركت في المسلسل الكوميدي "إلسع وفلسع"، بطولة كل من الفنان شريف صبحي، ومنير مكرم، وآمال رمزي، وظهر فيه كضيف شرف الفنان أحمد بدير، والفنان أحمد فرحات، ومن إخراج إيهاب عبداللطيف.وفي العام ذاته، شاركت في مسلسل كوميدي آخر بعنوان "شلة نصابين"، بطولة عبدالله مشرف ووائل علاء وأحمد صيام وميار الببلاوي، وفي 2016 شاركت في أول بطولة سينمائية لها من خلال فيلم "مشروع ميت"، بمشاركة الفنان أحمد الجوهري، ومن إخراج أحمد فوزي، ويعتبر العمل من "أفلام المقاولات" التي تعتمد على تمويل أبطاله، وعرضه في القنوات الفضائية.دارت أحداث "مشروع ميت" في إطار حل لغز غريب، وهو كيف نفذت جريمة القتل ومن القاتل في إطار كوميدي، ولكن القصة الواقعية اتخذت مساراً مأساوياً في حياة عبير بيبرس، بملامحها الهادئة التي لا توحي بأنها مجرمة أو خارجة عن القانون، وستصبح يوماً في مرمى الاتهام بارتكاب جريمة قتل، وقد ظلت إطلالتها في كواليس أعمالها الفنية، تثير الإعجاب بالتزامها بمواعيد التصوير، وعلاقتها الطيبة بزملائها.طوت بيبرس تفاصيل رحلتها الفنية القصيرة، وانسحبت في هدوء من عالم الأضواء والشهرة، وأسدلت الستار قبل أن يصفق لها الجمهور، وتركت أحلامها في النجومية والشهرة، وقبل أن تفرض موهبتها كممثلة واعدة، وبمرور الوقت تضاءلت الفرص في ظهورها مرة أخرى على الشاشة، واستئناف نشاطها الفني، واستقرت أعمالها في ألبوم الذكريات، وقنعت بدورها في عش الزوجية، من دون أن تدري بما ستفسر عنه الأيام المقبلة.وبعد سنوات الاعتزال، عادت بطلة "مشروع ميت" إلى أدوار البطولة مرة أخرى، لكن تلك المرة بعيداً عن "بلاتوه التصوير" لتجد نفسها بين يوم وليلة متهمة بجريمة قتل زوجها، وبدلاً من ظهورها على السجادة الحمراء في المهرجانات الفنية، يتحقق حلم نجوميتها بثوب السجن الأبيض في غرفة التوقيف، رهن التحقيق باعتبارها المشتبه الأول فيها في القضية، وتتابع أخبارها على صفحات الجريمة والحوادث، وتلاحقها الأضواء بعد القبض عليها، وفي أثناء مثولها للتحقيق بتهمة قتل زوجها، وبدت دوافعها لارتكاب تلك الجريمة غير مقنعة للرأي العام، وأصبح مصيرها بيد محكمة الجنايات.اعترافات مثيرة
تشابكت خيوط تلك المأساة مع حياة غير مستقرة، لزوجين وصل بينهما الخلاف إلى طريق مسدود، وأفضت إلى جريمة قتل مروعة، وحاولت الزوجة في اعترافاتها أن تنفي عنها شبهة القتل، وتفلت من العقاب، لكنها عادت لتقر بجريمتها، متعللة بمبررات واهية، ساقتها إلى السجن، بعدما تجردت من مشاعرها الإنسانية، واندفعت في لحظة غضب إلى قتل زوجها.قصة بيبرس مع زوجها "القتيل" بدأت بعد انتهائها من تصوير فيلم "مشروع ميت"، حين تعرفت إليه من خلال أحد أصدقائها، واتفقا على الزواج، وشعرت أنه الزوج المناسب، ومن أجله قررت اعتزال الفن، لاسيما أنه شاب ثري، ويمتلك شركة خاصة، وسيوفر لها حياة رغدة، ويحقق حلمها بالسعادة داخل القفص الذهبي.وسردت الفنانة المعتزلة في اعترافاتها أمام النيابة، أن حياتها تبدلت تماماً بعد أسابيع قليلة من زواجها، وأنها اكتشفت بُخل زوجها، وتكرر الشجار بينهما، من دون أن يغيِّر من عاداته، وتصاعدت حدة الخلاف إلى العنف الجسدي، وقالت إنه عمد إلى استفزازها، وضربها بشكل يومي حتى فقدت عاطفتها نحوه، وطلبت منه الطلاق أكثر من مرة، لكنه رفض طلبها. وتابعت بببرس اعترافها: "كان زوجي ميسور الحال، إلا أنه كان يدخر معظم دخله ويمنحني الفُتات، وفي يوم الحادث وجّه لي سيلاً من الشتائم والإهانات نظراً لمطالبتي له بالنقود لشراء متطلبات المنزل، فقد حوّل حياتي إلى جحيم بسبب بخله الشديد، فقد كان بخيلاً في كل شيء حتى في مشاعره تجاهي، لذلك لم يكن هناك مفراً من قتله".وفي ليلة الجريمة، تشاجرا كالعادة، وكان زمن الخلاف بينهما عشر دقائق فقط، وبدأ بمشادة كلامية ثم تطوّر النزاع إلى اشتباك بالأيدي وانتهى بجريمة قتل بشعة، وكانت تلك المشاجرة الأخيرة كفيلة بقتل زوجها رجل الأعمال، وتحويل مسار الفنانة عبير بيبرس، من عالم الأضواء والشهرة إلى مصير غامض سواء بالسجن أو الإعدام، وفق مجريات القضية، وما هو وارد ومثبت بالأوراق الرسمية.أفكار شيطانية
وذكرت الفنانة المعتزلة، أنها تعرضت لضغوط نفسية كبيرة، دفعتها لإخراج طاقتها المكبوتة وحزنها الدفين بهذا الشكل، ورغم هذه الأسباب المختلفة التي ظنت أنها ستخفف من وطأة جريمتها، فإنها فقدت السيطرة على مشاعر الانتقام، وجرفها الصراع مع زوجها إلى قاع سحيق، وتملكتها أفكار شيطانية في ليلة الجريمة، بدلاً من التفكير في حلول أخرى، والنجاة من هذا المصير المأساوي خلف القضبان.كانت لحظة الانفجار وليدة اللحظة، من دون أن تكترث بعواقب جريمتها، وقادها العناد إلى التفكير في حياتها مع زوجها، ووجدت أنها قدمت له كل شيء، بينما حرمها هو من كل شيء، بسبب بخله واعتدائه عليها بالضرب بشكل دائم، وحذرته من أنه سيدفع الثمن غالياً، لكن الزوج لم يعرها أي اهتمام، ولم يكترث بالحالة النفسية لزوجته، وأصر على موقفه، وأنه لن يستجيب لطلباتها التي لا تنتهي، ويعتبرها نوعاً من الإسراف في أشياء غير ضرورية.وبلغ الصراع بينهما ذروته بالوعيد والتهديد، وكلاهما لا يريد أن يتنازل عن موقفه، وكانت تلك المشادة هي الأخيرة في حياتهما الزوجية، ودفع الزوج حياته ثمناً باهظاً لرفض مطالب زوجته، ولم تمر سوى دقائق معدودة حتى أصبح الزوج في عِداد القتلى، وتحوّلت أيامه إلى ذكريات مؤلمة لأهله ومعارفه، وأضحت الفنانة المعتزلة في غياهب السجون.أقوال الشهود
بدأت تفاصيل تلك المأساة، عندما تلقى قسم شرطة مباحث البساتين بالقاهرة، بلاغاً من والد المجني عليه يحمل رقم 5598 لسنة 2020، يفيد بمقتل نجله "عمرو.س"، واتهم زوجة نجله عبير نجيب زكي، وشهرتها "عبير بيبرس" (35 عاماً، ممثلة)، بقتله، وأنه تلقى مكالمة هاتفية من الزوجة المتهمة تخبره بوفاة نجله.وانتقلت قوات الشرطة إلى موقع الحادث، وتبين من الفحص أن المجني عليه أصيب في صدره بجرح غائر بعمق سبعة سنتيمترات، وفوجئت جهات التحقيق في أثناء تفريغ الأحراز في قضية قتل الفنانة عبير بيبرس لزوجها، التي أحيلت للجنايات أن المتهمة التقطت صورة بطريقة "السيلفي" مع الضحية وهي تخرج لسانها، وعند سؤال الفنانة المتهمة عن هذه الصورة قالت إنها لم تكن تصدق أنه مات.وعند مواجهتها بالحرز رقم 19855، وهو عبارة عن هاتفها المحمول واحتوائه على صورة بتاريخ يوم الحادث 30 مايو 2020، التقطتها لنفسها، ويظهر فيها المجني عليه ملقى أرضاً على ظهره، ويرتدي قميصاً لونه أحمر، وتظهر المتهمة في الصورة وهى تخرج لسانها عقب مقتله، قالت المتهمة إنها لم تصدق أنه مات، إلا بعد وصول سيارة الإسعاف، وأخبروها أنه توفى، وبسؤالها عن توقيت التقاط الصورة بالضبط قبل حضور سيارة الإسعاف، أجابت قائلة: "لا أتذكر". وتبين من التحريات أن المتهمة كانت ترتدي ملابس في أثناء التقاط الصورة مع زوجها القتيل، وغيّرت ملابسها قبل حضور سيارة الإسعاف، وكشفت أقوال الشاهدة الرئيسية في الحادث "هالة" خادمة، أنها كانت تعمل عند المجني عليه وزوجته قبل الحادث بشهرين، وأن المتهمة دائمة التشاجر مع زوجها عمرو، ويتبادلان الاعتداء بالضرب في بعض الأوقات.وذكرت الشاهدة أنها في يوم الحادث رأت المجني عليه يخرج من الغرفة، وينزف دماً ثم سقط على الأرض، وحاولت مساعدته، لكنه قال لها إنه ظمآن ويريد أن يشرب ماءً، فأسرعت وأحضرت له الماء، وشاهدت الدماء تنزف من يده، وقال لها "أنا سأموت... اصرخي حتى تجدي من ينقذك منها"، وطلبت منها المتهمة الابتعاد عن زوجها، والذهاب إلى غرفتها وتجميع الزجاج المتهشم ومسح الدماء من على الأرض وملابس المجني عليه وجوانتي (قفاز) والتخلص من هذه الأغراض، وأمرتها بإحضار "مروحة" ثم اتصلت بشقيقتها.وجاء في أقوال والد المجني عليه أمام جهات التحقيق أن سبب الخلافات بين نجله والمتهمة أنها طلبت الطلاق والحصول على مليون جنيه قيمة مؤخر الصداق، وأنه يتهمها بقتل ابنه، والاستيلاء على مبلغ مليوني جنيه كان بحوزته.وبمواجهة المتهمة أنكرت أنها قتلت زوجها مع سبق الإصرار والترصد، وقالت إنه في يوم الحادث نشبت بينهما مشاجرة بسبب طلبها الطلاق ورفضه منحها كافة حقوقها، مؤكدة أنه تعدى عليها بالضرب ولم تجد أمامها إلا زجاجة فارغة، فقامت بكسرها وتسديدها في صدره مما تسبب في وفاته.تفاصيل أخرى، كشفتها المتهمة بقتل زوجها داخل منزلهما في منطقة البساتين بالقاهرة، وقالت في اعترافاتها أمام النيابة، أنها بعد زواجها من المجني عليه، بدأت المشكلات تدخل بينهما، واكتشفت أنه متزوِّج من قبل، وطلبت منه أن يُطلِّق زوجته الأولى، لكنه رفض الاستجابة لكلامها، وظل الشجار بينهما بشكل يومي، وفي ليلة الحادث احتدم بينهما النقاش، وأسفر عن كسر لوح زجاجي، ما دفع زوجها إلى صفعها، وحاولت هي الدفاع عن نفسها، وطعنته بقطعة زجاج، وجرحت يدها، ودخلت الحمّام لتغسل آثار الجرح، وحين عادت وجدته غارقاً في دمائه.وأنهت المتهمة اعترافاتها، قائلة: "كان طريحاً على الأرض، ودماؤه تنزف بغزارة، وطلب شرب الماء، ووجدت جرحاً بسيطاً في صدره، فطلبت قُطناً من الخادمة لأوقف النزيف، وبالفعل توقف، ونزعت ملابسه لأضمد الجُرح، وألبسته ملابس أخرى نظيفة لحين وصول سيارة الإسعاف التي ستنقله إلى المستشفى، ولم أجد أمامي سوى القميص الأحمر، ولم أصدق أنه مات، حتى أخبروني بذلك".الجريمة والعقاب
وتوالت أقوال الشهود أمام النيابة العامة، وقال صديق المتهمة، إن عبير طلبت منه الحضور لأن زوجها مريض، وعندما ذهب وجد المجني عليه ملقى على الأرض متوفى، وجاءت سيارة الإسعاف، وحضر مفتش الصحة ووقّع الكشف الطبي عليه، وقدمت له أوراق تُفيد أنه مريض قلب، ولكن والد الضحية اعترض وأبلغ الشرطة، وذكر أن المجني عليه تزوج من المتهمة بعد شهر من تعارفهما في مايو 2019، ولم تنجب منه أطفالاً، وكان الزواج بمهر ومؤخر بقيمة مليون جنيه.وبعد اكتمال تحقيقات النيابة وتحويل أوراق القضية إلى محكمة جنايات القاهرة، صدر الحكم يوم 24 فبراير 2021، بمعاقبة الممثلة عبير بيبرس بتهمة قتل زوجها في شقته، بالسجن المشدد لمدة 7 سنوات مع إلزامها بالدعوة المدنيّة، وأُسدِل الستار على جريمة الممثلة المعتزلة، لتنال القصاص العادل، وتقضي فترة عقوبتها خلف القضبان.