رُميت ناقة اسمها البسوس بسهم فنفقت، فرُمي قاتلها كليب برمح ومات وثارت حرب البسوس، وكان من المعقول ألا تحدث هذه الحرب أو بأحسن الأحوال ألا تستغرق أكثر من شهر لو تم الاكتفاء بدفع تعويض الناقة أو تم الاكتفاء بقتل قاتل الناقة فقط، وكفى الله المتخاصمين شر القتال، ولكن حدث العكس تم رفع شعار أريد كليباً حياً، ومع شعار كهذا المستحيل أصبح واقعا، وجعل استمرار الحرب لسنوات طويلة أمرا معقولاً.

سباق بين فرسين غلبت فيه الفرس (الغبراء) منافستها (داحس) بطرق ملتوية، هنا كان من الممكن طلب إعادة السباق على أرض محايدة أو بأرض المهزوم وداحس ستقوم بالمطلوب وتعوض الخسارة، فهي فرس أصيلة لا يشق لها غبار، ولا يشك أحد بقدراتها، ولكن الطرف الخاسر لم يتقبل الهزيمة والطرف الفائز لم يحترم ميثاق العدالة، وتطور الأمر إلى معارك أهلكت النسل والحرث واستمرت سنوات طويلة أيضاً.

Ad

من يقول إن جينات العرب نسيت بسوسها وداحسها وغبراءها فهو واهم، فهذا الأمر منقوش على أهرامات الـ"دي إن إيه" العربي ويحرسه أبو الأهوال اللامنطقية التي تعيشها مسارات حوارات العرب وأفكارهم وحتى سياستهم، ولأننا هنا عرب ثقافياً ودستورياً فنحن مثل قومنا نخوض مع الخائضين في بحار هذا الحين التاريخي، وغالبا حتى الغرق، وما حدث ويحدث في مجلسنا دليل على ذلك.

انتهت الانتخابات وأخرجت أغلبية من النواب تحمل على ظهرها وعوداً انتخابية وخطوطا ترسم لوحة نجاحها أو سقوطها في أي انتخابات قادمة، وكل نائب من هؤلاء يقول في نفسه السياسة من أمامكم وأصوات ناخبيكم من خلفكم فأين المفر؟! وفي أول جلسة بركت ناقة وعد كرسي الرئاسة، ولم يجر الأمر كما وعدت تجمعات المعارضة ودواوينها، فرفعت المعارضة، ومع الأسف الشديد تحت ضغط الجينات، شعار أريد كرسي الرئاسة حياً كردة فعل انتخابية لا سياسية، فما حدث سواء نحبه أو نكرهه لا يخرج عن نطاق الدستور ولا المسار الفعلي للواقع السياسي الكويتي، وبالمقابل وكموازنة سياسية أفترض فيها حسن النية وترمي لترسيخ مفهوم التعاون لا التصادم لم تفهم الحكومة أن داحس المعارضة فازت في سباق الانتخابات، وأصرت على فوز غبراء سيطرتها الكاملة على كل مناحي المجلس وبأي ثمن، ومع شعار أريد كرسي الرئاسة حياً وعرقلة داحس لأجل عيون الغبراء استمر المسار الهائج في طريقه وعلى غير هدى نحو نفق مسدود، وحلم كرسي الرئاسة لن يرجع حياً في هذا المجلس وفق قواعد الدستور الكويتي وموازين القوة، وحتى لو تمت انتخابات جديدة، ومع الخطاب التصادمي الحالي ذاته للمعارضة لن تتغير حسبة أصوات الحكومة، ولن تعجز عن إيجاد 17 - 18 نائبا خارج صف المعارضة لتعيد الكرة مرة أخرى، ولكنها أيضا بالمقابل لن تنجح أيضا مع هذا المجلس أو ما سيأتي بعده في إيجاد تعاون مثمر مع أغلبية أفرزتها الانتخابات ما دامت لا تحترم حق داحس المعارضة في إقرار وعودها الانتخابية والفوز في سباق مصداقيتها مع ناخبيها!

هنا معضلة لا حل لها على المدى المنظور ما دامت تسير وفق الشروط الحالية وما دامت جيناتنا العربية هي من تتحكم بأفعالنا وردات أفعالنا السياسية بعيداً عن ميزان دستورنا وقدرتنا على فهم أن السياسة بدون نكهة المرونة والعقلانية والمصلحة الوطنية لا الخاصة سيكون مذاقها مراً جداً على مستقبل وطننا، وهذا الحديث موجه إلى الكل لا إلى طرف بعينه، والحل الممكن الوحيد الذي أراه للخروج من عنق زجاجة مأزق مجلسنا الحالي ومع يأسي الشديد من تحول المسار التصادمي المتسارع الحالي بين الحكومة والمعارضة، هو تفهمنا أولاً كشعب مصدر للسلطات جميعاً ومستورد لعلاجها وصداعها، وبعين وطنية مخلصة تراقب الاتجاهات وتحكم عليها أن ما يحدث تحت قبة عبدالله السالم لا يقود إلى طريق واضح، وكل طرقه تقود إلى جينات بسوس وداحس والغبراء، وتقبل هذا هو الجنون بعينه وبشحمه ولحمه ونحن وحدنا من سيدفع الثمن بالأخير.

فالح بن حجري