ولما كانت الليلة الثانية والثمانون بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني الملك السعيد أن تاج الملوك لاحت منه التفاتة إلى القافلة، فرأى شاباً جميل الشباب نظيف الثياب ظريف المعاني، إلا أن ذلك الشاب ويدعى عزيز، قد تغيّرت محاسنه وعلاه الاصفرار من فرقة الأحباب، وزاد به الانتحاب، وسالت من جبينه العبر وهو ينشد هذه الأبيات:

طال الفراق ودام الهمّ والـوجـل

Ad

والدمع في مقلتي يا صاحِ منهمل

والقلب ودّعتُه يوم الفـراق وقـد

بقيتُ فرداً، فلا قـلـبٌ ولا أمـل

يا صاحبي قف معي حتى أودّع مَن

مِن نُطقها تشتفى الأمراضُ والعلل

حزين القلب

وبعد أن فرغ الشاب من الشعر، بكى ساعة وغُشي عليه، فلما رآه تاج الملوك على هذه الحالة في أمره وتمشى إليه، فلما أفاق من غشيته، نظر ابن الملك واقفاً على رأسه، فنهض قائماً على قدميه، وجلس في الأرض بين يديه، فقال له تاج الملوك: لأي شيء لم تعرض بضاعتك علينا؟ فقال: يا مولاي إن بضاعتي ليس فيها شيء يصلح لسعادتك، فقال:

لا بدّ أن تعرض عليّ ما معك، وتخبرني بحالك، فإني أراك باكي العين حزين القلب، فإن كنت مظلوماً أزلنا ظلمك، وإن كنت مديوناً قضينا دَينك، فإن قلبي قد احترق من أجلك حين رأيتك، ثم إن تاج الملوك أمر بنصب كرسي، فنصبوا له كرسياً من العاج والأبنوس مشبكاً بالذهب والحرير، وبسطوا له بساطاً من الحرير، فجلس تاج الملوك على الكرسي، وأمر الشاب أن يجلس على البساط، وقال له: اعرض عليّ بضاعتك.

قماشة ملونة

قال له الشاب: يا مولاي لا تذكر لي ذلك، فإن بضاعتي ليست مناسبة لك، فقال له تاج الملوك: لا بدّ من ذلك، ثم أمر بعض غلمانه بإحضارها، فأحضروها قهراً عنه، فلما رآها الشاب جرت دموعه وبكى، واشتكى وصعد الزفرات، ثم إن الشاب فتح بضاعته وعرضها على تاج الملوك قطعة قطعة وتفصيلة تفصيلة، وأخرج من جملتها ثوباً من الأطلس منسوجاً بالذهب يساوي ألف دينار، فلما فتح الثوب وقع من وسطه خرقة، فأخذها الشاب بسرعة ووضعها تحت أرجله، فقال له تاج الملوك: ما هذه الخرقة؟ فقال: يا مولاي ليس لك بهذه الخرقة حاجة، فقال له ابن الملك: أرني إياها، قال له: امتنعت من عرض بضاعتي عليك إلا لأجلها، فإني لا أقدر على أنك تنظر إليها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

حديث عزيز

وفي الليلة الثالثة والثمانين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني الملك السعيد أن تاج الملوك قال للشاب: لا بُد من كوني أنظر إليها وألحّ عليه واغتاظ، فأخرجها وبكى، فقال له تاج الملوك: أرى أحوالك غير مستقيمة، فأخبرني ما سبب بكائك عند نظرك إلى هذه الخرقة؟ فلما سمع الشاب ذكر الخرقة تنهّد، وقال: يا مولاي إن حديثي عجيب وأمري غريب، مع هذه الخرقة وصاحبتها وصاحبة هذه الصور والتماثيل، ثم نشر الخرقة، وإذا فيها غزال مرقومة بالحرير ومزركشة بالذهب الأحمر، وقبالها صورة غزال آخر وهي مرقومة بالفضة، وفي رقبته طوق من الذهب الأحمر وثلاث قصبات من الزبرجد، فلما نظر تاج الملوك إليه وإلى حسن صنعته قال: سبحان الله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وتعلّق قلب تاج الملوك بحديث هذا الشاب، وقال له: احك لي قصتك مع صاحبة هذا الغزال.

ابنة العم

فقال الشاب: اعلم يا مولاي أن أبي كان من التجار الكبار، ولم يرزق ولداً غيري، وكان لي بنت عم تربيت أنا وإياها في بيت أبي، لأن أباها مات، وكان قبل موته تعاهد هو وأبي على أن يزوجاني بها، فلما بلغت مبلغ الرجال وبلغت هي مبلغ النساء، تحدث والدي مع أمي وقال لها: في هذه السنة نكتب كتاب عزيز على عزيزة، واتفق مع أمي على هذا الأمر، ثم شرع أبي في تجهيز مؤن الولائم، فلما جهز أبي أدوات الفرح ولم يبق غير كتب الكتاب، والدخول على بنت عمي، أراد أبي أن يكتب الكتاب بعد صلاة الجمعة، ثم توجه إلى أصحابه من التجار وغيرهم وأعلمهم بذلك، ومضت أمي عزمت صويحباتها من النساء ودعت أقاربها.

عزيز والزقاق

فلما جاء يوم الجمعة غسلوا القاعة المعدة للجلوس وغسلوا رخامها وفرشوا في دارنا البسط ووضعوا فيها ما يحتاج إليه الأمر، بعد أن زوّقوا حيطانها بالقماش المقصب، واتفق الناس أن يجيئوا بيتنا بعد صلاة الجمعة، ثم مضى أبي وعمل الحلويات وأطباق السكر، وما بقي غير كتب الكتاب، وقد أرسلتني أمي إلى الحمام وأرسلت خلفي بدلة جديدة من أفخر الثياب، فلما خرجت من الحمام لبست تلك البدلة الفاخرة، وكانت مطيّبة، فلما لبستها فاحت منها رائحة زكية عبقت في الطريق، ثم أردت أن أذهب إلى الجامع، فتذكرت صاحباً لي فرجعت أفتش عنه ليحضر كتب الكتاب، وقلت في نفسي: أشتغل بهذا الأمر إلى أن يقرب وقت الصلاة، ثم إني دخلت زقاقاً ما دخلته قط، وكنت عرقانا من أثر الحمام والقماش الجديد الذي على جسمي، فساح عرقي وفحت روائحي، فقعدت في رأس الزقاق لأرتاح على مصطبة، وفرشت تحتي منديلاً مطرزاً كان معي فاشتد الحر، فعرق جبيني وصار العرق ينحدر على وجهي، ولم يمكن مسح العرق عن وجهي بالمنديل، لأنه مفروش تحتي، فأردت أن آخذ ذيل فرجيتي وأمسح وجنتي، فما أدري إلا ومنديل أبيض وقع عليّ من فوق، وكان ذلك المنديل أرقّ من النسيم ورؤيته ألطف من شفاء السقيم، فمسكته بيدي ورفعت رأسي إلى فوق لأنظر من أين سقط هذا المنديل، فوقعت عيناي في عين صاحبة هذا الغزال، وكانت بنت دليلة المحتالة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

صاحبة الغزال

وفي الليلة الرابعة والثمانين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك: فرفعت رأسي إلى فوق لأنظر من أين سقط هذا المنديل، فوقعت عيني في عين صاحبة هذا الغزال، وإذا بها مطلة من طاقة من شباك نحاس لم تر عيني أجمل منها، وبالجملة يعجز عن وصفها لساني، فلما رأتني نظرت إليها وضعت إصبعها في فمها، ثم أخذت إصبعها الوسطاني وألصقته بإصبعها الشاهد ووضعتهما على صدرها، ثم أدخلت رأساً من الطاقة وسدت باب الطاقة وانصرفت، فانطلقت في قلبي النار وزاد بي الاستعار، وأعقبتني النظرة ألف حسرة، وتحيّرت لأني لم أسمع ما قالت، ولم أفهم ما به أشارت، فنظرت إلى الطاقة ثانياً، فوجدتها مطبوقة، فصبرت إلى مغيب الشمس فلم أسمع حساً ولم أر شخصاً، فلما يئست من رؤيتها قمت من مكاني وأخذت المنديل معي، ثم فتحته ففاحت منه رائحة المسك، وحصل لي من تلك الرائحة طرب عظيم حتى صرت كأنني في الجنة.

منديل الأشعار

ثم نشرته بين يدي، فسقطت منه ورقة لطيفة، ففتحت الورقة فرأيتها مضمخة بالروائح الزكيات، ومكتوب عليها هذه الأبيات:

بعثت له أشكو من ألم الجوى

بخط رقيق، والخطوط فنون

فقال خليلي ما لخطّك هكذا

رقيقاً دقيقاً لا يكـاد يبـين؟

فقلت لأني في نحـول ودقّة

كذا خطوط العاشقين تكون

ثم بعد أن قرأت الأبيات أطلقت في بهجة المنديل، نظر العين فرأيت في إحدى حاشيته تسطير هذين البيتين:

كتب العذار ويا له من كاتب

سطرين في خديه بالريحان

وا حيرة القمرين منه إذا بـدا

وإذا انثنى واخجلةَ الأغصان

وسطر الحاشية الأخرى هذين البيتين:

كتب العذار بعنبـر فـي لـؤلـؤ

سطرين من سبج علـى تـفّـــــــــــاح

القتل في الحدق المراضي إذا رنت

والسُّكْر في الوجنات، لا في الراح

فلما رأيت ما على المنديل من أشعار انطلق في فؤادي لهيب النار، وزادت بي الأشواق والأفكار، وأخذت المنديل والورقة، وأتيت بهما إلى البيت وأنا لا أدري لي حيلة في الوصال.

بكاء عزيزة

فما وصلت إلى البيت إلا بعد مدة من الليل، فرأيت بنت عمي جالسة تبكي، فلما رأتي مسحت دموعها وأقبلت عليّ وسألتني عن سبب غيابي، وأخبرتني أن جميع الناس من أمراء وكبراء وتجار وغيرهم قد اجتمعوا في بيتنا وحضر القاضي والشهود، وأكلوا الطعام واستمروا مدة جالسين ينتظرون حضورك من أجل كتب الكتاب، فلما يئسوا من حضورك تفرّقوا وذهبوا إلى حال سبيلهم، وقالت لي: أباك اغتاظ بسبب ذلك غيظاً شديداً، وحلف أنه لا يكتب كتابنا إلا في السنة القابلة، لأنه غرم في هذا الفرح مالاً كثيراً، ثم قالت لي: ما الذي جرى لك في هذا اليوم حتى تأخرت إلى هذا الوقت وحصل ما حصل بسبب غيابك؟ فحكيت لها ما جرى لي، وذكرت لها المنديل وأخبرتها بالخبر من أوله إلى آخره، فأخذت الورقة والمنديل وقرأت ما فيهما، وجرت دموعها على خديها، وأنشدت هذه الأبيات:

من قال أول الهـوى اخـتـيار

فقل كذبت كلـه اضـطـرار

وليس بعد الاضـطـرار عـار

دلت على صحتـه الأخـبـار

ما زيفت على صحيح الـنـقـد

فإن تشأ فقـل عـذاب يعـذب

أو ضربان في الحشى أو ضرب

نعـمة أو نـقـــمة أو أرب

ومـع ذا أيامـه مـواســـم

وثغرها على الـدوام بـاسـم

ونفحـات طـيبـهـا نـواسـم

وهو لكل مـا يشـين حـاسـم

ثم إنها قالت لي: فما قالت لك وما أشارت به إليك؟ فقلت لها: ما نطقت بشيء، غير أنها وضعت إصبعها في فمها ثم قرنتها بالإصبع الوسطى وجعلت الإصبعين على صدرها، وأشارت إلى الأرض، ثم أدخلت رأسها وأغلقت الطاقة، ولم أرها بعد ذلك، فأخذت قلبي معها، فقعدت إلى غياب الشمس أنها تطل من الطاقة ثانياً فلا تفعل، فلما يئست منها قمت من ذلك المكان، وهذه قصتي وأشتهي منك أن تعينيني على ما بليت.

تفسير الإشارات

فرفعت رأسها إليّ وقالت: يا ابن عمي لو طلبت عيني لأخرجتها لك من جفوني، ولا بدّ أن أساعدك على حاجتك وأساعدها على حاجتها، فإنها مغرمة بك كما أنك مغرم بها، فقلت لها: وما تفسير ما أشارت به؟ قالت: أما موضع إصبعها في فمها فإنه إشارة إلى أنك عندها بمنزلة روحها من جسدها، وإنما تعضّ على وصالك بالنواجذ، وأما المنديل فإنه إشارة إلى سلام المحبين على المحبوبين، وأما الورقة فإنها إشارة إلى أن روحها متعلقة بك، وأما موضع إصبعيها على صدرها فتفسيره أنها تقول لك بعد يومين تعال هنا ليزول عنها العنا، اعلم يا ابن عمي أنها لك عاشقة وبك واثقة، وهذا ما عندي من التفسير لإشارتها، ولو كنت أدخل وأخرج لجمعت بينك وبينها في أسرع وقت وأستركما بذيلي، قال الغلام: فلما سمعت ذلك منها شكرتها على قولها، وقلت في نفسي: أنا أصبر يومين، ثم قعدت في البيت يومين لا أدخل ولا أخرج، ولا آكل ولا أشرب، ووضعت رأسي في حجر ابنة عمي وهي تسلني، وتقول: قوّ عزمك وهمتك، طيّب قلبك وخاطرك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

إشارات جديدة

وفي الليلة الخامسة والثمانين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك: فلما انقضى اليومان، قالت لي ابنة عمي: طب نفساً وقرّ عيناً والبس ثيابك وتوجه إليها على الميعاد، ثم أنها قامت وبخّرتني، ثم شددت حيلي وقويت قلبي، وخرجت وتمشيت إلى أن دخلت الزقاق وجلست على المصطبة ساعة، وإذا بالطاقة قد انفتحت فنظرت بعيني إليها، فلما رأيتها وقعتُ مغشياً عليّ، ثم أفقت فشددت عزمي وقويت قلبي، ونظرت إليها ثانياً فغِبت عن الوجود، ثم استفقت فرأيت معها مرآة ومنديلاً أحمر، رأتني فشمرت عن ساعديها وفتحت أصابعها الخمس، ودقت بها على صدرها بالكف والخمس أصابع، ثم رفعت يديها وأبرزت الماء من الطاقة، وأخذت المنديل الأحمر ودخلت به وعادت وأدلته من الطاقة إلى صوب الزقاق ثلاث مرات وهي تدليه وترفعه، ثم عصرته ولفته بيدها وطأطأت رأسها، ثم جذبتها من الطاقة وأغلقت الطاقة وانصرفت، ولم تكلمني كلمة واحدة، بل تركتني حيران لا أعلم ما أشارت به، واستمررت جالساً إلى وقت العشاء، ثم جئت إلى البيت قرب نصف الليل، فوجدت ابنة عمي واضعة يدها على خدها وأجفانها تسكب العبرات، وهي تنشد هذه الأبيات:

مالي والحـي عـلـيك يعـنـف

كيف السلوّ وأنت غصـن أهـيف؟

يا طلعة سلبَت فـؤادي وانـثـنـت

ما للهوى العذري عنها مصـرف

تركيّة الألحاظ تفعل بـالـحـشـا

ما ليس يفعله الصقيل المـرهـف

حملتني ثقل الـغـرام ولـيس لـي

جلد على حمل القميص وأضعـف

ولقد بكيت دماً لقـول عـواذلـي

من جفن من تهوى بروعك مرهف

يا ليت قلبي مثل قـلـبـك إنـمـا

جسمي كخصرك بالنحافة متلف

لك يا أميري في الملاحة نـاظـر

صعب عليّ وحاجب لا ينـصـف

أتكلف الإعراض عنـك مـخـافة

من أعين الرقباء، كـم أتـكـلـف

فلما سمعت شعرها زاد ما بي من الهموم وتكاثرت علي الغموم، ووقعت في زوايا البيت، فنهضت إليّ ومسحت وجهي بكمّها، ثم سألتني عما جرى لي، فحكيت لها جميع ما حصل منها.

فك الألغاز

فقالت: يا ابن عمي، أما إشارتها بالكف والخمسأصابع، فإن تفسيره تعال بعد خمسة أيام، وأما إشارتها بالمرآة وإبراز رأسها من الطاقة، فإن تفسيره اقعد على دكان الصباغ حتى يأتيك رسولي، فلما سمعت كلامها اشتعلت النار في قلبي، وقلت: بالله يا بنت عمي أنا أصدقك في هذا التفسير، لأني رأيت في الزقاق صباغاً يهودياً، ثم بكيت، فقالت ابنة عمي: قوّ عزمك وثبّت قلبك، فإن غيرك يشتغل بالعشق مدة سنين ويتجلد على حر الغرام، وأنت لك جمعة، فكيف يحصل لك هذا الجزع؟

ثم أخذت بالكلام وأتت لي بالطعام، فأخذت لقمة وأردت أن آكلها فما قدرت، وامتنعت عن الشراب والطعام وهجرت لذيذ المنام، واصفر لوني وتغيّرت محاسني لأني ما عشقت قبل ذلك ولا ذقت حرارة العشق إلا في هذه المرة، فضعفت بنت عمي من أجلي، وصارت تذكر لي أحوال العشاق والمحبين على سبيل التسلي في كل ليلة إلى أن أنام، وكنت أستيقظ فأجدها سهرانة من أجلي ودمعها يجري على خدها، ولم أزل كذلك إلى أن مضت الأيام الخمسة، فقامت ابنة عمي وقالت لي: توجّه إليها، قضى الله حاجتك وبلّغك مقصودك من محبوبتك، فمضيت ولم أزل ماشياً إلى أن أتيت إلى رأس الزقاق.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

عودة إلى البيت

قال الشاب: في يوم السبت، رأيت دكان الصباغ مقفلة، فجلست عليها حتى أذّن العصر واصفرت الشمس وأذّن المغرب ودخل الليل، وأنا لا أدري لها أثراً ولم أسمع حساً ولا خبراً، فخشيت على نفسي وأنا جالس وحدي، فقمت وتمشيت وأنا كالسكران حتى عدتُ الى البيت، فلما دخلت رأيت ابنة عمي عزيزة وإحدى يديها قابضة على وتد مدقوق في الحائط ويدها الأخرى على صدرها، وهي تصعد الزفرات وتنشد هذه الأبيات:

وما وجد أعرابية بان دارهـا

فحنّت إلى بانِ الحجاز ورَنده

إذا آنست ركباً تكفّل شوقـهـا

بنار قراه والدمـوع بـورده

بأعظم من وجدي بحبّي وإنمـا

يرى أنني أذنبت ذنبـاً بـوُدّه

فلما فرغت من شعرها التفتت إليّ فرأتني أبكي فبكت، ومسحت دموعها ودموعي بكمّها، وتبسمت في وجهي، وقالت لي: يا ابن عمي، هنأك الله بما أعطاك، فلأي شيء لم تبت الليلة عند محبوبتك، فلما سمعت كلامها رفستُها برجلي في صدرها، فانقلبت على الإيوان فجاءت جبهتها على طرف الإيوان، وكان هناك وتد، فجاء في جبهتها فتأملتها قد انفتح وسال دمها.

الجريدة - القاهرة