تحدث «التيار المتشدد» عن تدبير «فتنة كبرى»، على غرار ما شهدته البلاد عام 2009، لضرب الانتخابات الرئاسية المقبلة وصعد هجومه على خلفية تصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف المسربة التي هاجم فيها هيمنة «الحرس الثوري» والقائد الراحل قاسم سليماني على السياسة الخارجية، بالتزامن مع إعلان أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام القائد السابق لـ «الحرس الثوري»، محسن رضائي، استعداده لخوض الاستحقاق المقرر في 18 يونيو المقبل.

وقال رضائي، المحسوب على التيار المتشدد، والذي يعد أبرز الوجوه التي أعلنت ترشحها، في تصريحات مساء أمس الأول: «سأخوض الانتخابات كجندي للوطن، وسأقف أمام سراب الدبلوماسية الزائف».

Ad

وفي خضم انتقاده لحكومة الرئيس المعتدل حسن روحاني ووزير خارجيته بشأن التسريب المزلزل، تعهّد رضائي بـ«تشكيل حكومة وطنية لتطوير وبناء إيران ومحاربة الفساد والنفوذ وتيار تغلغل الأجانب فيها».

قلق و«فتنة»

في موازاة ذلك، سلطت تصريحات أطلقها مهدي طائب، قائد مقر «عمار»، إحدى الشخصيات النافذة والمقربة من مجتبى نجل المرشد الأعلى علي خامنئي، الضوء على قلق المحافظين من إمكان ترشح ظريف للرئاسة.

واتهم طائب ظريف من دون أن يذكره بالاسم، بأنه «مقرّب من الأميركيين، وأنه يتعامل مع وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري».

وقال طائب في تصريحات: «أيها السيد الوزير، سنحل العالم وإمام الزمان بشرط أن تتخلى عن كيري. الحاج قاسم لم يقف إلى جانب كيري»، مضيفاً «كل هذه الأحافير الأمنية، جميع الأميركيين خططوا لتأجيج الانتخابات المقبلة. إن الكلام الذي خرج للعلن كان من أعماق ذلك القلب. إنه قال إن سليماني منعنا من رفع العقوبات»، في إشارة إلى تسريب ظريف الذي تضمن اتهاما لسليماني بالعمل مع موسكو ضد الاتفاق النووي.

وبينما لم يتبقَّ سوى أقل من شهرين على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية، حذّر طائب من «فتنة كبرى وعجيبة تدبر»، وادّعى أن «جميع الأميركيين جلسوا وخططوا لتأجيج الانتخابات الرئاسية المقبلة».

علمًا بأن مؤيدي وأنصار المرشد، يستخدمون كلمة «الفتنة» للإشارة إلى الاحتجاجات الدامية التي أعقبت الانتخابات الرئاسية عام 2009، والتي انتهت لمصلحة محمود أحمدي نجاد، وتركت الحكومة لحالة يرثى لها لعدة شهور.

ولم يعلن وزير الخارجية الحالي الذي يتعرّض لضغوط شديدة عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة، لكنه يحظى بشعبية واسعة وتلقى دعوات من عدد من الإصلاحيين للترشح، حيث لا يسمح الدستور للرئيس الحالي للترشح لولاية رئاسية ثالثة.

ويتوجس المحافظون من أن يرشح تيار الإصلاحيين ظريف لانتخابات الرئاسة، وهو ما يقلل من حظوظ مرشحيهم المتشددين.

وتشمل الحملة التي يقودها المحافظون إلى جانب ظريف، مساعده عباس عراقجي الذي يقود الوفد الإيراني المفاوض في محادثات فيينا غير المباشرة مع الولايات المتحدة بوساطة أطراف الاتفاق النووي لإحياء الصفقة التي انسحب منها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018.

ودفعت المؤسسة العسكرية التابعة لـ «لحرس الثوري» بالعديد من المرشحين للانتخابات المقبلة من بينهم نائب قائد «فيلق القدس» للشؤون الاقتصادية رستم قاسمي، ومستشار قائد «الحرس» العميد محمد إسماعيل كوثري، ورئيس مؤسسة «خاتم الأنبياء» سعيد محمد.

في المقابل، أعلن السياسي عن التيار المعتدل والمدعوم من الإصلاحيين علي مطهري، ترشحه.

ردود التسريب

وفي إطار ردود الفعل على تسريب ظريف، هاجم إسحاق جهانغيري، النائب الأول لروحاني، والمتحدث باسم الحكومة علي ربيعي، وسائل الإعلام الأجنبية التي نشرت تصريحات وزير الخارجية التي كان من القرر بث أجزاء منها عقب انتهاء ولاية الحكومة الحالية.

وسعى ربيعي، لتهدئة التوتر، معتبراً أنه لا وجود لتضاد بين الميدان والدبلوماسية، كما جاء على لسان ظريف.

وقال ربيعي، في مقال نشرته صحيفة «كيهان» المقربة من المرشد ووكالة «إرنا» أمس، إن البعض في الداخل «تحركوا في الخط الذي رسمته وسائل الإعلام الأجنبية». وأشاد بقادة «الحرس الثوري» وعائلة سليماني لـ «ذكائهم وحنكتهم» في التعامل مع إصدار التسريب.

ووصفت «كيهان» التي تصدر تحت إشراف مباشر من ممثل خامنئي، الخميس الماضي، إيضاحات ظريف حول التسريب بأنها كانت غير كافية لمعالجة اللغط ووصفتها بـ «المداهنة».

وأدى انتشار التسريب إلى عزل مستشار روحاني، حسام الدين آشنا، وكذلك منع 15 شخصاً من مغادرة البلاد.

اختتام وغموض

في هذه الأثناء، اختتمت في فيينا الجولة الثالثة من المحادثات حول الاتفاق النووي الإيراني، على أن تعود وفود الدول المشاركة، ألمانيا وفرنسا والصين وروسيا، وإيران، إلى بلدانها، محملة بتفاؤل حذر، للتشاور وتلقي التعليمات.

وعقدت جلسة رسمية لدول 4+1 مع إيران، أمس، لمناقشة آخر التطورات بشأن الجهود الرامية إلى إعادة طهران وواشنطن للامتثال إلى الاتفاق النووي ورفع إدارة الرئيس جو بايدن العقوبات التي فرضها سلفه ترامب على الجمهورية الإسلامية، والتي يفوق عددها الـ1600.

وجاء الختام بعد ساعات من تأكيد مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أن مفاوضات فيينا تقف «في منطقة غير واضحة المعالم» حتى الآن.

وأضاف: «لمسنا رغبة من كل الأطراف ومنهم الإيرانيون، في الحديث بجدية عن تخفيف العقوبات وعن العودة إلى الاتفاق النووي، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت الرغبة ستسفر في نهاية المطاف عن اتفاق في فيينا».

ويأتي ذلك بعد إعلان سفير إسرائيل لدى واشنطن ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، جلعاد أردان، عقب اجتماع عقده مع سوليفان، أن تل أبيب تتوقع توصل واشنطن وطهران إلى اتفاق جديد في غضون الأسابيع القليلة المقبلة.

وفي مؤشر على حالة الجمود التي قد تطرأ على المفاوضات النووية، نقلت وكالة «بلومبيرغ» عن مسؤوليْن أوروبيين قولهما إن القوى العالمية تسعى لإحياء الاتفاق النووي قبل منتصف مايو الجاري، وهو موعد انتهاء الاتفاق المؤقت المبرم بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية للاحتفاظ بتسجيلات كاميرات مراقبة بالمنشآت النووية الإيرانية تسمح باستمرار المراقبة الدولية، بعد أن أقر البرلمان الخاضع لهيمنة التيار المتشدد قانونا لتسريع تخصيب اليورانيوم وتقليص التفتيش الدولي.