حان الوقت لتغيير المقاربة الأميركية تجاه كوريا الشمالية!
كان ملف كوريا الشمالية من أبرز البنود على أجندة الرئيس الأميركي جو بايدن خلال اجتماعه الأخير مع رئيس الوزراء الياباني، يوشيهيدي سوغا الذي قال إن الزعيمَين كررا التزامهما المشترك بالتخلص من أسلحة الدمار الشامل التي تملكها كوريا الشمالية، بما في ذلك الصواريخ البالستية بمختلف نطاقاتها.لكن بعيداً عن التصريحات المثالية، من المستبعد أن تتعاون كوريا الشمالية مع الدول الأخرى وتصبح شريكة حقيقية لها، فرغم انهيار اقتصاد كوريا الشمالية اليوم، قارن الزعيم كيم جونغ أون حديثاً وضع بلده الراهن بفترة منتصف التسعينيات التي شهدت مجاعة كبرى، ومع ذلك تُصِرّ بيونغ يانغ على رفض مبدأ نزع الأسلحة النووية بالشكل الذي تُعرّفه الولايات المتحدة، مما يعني أن تسلّم كوريا الشمالية أدوات ترسانتها النووية وتتلقى ضمانات مالية ودبلوماسية وأمنية في المقابل. للأسف، يبدو أن إدارة بايدن ستتمسك بالسياسة القديمة نفسها.لكن يجب أن تتقبل واشنطن الواقع الراهن: كوريا الشمالية دولة تملك أسلحة نووية، حيث تستطيع الولايات المتحدة أن تتمسك بحلم نزع الأسلحة النووية مع أنه هدف بعيد المنال، أو يمكنها أن تتبنى إطاراً سياسياً مختلفاً ترتفع فرص نجاحه.
يُفترض أن يدرك الجميع في هذه المرحلة أن الضغط على كوريا الشمالية للتخلي عن نظام ردعها النووي هو مجرّد نهج فاشل، حتى أن العقوبات الاقتصادية والتهديدات باستعمال القوة تؤكد لكيم جونغ أون أهمية الأسلحة النووية لضمان صمود سلالته الحاكمة، إذ لم تعتبر بيونغ يانغ يوماً أي مكافآت دبلوماسية أو اقتصادية بأهمية السياسات التي تضمن صمودها.قد يكون التفاوض حول الحد من التسلح خياراً عملياً بالنسبة إلى كوريا الشمالية، حتى أنه قابل للنجاح، فقد بدأ عدد متزايد من خبراء منع الانتشار النووي ومحللي شؤون كوريا الشمالية يقتنع بالفكرة القائلة إن عقد حوار تقليدي حول الحد من التسلح قد يكون أفضل خيار بعد الوهم المرتبط بنزع الأسلحة النووية. لم تستبعد كوريا الشمالية يوماً خيار التناقش حول سقف التصنيع النووي أو ضوابط إنتاج البلوتونيوم أو الصواريخ العابرة للقارات أو مركبات إطلاقها. ستكون هذه المحادثات بالغة الصعوبة طبعاً، لا سيما عند التطرق إلى مسائل التحقق من العمليات النووية، لكن تبقى هذه المصاعب ضئيلة مقارنةً بما ستواجهه إدارة بايدن إذا بقي نزع الأسلحة النووية النتيجة الوحيدة المنتظرة من السياسة الأميركية. أخيراً، يجب أن تتجاوز إدارة بايدن المسألة النووية وتبدأ بإنشاء قنوات تواصل متماسكة كتلك التي تملكها الولايات المتحدة مع الدول الأخرى، ولن يكون توجيه الرسائل إلى بيونغ يانغ عبر أطراف ثالثة أو التواصل مع مسؤولين كوريين شماليين عبر قنوات الأمم المتحدة كافياً، بل يجب أن يتواصل ممثلو وزارة الدفاع الأميركية وهيئة الأركان المشتركة ووزارة الخارجية مع نظرائهم في كوريا الشمالية لمحاولة استكشاف طريقة بناء علاقات براغماتية ومستدامة.قد يظن النقاد أن تطبيع العلاقات مع كوريا الشمالية خطوة غير مسؤولة بأي شكل، لكن يجب ألا يُعتبَر التواصل الدبلوماسي بمكافأة بحد ذاتها، بل إن التواصل الثنائي جزء طبيعي من الكفاءة السياسية، وقد يمنح البلدَين منتدىً مباشراً لتقاسم أفضل الممارسات في العالم النووي، ومنع تصاعد الاضطرابات، وتحديد القواعد التي تسمح بالتعامل مع الأزمات، وزيادة التفاهم المتبادل وتقبّل سياسات الطرف الآخر.أصبح ملف كوريا الشمالية مرادفاً للفشل على مر الإدارات الأميركية المتلاحقة، لكن إذا كان الرئيس بايدن أكثر واقعية حول ما يستطيع تحقيقه وأعلن دعمه لإصلاحات جريئة ومنطقية، فقد يتمكن من كسر سجل الفشل تزامناً مع الدفاع عن أهم المصالح الأميركية في مجال الأمن القومي.