حدث لقاء في حياة فايزة أحمد غيرّ مجراها تماماً، حيث اجتمع في منزل الموسيقار فريد الأطرش وبدعوة منه، كل من اشترك معه في فيلم «يوم بلا غد»، ومنهم محمد سلطان وبعض الصديقات والأصدقاء، ومنهم المطربة فايزة أحمد، إذ التقى فايزة وسلطان في تلك السهرة.كان سلطان معجباً بصوتها وأدائها، أما فايزة فقد وجدته إنساناً لطيفاً وأحبت بصدق ما سمعته من مقاطع من ألحانه والتي أدّاها في تلك السهرة.
تكلمت فايزة أحمد، في أحد الأعداد النادرة لمجلة الكواكب عن هذه العلاقة الخالدة وقالت: «في عام 1963 أقام الموسيقار الراحل فريد الأطرش حفلة في منزله، ودعاني إليها، كما دعا إليها الملحن الشاب محمد سلطان، الذي بدأ يلمع كأحد أبطال السينما». وتابعت: «كان سلطان وقتها يرفض العمل في الأدوار الثانية بالسينما، ويصر على أدوار البطولة، وعندما يئس من طول الانتظار قرر أن يعود لهوايته القديمة وهي التلحين، وكان سبق أن لحن بعض الأغنيات للمطرب عبداللطيف التلباني». أما عن بداية قصة الحب فقالت فايزة: «في تلك الليلة، لاحظت أن سلطان يبدى اهتماما شديدا بي، ولم يكن اهتمامي بالشاب الوسيم الذي يقطر حلاوة أقلّ، حتى لاحظ الحاضرون، وبعد هذا اللقاء دعتني صديقتي المطربة رويدا عدنان إلى أحد المطاعم، وعَرفت بعدها أن سلطان هو الذي رتب لهذا اللقاء، واتفقنا خلاله على أن يُعد لي لحنا، وبالفعل التقينا ومعه لحن رش الورد، وبعدها بدأ التعاون الفني الكبير بيننا».وتتحدث بعض المصادر بأنه بعد مُضي وقت لا بأس به فوجئ الجميع بعنوان مجلة «الموعد» اللبنانية، في إحدى الطبعات: «قصة حب تجمع بين الملحن والفنانة»، فاتصلت فايزة أحمد بمحمد سلطان وطلبت منه أن يلتقيا، وعندما وصلا إلى المكان انهمرت دموعها واستغرقت في البكاء قائلة: «أنا سُمعتي باظت». واعتذرت منه على الموقف، ولكن بعد ذلك قال سلطان نفس كلمة عاطف سالم: «صعبت عليا». ولهذه الكلمة قصة طويلة بين عاطف سالم وفايزة أحمد، نحكيها لاحقاً. ثم قال محمد سلطان لفايزة أحمد جملة واحدة، وهي: «أنا ممكن أتجوزك»، فسألته إن كان يحبها، فقال لها إنه من الممكن أن يحبها في المستقبل، والمهم الآن أن يتزوجها. تقول: فاتفقنا على الزواج، رغم فارق السن (كانت تكبره بسبع سنوات)، والفوارق الاجتماعية والثقافية ومقدار الشهرة. تزوجنا في 6 يوليو 1964 في الشهر العقاري، حيث لم تكن وقتها فايزة قد حصلت على الجنسية المصرية، وكان مقدَّم المهر 25 قرشا، والمؤخر ألف جنيه.دام ذلك الزواج، وهو الأطول في حياة فايزة أحمد، 17 عاماً، وُلد خلالها التوأم طارق وعمرو. وتميز سلطان خلال تلك الرحلة بالهدوء، في حين كانت فايزة عصبية وطيبة القلب في آن معاً؛ تنفعل بسرعة وتغضب بسرعة وترضى بسرعة.
ويحكى أنه ذات مرّة كانت فايزة أحمد تغني في حفل بنادي الطيران، وعند خروج فايزة وزوجها والأصدقاء من الحفل في النادي، كاد سائق باص يصدم سيارة فايزة أحمد القابعة عند مدخل النادي. المشهد كان صادما للجميع بمن فيهم فايزة، التي أخذت تصيح وتعبّر عن غضبها مرددة «حمّى اللي تسلقه سلق»، فكانت اللهجة الصيداوية تتفوق على المصرية في حالات الغضب الشديد!
يواكيم وسلطان
يتحدث فارس يواكيم عن محمد سلطان، في الفترة التي تعرف فيها على فايزة أحمد، فيقول: تعارفنا سنة 1962 ونشأت صداقة بيننا. كان محمد سلطان أول فنان عرفته، كان ذلك في فصل الصيف، يمارس السباحة في المسبح نفسه في الإسكندرية، مسبح «سان ستيفانو»، حيث بدأ مسيرته الفنية كممثل سينمائي، وهو الذي دعاني لمشاهدة تصوير لقطات من فيلم «الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين، وكان مشاركاً فيه. وقد اختاره المخرج بسبب إجادته لركوب الخيل، إضافة إلى وسامته، وكان قد شاهده في نادي الفروسية الذي يملكه ويديره مع والده اللواء المتقاعد عبدالحميد بك سلطان حكمدار البوليس سابقاً في مدينة الإسكندرية (قائد الشرطة). وكان محمد سلطان قد تخرج في كلية الحقوق، لكنه لم يمارس المحاماة. كما كان أيضا من هواة الفنون: التمثيل والموسيقى، وكان يجيد العزف على البيانو وعلى العود، وكانت والدته، وهي لبنانية من آل كامل من بكفيا، تجيد العزف على العود أيضاً. في نهاية صيف ذلك العام، انتقلت إلى القاهرة بعد قبولي طالباً في المعهد العالي للسينما. وانتقل محمد سلطان إلى العاصمة أيضاً بعدما أصبح المخرجون يستدعونه للتمثيل في الأفلام، وأقام في فندق «دي روز» في شارع طلعت حرب (سليمان باشا)، في وسط البلد. وكنا نلتقي أحياناً لمشاهدة فيلم، وأحياناً لتناول الطعام في مقهى ومطعم ريش. وفي الأثناء كان قد شارك بالتمثيل في بعض الأفلام، ومنها «عيلة زيزي» مع سعاد حسني وفؤاد المهندس وإخراج فطين عبدالوهاب، وفيلم «الباحثة عن الحب» من إخراج أحمد ضياء الدين وبطولة رشدي أباظة ونادية لطفي.وبدأ الناس يعرفون اسمه كممثل صاعد، لكنه لم يكن معروفاً في عالم الموسيقى. كان قد لحّن أغنيات أداها مطربون في إذاعة الإسكندرية، منهم من ظلّ مغموراً ومنهم من نال قدراً ولو بسيطاً من الشهرة، مثل عبداللطيف التلباني. وأرادت فايزة مساعدته في أن يُعتمد بالإذاعة، وطلبت بنفسها رئيس قسم الموسيقي بالإذاعة، وكان في ذلك الوقت، أحمد حسن الشجاعي، الموسيقار المعروف عنه التشدد، وحددت معه موعدا، وبالفعل تم اعتماد سلطان في الإذاعة، وكانت هذه هي بداية طريق شهرته.سلطان وفايزة
محمد سلطان الذي عاش في منزل الزوجية بجاردن سيتي بالقاهرة، والمليء في جميع أركانه بصور للراحلة فايزة أحمد وصور الذكريات التي تجمعهما، يقول عن زوجته، التي استمرت حياتهما معا فترة طويلة قاربت ثمانية عشرة سنة مليئة بالحب والتضحية والاحترام، إنها لم تترك فراغاً فنياً في مصر والوطن العربي فقط، لكنها تركت فراغا أكبر بداخله، مضيفا أن «كل الموهوبين الكبار كانوا طفرات لن تتكرر، وهؤلاء المميزون تركوا علامة وأثرا وعاشوا في أعماق وقلوب الجمهور، منهم أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب وغيرهم من العظماء». وأضاف الموسيقار الكبير: «زوجتي فايزة أحمد كانت إنسانة تلغي نفسها من أجل إرضاء زوجها وأبنائها، فكانت تقول: أنا مش عاوزة أي حاجة خالص غير إنك تبقى سعيد». وتابع: «فايزة تركت أثرا بداخلي كإنسان، فكانت زوجة مطيعة بطريقة لا تصدق، حتى أنني كنت أتعجب من كل هذه الطاعة، فترد قائلة إن رأيها ورأيه واحد، وطالما أن هناك أمراً يرضيه فهي توافقه»، مشيرا إلى أن الفنانة الكبيرة كانت تحب القطط والكلاب والخيول، وكانت تحب الحياة بشكل كبير، هذا إلى جانب تدينها.وأضاف سلطان: «فايزة كانت متدينة جدا، ومكانتش بتسيب فرض»، كما أن أكثر ما لفت انتباهه في «فايزة» في بداية تعارفهما هي صراحتها ووضوحها، هذا بالإضافة لكونها مضحية فلم تعرف الأنانية طريقا لقلبها أبدا. وأكد أنه لم يفكر ولو لحظة واحدة أن يتزوج بعد رحيل فايزة أحمد، قائلاً: «لدينا ولدان توأم، وهم أجمل ما في حياتي، وأحبهم كثيراً وأشعر أنهم دنيتي كلها، وأنا لست طماعا حتى أطلب من الله أكثر من أنه أعطاني فايزة أحمد، ولهذا لم أتزوج بعدها». وأضاف: «فايزة كانت دمعتها قريبة جداً، وكانت متواضعة وتحب زملاءها جداً، وتحب الخير وتعطف على الغلابة، وكانت صادقة جدا في تعبيرها، أنا بقول الحقيقة أمام الله، كل الحاجات الحلوة كانت في فايزة أحمد».كما نفى سلطان ما تردد بأن فايزة كانت عازفة ماهرة على العود، قائلا: كانت تعزف مكسر، لكنها على أي حال تعرف كيف تعزف، ولكنها لم تكن على مستوى الإجادة. رحلة الثنائي محمد وفايزة بدأت عام 63 وانتهت برحيلها عن الحياة عام 83، حصاد الرحلة دام 20 عاماً أثمرت على مستوى الأغاني العاطفية الكثير، إذ قدم لها أكثر من 100 أغنية، كان أولها «هاتوا الفلّ مع الياسمين... رشّوا الورد على الجنبين»، وهي أغنية وطنية تحية للجنود المصريين. فوثِقت فايزة أحمد بموهبة محمد سلطان وأعطته الفرصة لإظهارها. تلا ذلك أغنية عاطفية «أؤمر يا قمر أمرك ماشي» عام 63، وكان اللحن جميلا في الأغنيتين وأحسن الجمهور استقبالهما. وبدأ مشوار التعاون الفني الطويل بين الاثنين، فتوالت بعدها الألحان مثل «خليكو شاهدين» و«خلينا ننسى» و«نقطة الضعف» و«غريب يا زمان» و«أيوه تعبني هواك» و«تعالى شوف ياما انت واحشني» و«لاقيتك فين» و«قول لكل الناس»، إلى جانب الأغاني القصيرة مثل «بكره تعرف» و«حبيتك وبداري عليك» و«انساني يا حبيبي» و«على وش القمر» و«ادي الحياة» و«مال عليّ مال» و«أخد حبيبي» و«قاعد معاي» وغيرها. لكن قصيدة نزار قباني «رسالة من سيدة حاقدة» تميزت عن غيرها، والتي لحنها الفنان محمد سلطان، ولاقى اللحن الجميل وتألق فايزة في الأداء إعجاب المستمعين، خصوصاً وهي تغني «أنا لست آسفة عليك». وقد خضعت القصيدة لعمليات التعديل، ومنها حذف ألفاظ مثل «يا نذل... يا دني» وحلول ألفاظ لطيفة محلها، على الرغم من أن القصيدة تتحدث عن غضب امرأة اكتشفت خيانة حبيبها لها. وكان تفسير سلطان لذلك التعديل بأن «الأذن العربية لا تستسيغ الشتائم في الأغاني. والتعديل جرى بموافقة نزار قباني وبقلمه».وكان آخر لحن قدّمه لها محمد سلطان من كلمات عمر بطيشة «أيوه تعبني هواك وياك/ يللّي ظلمت الحب معاك». ووقع الطلاق في مايو 1981، ومضى كلٌّ في طريق.«امسك حرامي»
شاركت فايزة أحمد سنة 1958 في فيلم «امسك حرامي»، حيث ظهرت خلاله الفنانة فايزة بشخصيتها الحقيقية، خلال أحداثه، وشارك في بطولته إسماعيل ياسين، ومحمود المليجي، وآمال فريد، وحسن فايق، ونعمت مختار، وهو من تأليف كامل التلمساني وعباس كامل، ومن إخراج فطين عبدالوهاب. ولم يكن فيلم «امسك حرامي» هو الفيلم الوحيد، الذي شاركت فيه فايزة أحمد أمام الفنان إسماعيل ياسين، حيث قدمت معه عدداً من الأفلام الأخرى مثل «المليونير الفقير»، و«عريس مراتي» والذي يعد آخر الأفلام التي جمعت بينهما، وتم عرضه في عام 1959. وتناول الفيلم قصة شاب يدعى «أسامة»، وجسد شخصيته الفنان إسماعيل ياسين، الذي يؤمن بالحظ، ولكن تصادفه مواقف كثيرة حتى يتم الاعتقاد بأنه متورط في جريمة قتل، وعندما يعلم لص بأن حماه مليونير، يحاول سرقة جوهرة ثمينة من الخزينة حتى يقبض عليه في النهاية، وغنت فايزة في الفيلم أغنية «حمال الأسية» و«بريئة».وأغنية حمال الأسية، التي مازالت تتردد حتى الآن، وتلاقي نجاحا كبيرا عند إذاعتها، أو عندما يقوم أحد المطربين بإعادة تقديمها مجددا، كتب الشاعر حسين السيد كلمات الأغنية ولحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب من مقام «الهزام»، لكن عبدالوهاب حذف «الكوبليه» الأخير، لأنه وجد أنه لن يضيف للمعنى الذي سبق وذكره الشاعر في الكوبليهات التي سبقته، فتم حذفه، خاصة أن الأغنية ستقدم في فيلم، ولابد أن يكون لها زمن محدد، حتى لا يمل الجمهور، وتقول كلمات أغنية «حمال الأسية»:حمال الأسية ظالمينك حبايبيوبتنسى الأسية طول عمرك يا قلبيحمال الأسيةبينسوك الحبايب ولو طال الغيابتروح تسأل عليهم ولا يردوش جوابولك في الحب دقة عارفها كل بابتسامح اللي ينسى وتعذر اللي غاب«تمر حنة»... غجرية تغني للموجي
شاركت فايزة أحمد في فترة الخمسينيات في مجموعة من الأفلام، كان أولها فيلم «تمر حنة» عام 1957 بدور «مايسة» مغنية الموالد، وغنت في الفيلم عددا من الأغاني منها «قلبي عليك يا خي» للشاعر مرسي جميل عزيز وألحان محمد الموجي، «يمّه القمر ع الباب» من كلمات مرسي جميل عزيز وألحان الموجي أيضاً. ومن كلمات جليل البدراوي وألحان محمد الموجي غنت «تمر حنة”.وتدور قصة الفيلم حول «تمر حنة» الفتاة الغجرية التي ترقص في الموالد، وتتمتع بقدر كبير من الجمال والخفة، لكنها تنتمي لطبقة فقيرة، حيث يربطها قدرها بـ«حسن»، الذي يعمل في الموالد الشعبية، وفي نفس الوقت يعجب بها أحمد، ابن العمدة الثري، ويحاول بشتى الطرق أن يقربها إليه، فيكذب على والده قائلًا عن تمر حنة إنها بنت باشا غني، حتى ينجح في الفوز برهانه مع والده، ولكن تسير الأمور فيما بعد على غير المتوقع. انطلق هذا الفيلم الغنائي في دور السينما، بكل من سينما ديانا بالقاهرة وستراند بالإسكندرية. وكتب الحوار جليل البنداري، تصوير محمود نصر، وألحان محمد فوزي ومحمد الموجي، وبطولة نعيمة عاكف ورشدي أباظة وأحمد رمزي وزينات صدقي وكريمان وسراج منير واستيفان روستي، ولأول مرة المطربة فايزة أحمد، وهو من إخراج حسين فوزي. ويذكر أنه كان آخر فيلم أخرجه لزوجته نعيمة عاكف وبعدها انفصلا.