التحرر من عذاب سيزيف

سيزيف في الميثولوجيا (الأسطورة) اليونانية رجل فائق الخداع، كان مقرباً من كبير الآلهة زيوس وموضع ثقته، ويعرف كل أسراره، وفكر في إزاحة زيوس ليحل محله الذي أخبر إله النهر بأن زيوس على علاقة غير شرعية بابنته ليثيره ضده، فعاقبه زيوس بالجحيم الذي شكل رعباً بالنسبة إليه، إلا أنه خدع إله الموت وفرَّ من الجحيم، فعاقبه زيوس بأن يحمل صخرة إلى قمة الجبل، إلا أنه ما إن يقترب من القمة حتى تتدحرج الصخرة إلى أسفل الجبل فيعاود الصعود بها إلى القمة مرة أخرى، وهكذا دَوالَيْك إلى الأبد، وعرف هذا برمز عذاب سيزيف الأبدي وقد استسهله سيزيف عندما فرض عليه في البداية، إلا أنه في الواقع كان أشد أنواع العذاب.

لو أردنا أن نسقط هذه الميثولوجيا على واقعنا في الكويت فإننا سنرى سيزيف يتمظهر في صورة الشعب الذي يُصَب عليه العذاب نفسه وربما أقسى وأشد لأن هذا الشعب لا يريد الانفكاك من سيطرة نموذج الدولة الريعية التي تضع على ظهره صخرة القطاع العام الثقيلة المرهقة، ليصعد بها إلى القمة فما إن يقترب حتى تعاود الصخرة التدخرج إلى السفح، إنها صخرة قد احتوت ثقل رداءة الخدمات في التعليم والصحة والمحسوبيات والفساد والبطالة المقنعة التي بلغت أكثر من 60% وتضخم المصروفات، وبالأخص في باب المرتبات والأجور وتأخير الإنجاز وأزمة السكن وحوادث المرور التي تقتل سنويا 428 ضحية ووجود البطالة وتفشي الرشوة والتراجع في كل المؤشرات.

مضت عقود ونحن في هذا العذاب، والأنكى والأشد أن هذه الصخرة تكبر مع الزمن فيتزايد معها العذاب حتى نصل إلى تمني صخرة سيزيف، العجيب أن سيزيف كان حسب الميثولوجيا لا يملك الإفلات من هذا العذاب القدري الوحشي إلا أنه في الميثولوجيا الكويتية فإن سيزيف يملك التحرر من العذاب لحظة أن يعي ويقرر التخلص من نموذج الدولة الريعية، ويتنازل عن القطاع العام عبر الخصخصة الرشيدة، ويزيح قطاع الخدمات عن ظهره، ويتركها للقطاع الخاص الذي سيصعد ويستقر بها على القمة إن كان قطاعا رشيداً، ويخضع لحكم القانون الصارم بعيداً عن الاحتكار وكل أشكال الفساد والتنفيع، وتهيمن على أدائه معايير الجودة المتعارف عليها عالميا، فيتصدر تعليمنا وخدماتنا الصحية والإسكانية وتوافر فرص العمل وكل الجوانب الخدمية في جودتها دول العالم.

فبسهولة وسرعة يملك الشعب الكويتي تفتيت صخرة العذاب وتدمير ميثولوجيا الدولة الريعية الملعونة، عندها سنتحول إلى أسطورة حية واقعية محسوسة خالية من الخرافات والعذابات لأن الواقع سيفوق الخيال.

ناجي الملا