للبحث العلمي قواعد
في شهر يوليو من عام 2015 نشر لي بحث في مجلة "دراسات الخليج والجزيرة العربية" الصادرة عن مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت، وكان بعنوان: "من الأمثال الشعبية في الكويت: دراسة بنائية بلاغية"، وصدر البحث في العدد (158) المجلد (41) ص (145- 184)، وهو يعد بحثا رائدا في دراسة الجانب البلاغي من الأمثال الكويتية.ولقد استندت في أغلب مادة البحث إلى مصادر إنكليزية هي مما درست في مقررات علم الفولكلور مجال تخصصي الدقيق، وعلمي اللغة والأنثروبولوجيا وهما علمان مساندان، علاوة على بعض المراجع العربية ومما كتبت من أبحاث، ذلك من أجل إيضاح بعض المصطلحات اللغوية، وحاز البحث تقديرا مرتفعا من المحكمين، كونه بحثا مائزا في مجاله وموضوعه.والواقع أن المصادر الأجنبية هي مما تضم مكتبتي الخاصة، وأغلبها مراجع مهمة في مجال دراسة الأمثال والأنواع الشعبية الأخرى، وكنت أحرص على اقتناء أغلب الكتب المقررة علينا في الساعات التسعين المفروضة على طلبة الدكتوراه سواء في التخصص الدقيق أو الحقلين المساندين، مما وفر لي ذخيرة مهمة من المصادر المطلوبة في الدراسات التي أنجزتها والتي بصدد تناولها في مختلف مجالات العلم، وهكذا تكونت لدي مكتبة زاخرة بالمراجع اللازمة في الدراسة، كوني محبة للبحث العلمي، وإن أجمل الأوقات لدي هي تلك التي أقضيها وأنا أرسم خطة بحث جديد في جهاز الحاسب الآلي.
قبل شهور قليلة تلقيت مكالمة هاتفية من إحداهن تقول إنها تريد نسخة من بحثي لأنها ترغب في كتابة بحث عن السمات البلاغية في الأمثال الكويتية، وهو موضوع شبيه ببحثي، قلت لها ما خطتك في كتابة البحث؟ وما الإضافات والنتائج الجديدة التي ستخلصين إليها في بحثك؟ أنت قطعا لن تنسخي بحثي! علاوة على أن أغلب مصادري أجنبية، فهل تملكين مصادر أخرى؟ أم ستكررين ما ذكرت في بحثي من المعلومات المستقاة من مصادر أكاديمية تناولتها بالتحليل والإضافة؟ لم تجب عن سؤالي سوى أنها تريد نسخة من البحث، وأن المجلة رفضت منحها النسخة المطلوبة، وأنا بدوري اعتذرت منها لقلة الأعداد الموجودة لدي، وعدم معرفتي بالقائمين على المجلة في الوقت الحاضر. قبل أيام عثرت على صفحتها في "تويتر"، ووجدتها تروج للموضوع دون مبرر علمي ودون نظرية ترتكز عليها في تحليلها لمادة الأمثال، أو حتى خطة محددة تبين للقارئ نوع الدراسة التي تنوي تطبيقها في تحليل مادة البحث واستلهام نتائجه، فقط أعجبها الموضوع هي تريد أن تقلده، ولا مانع لديها من نسخ المعلومات والنتائج التي توصلت إليها في بحثي، فقط استنساخ دون اعتناء بالخلاصة التي ستقدمها للقارئ كي يستفيد من بحث يفترض به أن يدله على نقطة انطلاق جديدة في استكناه الجانب البلاغي في المثل الكويتي.وهذا التخبط السائد في الدراسات العربية هو معضلة تاريخية تشكل في أغلبها سلسلة شائهة من النسخ المكررة، تلك التي يختلط فيها الجيد والرديء، ويرى فيها الدارس نفسه في قرار عميق من الأعمال النقلية الفجة، وربما السرقات البينة دون وازع من ضمير.