ولما كانت الليلة السابعة والسبعون بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أنه كانت في سالف الزمان مدينة وراء جبال أصبهان يقال لها المدينة الخضراء، وكان بها ملك يقال له الملك سليمان شاه، وكان صاحب جود وإحسان وعدل وأمان وفضل وامتنان، وسارت إليه الركبان من كل مكان، وشاع ذكره في سائر الأقطار والبلدان، وأقام في المملكة مدة مديدة من الزمان وهو في عز وأمان، لكنه كان خالياً من الأولاد والزوجات، وكان له وزير يقاربه في الصفات من الجود والهبات، فاتفق أنه أرسل إلى وزيره يوماً من الأيام وأحضره بين يديه، وقال له: يا وزير إنه ضاق صدري وعيل صبري وضعف مني الجلد لأنني بلا زوجة ولا ولد، وما هذا سبيل الملوك الحكام على كل أمير وصعلوك، فإنهم يفرحون بخلفة الأولاد وتتضاعف لهم بهم العدد والأعداد.

Ad

طلب الزواج

فلما سمع الوزير ذلك الكلام فاضت الدموع من عينيه، وقال: هيهات يا ملك الزمان أن أتكلم فيما هو خصائص الرحمن، أتريد أن أدخل النار بسخط الملك الجبار؟، فقال له الملك: اعلم أيها الوزير أن الملك إذا اشترى جارية لا يعلم حسبها ولا يعرف نسبها فهو لا يدري خساسة أصلها، حتى يجتنبها ولا شرف عنصرها حتى يتسرى بها أفضى إليها ربما حملت منه، فيجيء الولد منافقاً ظالماً سفاكاً للدماء، وقد يكون ذلك الولد متعرضاً لسخط مولاه ولا يفعل ما أمره به ولا يجتنب ما عنه نهاه، فأنا لا أتسبب في هذا بشراء جارية أبداً، وإنما مرادي أن تخطب لي بنتاً من بنات الملوك يكون نسبها معروفاً وجمالها موصوفاً، فإن دللتني على ذات النسب والدين من بنات ملوك المسلمين؛ فإني أخطبها وأتزوج بها على رؤوس الأشهاد، ليحصل لي بذلك رضا رب العباد.

ابنة زهر شاه

فقال له الوزير: إن الله قضى حاجتك وبلغك أمنيتك، فقال له: وكيف ذلك؟ فقال له: اعلم أيها الملك أنه بلغني أن الملك زهر شاه صاحب الأرض البيضاء، له بنت بارعة في الجمال يعجز عن وصفها القيل والقال، ولم يوجد لها في هذا الزمان مثيل، لأنها في غاية الكمال، قويمة الاعتدال، إن أقبلت فتنت، وإن أدبرت قتلت، تأخذ القلب والناظر إليها كما قال الشاعر:

هيفاء يخجل غصن البان قامـتـهـا

لم يحك طلعتها شمـس ولا قـمـر

ممشوقة القد من حور الجنان لـهـا

وجه جميل وفي ألحاظـهـا حـور

وكم لها من قتيل مات من كمـد

وفي طريق هواها الخوف والخطر

إن عشت فهي المنى ما شئت أذكرها

أو مت من دونها لم يجدني العمـر

رسول المحبة

فلما فرغ الوزير من وصف تلك الجارية، قال للملك سليمان شاه: الرأي عندي أيها الملك أن ترسل إلى أبيها رسولاً فطناً خبيراً بالأمور مجرباً لتصاريف الدهور، ليتلطف في خطبتها لك من أبيها، فإنها لا نظير لها في قاصي الأرض ودانيها، وتحظى منها بالوجه الجميل ويرضى عليك الرب الجليل، فعند ذلك توجه الملك وأقبل على الوزير، وقال: اعلم أيها الوزير أنه لا يتوجه لهذا الأمر إلا أنت لكمال عقلك وأدبك، فقم إلى منزلك وإقض أشغالك وتجهز في غدٍ وأخطب لي هذه البنت التي أشغلت بها خاطري ولا تعد لي إلا بها، فقال: سمعاً وطاعة، ثم إن الوزير توجه إلى منزله واستدعى بالهدايا التي تصلح للملوك من ثمين الجواهر ونفيس الذخائر وغير ذلك مما هو خفيف في الحمل وثقيل في الثمن، ومن الخيل العربية والدروع الداودية وصناديق المال التي يعجز عن وصفها المقال، ثم حملوها على البغال والجمال، وتوجه الوزير ومعه مئة مملوك ومئة جارية، وانتشرت على رأسه الرايات والأعلام، وأوصاه الملك أن يأتي إليه في مدة قليلة من الأيام.

انتظار

وبعد توجهه صار الملك سليمان شاه على مقالي النار، مشغولاً بحبها في الليل والنهار، وسار الوزير ليلاً ونهاراً يطوي براراً وأقفاراً، حتى بقي بينه وبين المدينة التي هو متوجه إليها يوم واحد، ثم نزل شاطئ نهر وأحضر بعض خواصه وأمره أن يتوجه إلى الملك زهر شاه بسرعة ويخبره بقدومه عليه، فقال سمعاً وطاعة، ثم توجه بسرعة إلى تلك المدينة، فلما قدم عليها وافق قدومه أن الملك زهر شاه كان جالساً في بعض المنتزهات قدام باب المدينة فرآه وهو داخل وعرف أنه غريب، فأمر باحضاره بين يديه، فلما حضر الرسول وأخبره بقدوم وزير الملك الأعظم سليمان شاه صاحب الأرض الخضراء وجبال أصفهان، فرح الملك زهر شاه ورحب بالرسول وأخذه وتوجه إلى قصره، وقال: أين فارقت الوزير؟ فقال: فارقته على شاطئ النهر الفلاني وفي غد يكون واصلاً إليك وقادماً عليك أدام الله نعمته عليك ورحم والديك، فأمر زهر شاه بعض وزرائه أن يأخذ معظم خواصه وحجابه ونوابه وأرباب دولته ويخرج بهم إلى مقابلته تعظيماً للملك سليمان شاه، لأن حكمه نافذ في الأرض.

استقبال الملك للوزير

هذا ما كان من أمر الملك زهر شاه، وأما ما كان من أمر الوزير، فإنه استقر في مكان إلى نصف الليل، ثم رحل متوجهاً إلى المدينة، فلما لاح الصباح وأشرقت الشمس على الروابي والبطاح، لم يشعر إلا ووزير الملك زهر شاه وحجابه وأرباب دولته وخواص مملكته قدموا عليه، واجتمعوا به على فراسخ من المدينة، فأيقن الوزير بقضاء حاجته وسلم على الذين قابلوه، ولم يزالوا سائرين قدامه حتى وصلوا إلى قصر الملك، ودخلوا بين يديه في باب القصر إلى سابع دهليز، وهو المكان الذي لا يدخله الراكب لأنه قريب من الملك، فترجل الوزير وسعى على قدميه حتى وصل إلى إيوان عالٍ، وفي صدر ذلك الإيوان سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر وله أربعة قوائم من أنياب الفيل، وعلى ذلك السرير مرتبة من الأطلس الأخضر مطرزة بالذهب الأحمر ومن فوقها سرادق بالدر والجوهر، والملك زهر شاه جالس على ذلك السرير وأرباب دولته واقفون في خدمته، فلما دخل الوزير عليه وصار بين يديه، ثبت جنانه وأطلق لسانه وأبدى فصاحة الوزراء وتكلم بكلام البلغاء، ثم قربه الملك زهر شاه وأكرمه غاية الإكرام وأجلسه بجانبه وتبسم في وجهه وشرفه بلطيف الكلام، ولم يزالا على ذلك إلى وقت الصباح، ثم قدموا السماط في ذلك الإيوان فأكلوا جميعاً حتى اكتفوا، ثم رفع السماط وخرج كل من في المجلس ولم يبق إلا الخواص، فلما رأى الوزير خلو المكان نهض قائماً على قدميه وأثنى على الملك وقبل الأرض بين يديه، ثم قال: أيها الملك الكبير والسيد الخطير، إني سعيت إليك وقدمت عليك في أمر لك فيه الصلاح والخير والفلاح، وهو أني قد أتيتك رسولاً خاطباً لبنتك الحسيبة النسيبة راغباً من عند الملك سليمان شاه صاحب العدل والأمان والفضل والإحسان ملك الأرض الخضراء وجبال أصفهان، وقد أرسل إليك الهدايا الكثيرة والتحف الغزيرة وهو في مصاهرتك راغب، فهل أنت له كذلك طالب، ثم سكت ينتظر الجواب.

القبول

فلما سمع الملك زهر شاه ذلك الكلام نهض قائماً على الأقدام ولثم الأرض باحتشام فتعجب الحاضرون من خضوع الملك للرسول واندهشت منهم العقول، ثم إن الملك أثنى على ذي الجلال والإكرام وقال وهو في حالة القيام: أيها الوزير المعظم والسيد المكرم، اسمع ما أقول: إننا للملك سليمان شاه من جملة رعاياه ونتشرف بنسبه وننافس فيه، وابنتي جارية من جملة جواريه، وهذا أجل مرادي ليكون ذخري واعتمادي، ثم إنه أحضر القضاة والشهود شهدوا أن الملك سليمان شاه وكل وزيره في الزواج، وتولى الملك زهر شاه عقد ابنته بابتهاج، ثم إن القضاة أحكموا عقد الزواج ودعوا لهما بالفوز والنجاح، فعند ذلك قام الوزير وأحضر ما جاء به من الهدايا ونفائس التحف والعطايا، وقدم الجميع للملك زهر شاه، ثم إن الملك أخذ في تجهيز ابنته وإكرام الوزير وعم بولائمه الجميع، واستمر في إقامة الفرح مدة شهرين ولم يترك فيه شيئاً مما يسر القلب والعين، ولما تم ما تحتاج إليه العروس، أمر بإخراج الخيام فضربت بظاهر المدينة وعبوا القماش في الصناديق وهيأوا الجواري الروميات والوصائف التركيات. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

محفل العروس

ولما كانت الليلة الثامنة والسبعون بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني الملك السعيد، إنهم أحضروا الوصائف ونفيس الذخائر وثمين الجواهر، ثم صنع محفة من الذهب الأحمر مرصعة بالدر والجوهر وأفرد لها عشرة بغال للمسير، وصارت تلك المحفة كأنها مقصورة من المقاصير وصاحبتها كأنها حورية من الحور الحسان وخدرها كقصر من قصور الجنان، ثم حزموا الذخائر والأموال وحملوها على البغال والجمال وتوجه الملك زهر شاه معهم قدر ثلاثة فراسخ، ثم ودع ابنته وودع الوزير ومن معه ورجع إلى الأوطان في فرح وأمان، وتوجه الوزير بابنة الملك وسار ولم يزل يطوي المراحل والقفار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

قدوم العروس

وفي الليلة التاسعة والسبعين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير توجه بابنة الملك وسار، ولم يزل يطوي المراحل والقفار ويجد المسير في الليل والنهار حتى بقي بينه وبين بلاده ثلاثة أيام، ثم أرسل إلى الملك سليمان شاه من يخبره بقدوم العروسة، فأسرع الرسول بالسير حتى وصل إلى الملك وأخبره بقدوم العروسة ففرح الملك سليمان شاه وخلع على الرسول، وأمر عساكره أن يخرجوا في موكب عظيم إلى ملاقاة العروسة ومن معها بالتكريم، وأن يكونوا في أحسن البهجات وأن ينشروا على رؤوسهم الرايات فامتثلوا أوامره، ونادى المنادي أنه لا تبقى بنت مخدرة ولا حرة موقرة ولا عجوز مكسرة إلا وتخرج إلى لقاء العروسة، فخرجوا جميعاً إلى لقائها وسعت كبراؤهم في خدمتها، واتفقوا على أن يتوجهوا بها في الليل إلى قصر الملك، واتفق أرباب الدولة على أن يزينوا الطريق وأن يقفوا حتى تمر بهم العروسة والخدم قدامها والجواري بين يديها وعليها الخلعة التي أعطاها لها أبوها.

على باب القصر

فلما أقبلت أحاط بها العسكر ذات اليمين وذات الشمال، ولم تزل المحفة سائرة بها إلى أن قربت من القصر، ولم يبق أحد إلا وقد خرج ليتفرج عليها، وصارت الطبول ضاربة والرماح لاعبة والبوقات صائحة وروائح الطيب فائحة والرايات خافقة والخيل متسابقة حتى وصلوا إلى باب القصر، وتقدمت الغلمان بالمحفة إلى باب القصر فأضاء المكان ببهجتها وأشرقت جهاته بحلي زينتها، فلما أقبل الليل فتح الخدم أبواب السرادق ووقفوا وهم محيطون بالباب، ثم جاءت العروسة وهي بين الجواري كالقمر بين النجوم أو الدرة الفريدة بين اللؤلؤ المنظوم، ثم دخلت المقصورة وقد نصبوا لها سريراً من المرمر المرصع بالدر والجوهر فجلست عليه، ودخل عليها الملك وأوقع الله محبتها في قلبه وزال ما كان عنده من القلب والسهر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

تاج الملوك

ولما كانت الليلة الثمانون بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أنه عندما جلس الملك على سرير مملكته ووفت زوجته أشهر الحمل، وفي آخر ليلة الشهر التاسع جاءها المخاض عند السحر، فجلست على كرسي الطلق فوضعت غلاماً ذكراً تلوح عليه علامات السعادة، فلما سمع الملك بالولد فرح فرحاً جليلاً وأعطى المبشر مالاً جزيلاً، ومن فرحته توجه إلى الغلام وقبله بين عينيه وتعجب من جماله الباهر وتحقق فيه قول الشاعر:

الله خول منـه آجـام الـفـلا

أسداً وآفاق الرياسة كوكـبـا

هشت لمطلعه الأسنة والأسـرة

والمحافل والجحافل والظبـى

لا تركبوه على النهـود فـإنـه

ليرى ظهور الخيل أوطأ مركبا

ولتفطموه عن الرضاع فـإنـه

ليرى دم الأعداء أحلى مشربـا

ثم إن الدايات أخذن ذلك المولود وقطعن سرته وكحلن مقلته، ثم سموه تاج الملوك، ومازالت الأيام تجري والأعوام تمضي حتى صار له من العمر سبع سنين، فعند ذلك أحضر الملك سليمان شاه العلماء والحكماء وأمرهم أن يعلموا ولده الخط والحكمة والأدب، فمكثوا على ذلك مدة سنين حتى تعلم ما يحتاج إليه الأمر، فلما عرف جميع ما طلبه منه الملك أحضره من عند الفقهاء والمعلمين، وأحضر له أستاذاً يعلمه الفروسية فلم يزل يعلمه حتى صار له من العمر أربع عشرة سنة، وكان إذا خرج لبعض أشغاله يفتتن به كل من رآه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

صيد وقنص

وفي الليلة الواحدة والثمانين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن تاج الملوك بن الملك سليمان شاه مهر في الفروسية، وفاق أهل زمانه، وصاروا ينظمون فيه الأشعار، كما قال فيه الشاعر:

أضحى الجمال بأسره في أسـره

فلأجل ذلك على القلوب استحوذا

والله ما خطر السلو بخـاطـري

ما دمت في قيد الحـياة ولا إذا

إن عشت عشت على هواه وإن أمت

وجداً بـه وصـبـابة يا حـبـذا

فلما بلغ من العمر ثمانية عشر عاماً وبلغ مبلغ الرجال زاد به الجمال، ثم صار لتاج الملوك أصحاب وأحباب، وكل من تقرب إليه يرجو أنه يصير سلطاناً بعد موت أبيه، وأن يكون عنده أميراً، ثم إنه تعلق بالصيد والقنص وصار لم يفتر عنه ساعة واحدة، وكان والده سليمان شاه ينهاه عن ذلك مخافة عليه من آفات البر والوحوش فلم يقبل منه ذلك.

صيد الوحوش

وفي يوم أراد تاج الملوك الخروج للصيد فقال لخدامه: خذوا معكم عليق عشرة أيام فامتثلوا ما أمرهم به، فلما خرج بأتباعه للصيد والقنص ساروا في البر، ولم يزالوا سائرين أربعة أيام حتى أشرفوا على أرض خضراء فيها وحوش راتعة وأشجار يانعة وعيون نابعة، فقال تاج الملوك لأتباعه: أنصبوا الحبائل هنا وأوسعوا دائرة حلقتها ويكون اجتماعنا عند رأس الحلقة في هذا المكان، فامتثلوا لأمره، ونصبوا الحبائل وأوسعوا دائرة حلقتها، فاجتمع فيها شيء كثير من أصناف الوحوش والغزلان إلى أن ضجت منهم الوحوش وتنافرت في وجوه الخيل، فأغرى عليها الكلاب والفهود والصقور، ثم ضربوا الوحوش بالنشاب فأصابوا مقاتل الوحوش وما وصلوا إلى آخر الحلقة إلا وقد أخذوا من الوحوش شيئاً كثيراً وهرب الباقي، وبعد ذلك نزل تاج الملوك على الماء وأحضر الصيد وقسمه، وأفرد لأبيه سليمان شاه خاص الوحوش وأرسله إليه، وفرق البعض على أرباب دولته.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

الشاب الحزين

لما أصبح الصباح أقبلت على تاج الملوك قافلة كبيرة مشتملة على عبيد وغلمان وتجار ونزلت تلك القافلة على الماء والخضرة، فلما رآهم تاج الملوك قال لبعض أصحابه: ائتني بخبر هؤلاء واسألهم لأي شيء نزلوا في هذا المكان، فلما توجه إليهم الرسول، قال لهم: أخبرونا من أنتم؟ وأسرعوا في رد الجواب، فقالوا له: نحن تجار ونزلنا لأجل الراحة لأن المنزل بعيد علينا، وقد نزلنا في هذا المكان لأننا مطمئنون بالملك سليمان شاه وولده، ونعلم أن كل من نزل في هذا المكان صار في أمان واطمئنان، ومعنا قماش نفيس جئنا به من أجل ولده تاج الملوك، فرجع الرسول إلى ابن الملك وأعلمه بحقيقة الحال وأخبره بما سمعه من التجار، فقال ابن الملك: إذا كان معهم شيء جاءوا به من أجلي فما أدخل المدينة ولا أرحل من هذا المكان حتى أستعرضه، ثم ركب جواده وسار وسارت مماليكه خلفه إلى أن أشرف على القافلة فقام له التجار ودعوا له بالنصر والإقبال ودوام العز والأفضال، وقد ضربت له خيمة من الأطلس الأحمر مزركشة من الدر والجوهر وفرش له مقعداً سلطانياً فوق بساط من الحرير وصدره مزركش بالزمرد فجلس تاج الملوك ووقفت المماليك في خدمته، وأرسل إلى التجار وأمرهم أن يحضروا بجميع ما معهم، فأقبل عليه التجار ببضائعهم فاستعرض الجميع بضائعه وأخذ منها ما يصلح له ووفى لهم بالثمن، وأراد أن يسير فلاحت منه التفاتة إلى القافلة، فرأى شاباً جميل الشباب نظيف الثياب، ظريف المعاني بجبين أزهر ووجه أقمر، إلا أن ذلك الشاب ويدعى عزيز، قد تغيرت محاسنه وعلاه الإصفرار من فرقة الأحباب.

الجريدة - القاهرة