في الوقت الذي كشف المجلس الأعلى للقضاء، في اجتماعه الأخير، عن موافقته على مقترح عقد جلسات تجديد الحبس للمتهمين عن بُعد، بالتنسيق مع وزارتي العدل والداخلية، على أن تُعقد هذه الجلسات بإحدى القاعات الموجودة داخل السجن المركزي، يخلو قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية والمرافعات بالتقرير عن مشروعية أي جلسات تعقدها الهيئات القضائية عن بُعد.ورغم أهمية القرار الذي اتخذه مجلس القضاء بهذا الشأن، فإن الآراء القانونية تباينت حول سلامته من الناحية الإجرائية، خصوصا أن القوانين الإجرائية لم تُجز عقد الجلسات عن بُعد وإمكانية عقدها من دون وجود المتهمين أمام المحكمة، بما يجعل هذا الإجراء باطلاً ومخالفاً للقانون والدستور.
أستاذ القانـــون الجزائي في كليــــة الحقــــــوق بجامعــــة الكـــويـــت د. مشاري العيفان قال إن القرار الذي أصدره مجلس القضاء بشأن عقد الجلسات المسائية عن بُعد جدير بالإشادة، لكن ينبغي مراقبته وتحديد مساوئه وتحديثه.وأضاف العيفان أن هذا الإجراء يُعد من إجراءات المحاكمة التي تثبت فيها الحقوق للمتهم عادة في المحاكمة العادلة، مبينا أنه من الضروري توفير المحامي المنتدب، لتقديم مبررات إخلاء السبيل.
المحاكمة العادلة
من جانبه، قال رئيس قسم القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. حسين بوعركي، إن المشرع استلزم حضور المتهم بنفسه في جميع إجراءات المحاكمة، ولم يستلزم ذلك لجلسات تجديد الحبس، لذلك فالأمر واسع بالنسبة لجلسات تجديد الحبس، وأعتقد أنه لا مشكلة في أن يقوم مجلس القضاء بإصدار قرار بأن تكون الجلسات عن بُعد ووفق ما يواكب التطور الحديث.وتابع: «أما بشأن مبدأ المواجهة وحقوق المتهم في المحاكمة العادلة، فهي مسألة نسبية، والفكرة قابلة للتطور، خصوصاً في ظل وجود الأجهزة الحديثة». ولفت بوعركي إلى أنه «إذا كان في هذا الأمر حفظ لأوقات المتقاضين وتوفير للجهود ومراعاة للظروف الصحية، فأعتقد أن ذات المبررات أيضاً تستلزم من مجلس القضاء الأعلى أن تكون الجلسات محددة الوقت، فيعلم المتهم والمحامي وقت الجلسة، فلا يُعقل أن نذهب في جلسات الجنايات وننتظر بالثلاث والأربع ساعات حتى يأتي دور المتهم، لأن هذا الأمر يشكل إخلالاً بحقوق المتهم أحيانا، فبعض المحامين يغيب عن جلسة، أو يكون مرتبكا، فلا يعلم هل يحضر جلسة في الطابق الثاني أم الرابع أم السادس، أم يحضر جلسة في مبنى محكمة الرقعي أم بالعاصمة أم غير ذلك، لذلك أعتقد أنه أكبر إخلال بحقوق المتهم في المحاكمة العادلة، ومن أوجه الإخلال التي تحدث عدم تحديد أوقات التقاضي».وبيَّن بوعركي أن «هناك إرهاقا على المحاكم الجزائية، فعدد القضايا التي تنظر في الدائرة الواحدة تتراوح في قضايا الجنايات بين 40 و50 وفي الجنح تمييز ما يزيد على 100. أعتقد أن المحاكم مرهقة، ويجب تخفيف العبء عن القضاة قدر الإمكان، بالاستعانة بقضاة من دول أخرى إذا ثبت عدم القدرة على توفير العدد الملائم من القضاة، وهو ما من شأنه أن يصب في تحقيق المحاكمة العادلة بحق المتهم، حتى يكون لدى القاضي متسع من الوقت لسماع الأطراف، ويعطي القضية حقها، وحتى لا يكون القاضي مرهقا ومضغوطا، ويجب تخفيف العبء عن القضاء، حتى يتم تطوير العملية القضائية».وعن الأساس التشريعي الذي يسمح بعقد جلسات تجديد الحبس عن بُعد، ذكر بوعركي أن المشرّع في المواد 69-71 من قانون الإجراءات نظم قيودا على تجديد المحكمة لحبس المتهم، وهي القيود الزمنية، وسماع أقوال المتهم، واطلاع المحكمة على ملف التحقيق، وعلى خلاف ذلك أتت المادة 121 من قانون الإجراءات، واشترطت حضور المتهم بشخصه جلسات المحاكمة، فالمشرّع فرّق بين نوعي الجلسات، لطبيعة كل منها وهدفها، لذلك لا مناص من القول إن القانون لا يمنع عقد جلسات التجديد إلكترونياً.إشكاليات قانونية
بدوره، قال أستاذ القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد التميمي، إن عقد جلسات تجديد الحبس عن بُعد يثير عدة إشكاليات قانونية إجرائية تتصل جميعها بضمانات الدفاع الجوهرية، حيث إن النصوص الواردة بقانون الإجراءات الجزائية المتعلقة بالحبس الاحتياطي وتجديده لا تسعف تلك الجلسات، لحملها على أسانيد معتبرة، لأسباب قانونية وأخرى واقعية.وبشأن الأسباب القانونية، أوضح التميمي أن المادة 71 من قانون الإجراءات أوجبت على المحقق المختص بالحبس أو المحكمة المختصة بنظر قرار تجديده بسماع أقوال المتهم، وإلا كان الإجراء باطلاً. ويجب ألا تقرأ المادة 71 من قانون الإجراءات الجزائية بمعزل عن المادة 69 بفقرتها الأخيرة، التي ابتدأت النص: «ويجب عرض المتهم على رئيس المحكمة – قبل انتهاء مدة حبسه – للنظر في تجديد أمر الحبس»، وبذلك تتعاضد المادتان فيما بينهما بوجوب الاستماع إلى أقوال المتهم قبل إصدار قرار الحبس الاحتياطي، وأن يكون هذا الاستماع بعد العرض الجسدي المادي على الجهة مصدرة قرار التجديد، ولا يمكن القول إن كلمة «عرض المتهم» قابلة لاستيعاب العرض الافتراضي من خلال وسائل التقنية الحديثة، حيث إن ذلك لم يدر في خلد المشرّع، سواء في النص الأصلي الذي وضع في قانون رقم 17 لسنة 1960 أو جميع القوانين اللاحقة المعدلة لهذا النص. وبشأن القانون المقارن، لفت إلى أن المشرّع الفرنسي استحدث نصاً خاصاً لاستخدام تقنيات الاتصال عن بُعد بشأن جلسات تجديد الحبس، ما يدل على أن كلمتي «عرض المتهم» و«الاستماع لأقواله» الواردتين في قانون الإجراءات الفرنسي لا تستوعبان تقنيات الاتصال الحديثة.وأشار إلى حكم المجلس الدستوري الفرنسي بعدم دستورية نص آخر للجلسات عن بُعد التي تم استحداثها بالتزامن مع الإجراءات الاحترازية الطبية للجائحة، حيث لفت المجلس الدستوري إلى أمرين كانا سبب عدم دستورية النص، هما: أن جلسات المحاكمة عن بُعد التي تتم دون رضا المتهم أو محاميه تشكل اعتداءً صارخاً على ضمانات الدفاع، وتعميم الجلسات عن بُعد لكل حالات تجديد الحبس الاحتياطي دون وضع حالات محددة للجوء لتلك التقنيات مع إيراد شروط خاصة لها هو انتهاك آخر لضمانات الدفاع، ولا يقيم مبررا للتحجج بضرورته لاستمرارية مرفق القضاء. وفيما يتعلق بالأسباب الواقعية، رأى التميمي أن اللجوء إلى تقنيات الاتصال عن بُعد في هذا الوقت عقب مُضي وقت كبير على بدء الجائحة، وتعميمه على جميع جلسات تجديد الحبس، بحجة الإجراءات الاحترازية، يمكن الرد عليه بأن هناك العديد من الإجراءات الاحترازية التي تستطيع المحاكم اشتراطها لضمان سلامة جميع أطراف الخصومة والمحكمة على حدٍ سواء، دون اللجوء لتطبيق الجلسات عن بُعد. وذكر أن المادة 7 من مرسوم بقانون بشأن تنظيم القضاء الكويتي أجازت للمحكمة الكلية وللمحاكم الأخرى أن تعقد دوائرها في أي مكان آخر خارج مقر المحكمة بقرار من وزير العدل بناءً على طلب رئيس المحكمة، وهو حل آخر بديل لفكرة الجلسات عن بُعد التي لا تجد لها سندا في نصوص القانون.ضوابط
بدوره، قال أستاذ القانون الجزائي في كلية الحقوق د. أحمد القحطاني، إنه لا يختلف اثنان على أهمية المحاكمات الجزائية عن بُعد أو القيام ببعض إجراءاتها، لما في ذلك من تسهيل وتسريع للمحاكمة، وما يتناسب مع الحق في المحاكمة السريعة، إلا أن ذلك مرتبط - كما هو معمول به في بعض القوانين المقارنة- بمراعاة عدة ضوابط، والتي تأتي في مقدمتها وجود ضرورة أو حاجة للقيام ببعض الإجراءات أو جميعها عن بُعد دون الإخلال بالحق في التفاعلية المباشرة بين المحكمة والمتهم، ومراعاة علنية المحاكمة، والمناقشة والمواجهة وحقوق الدفاع، وسؤال الخبراء والشهود، والاطلاع على كل أوراق الدعوى، وتقديم الطلبات والدفوع.وأضاف القحطاني: «يجب أن تستند هذه الطريقة الحديثة في المحاكمة إلى نصوص قانونية صريحة في إمكانية القيام بها، متضمنا ذلك جميع الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة».وتابع: «من المستغرب حقيقة موافقة المجلس الأعلى للقضاء على طلب قطاع شؤون المؤسسات الإصلاحية وتنفيذ الأحكام بوزارة الداخلية باعتماد آلية نظر جلسات تجديد حبس المتهمين نزلاء السجون عبر الاتصال المرئي، حيث إن نصوص قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الحالية تخلو من أي نصوص صريحة في هذا الشأن، فإذا تم تطبيق تلك الآلية، فهذا يُعد لمبدأ الشرعية الإجرائية ولمبدأ سيادة القانون، فلا يجوز تطبيق حُكم معيَّن يتعلق بحقوق الأفراد دون نص قانوني يصرح به».حقوق الفرد
ولفت القحطاني إلى أن نصوص المادة 69 وما يليها من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية والمتعلقة بالحبس الاحتياطي خصوصا، ونصوص هذا القانون عموما، تشير بمجموعها إلى وجوب الحضور الجسدي والحقيقي للمتهم في جميع الإجراءات، فمثلا «نقرأ في نصوص المواد 69 و71 عبارات تدل على وجوب (حضور المتهم)، و(عرض المتهم)، و(سماع أقواله)، فلا يصح إذن تفسير هذه المعاني والدلالات وتطويعها لاستخدامها في آلية حديثة تؤثر في حقوق الأفراد المكفولة قانونا».وأكد أنه من حق الفرد -وإن كان متهما- أن يشعر بجدية القاضي بسماع أقواله، وأن يرى في عيني القاضي ما يدل على فهمه وتبصره لحال المتهم، وهذا الشعور لا توفره الوسائل التقنية الحديثة والتواصل عن بُعد، التي يفقد فيها الأطراف التواصل الحقيقي والجدي، وقبل ذلك التواصل الإنساني، وما يزيد عدم الشعور هذا هو عدم وجود النص القانوني الصريح لتفعيل هذه الآلية.وأضاف القحطاني: «لو كان الأمر مجرد تحديد للضوابط بين الجهات القضائية والتنفيذية دون وجود نصوص تشريعية صريحة في هذا الشأن، فما الذي يمنع باقي الجهات من تعميم ما يشابه مثل هذا الإجراء دون اللجوء للسُّلطة التشريعية؟!».عقد الجلسات عن بُعد بقانون
قال المحامي أحمد الهندال إن قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية خلا من النص على جواز عقد الجلسات أمام الهيئات القضائية عن بُعد.وأضاف: لما كانت جلسات تجديد الحبس التي يُعرض أمامها المتهمون الصادر بحقهم قرارات بالحبس الاحتياطي ينطبق عليها مفهوم الجلسات يترأسها أحد القضاة المنتدبين لإثباتها بمحضر الجلسة للطلبات، فإنه لا يمكن عقدها إلا بسبب ما ينص على ذلك القانون على نحو صريح، الأمر الذي يشوب قرار مجلس القضاء بالسماح بعقدها بعدم المشروعية، وذلك لعدم سلامته.ولفت إلى أن الدستور نص على توفير المحاكمات العادلة للمتهمين وأناط للمشرع العادي تنظيم ذلك، ولا يصح النزول عن رغبة الدستور في تقرير ذلك التنظيم الذي يجب أن يكون بقانون، وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا بتعديل قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، للسماح بعقد مثل تلك الجلسات وضوابط عقدها، والتي أهمها تقديم المتهم أقواله بإرادة حرّة وبمثول محاميه معه تلك خلال الجلسات، وأن يكون ذلك تحت إشراف النيابة العامة والمحاكم، وليست وزارة الداخلية التابعة بشكل كامل لسلطة الضبط.