غداة ليلة من المواجهات العنيفة في مدينة القدس، خصوصاً بحي الشيخ جراح وباب العامود، بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية، أوقعت 220 جريحا على الأقل، تعالت الدعوات لتظاهرات ومسيرات جديدة في جميع الأراضي الفلسطينية، بينما حشدت إسرائيل قواتها في محيط المسجد الأقصى وفي النقاط الساخنة بـ "الضفة" المحتلة، تحسباً لما سيحدث "ليلة القدر".وتصاعد التوتر في القدس خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب إغلاق السلطات الإسرائيلية بعض أجزاء البلدة القديمة خلال شهر رمضان المبارك، وفي خضم معركة قضائية حول إخلاء عائلات فلسطينية منازلها في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية لمصلحة مستوطنين يهود. كما رفضت اسرائيل إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس الشرقية، الأمر الذي دفع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الى إرجائها.
اقتحام ومسيرات
وأمس الأول، اقتحمت قوات الأمن الإسرائيلية باحات المسجد الأقصى، وأطلقت قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع تجاه المصلين، مما أدى إلى إصابة عدد من المصلين. كما اقتحمت القوات الاسرائيلية مصلى داخل المسجد، كانت تغلقه بوجه المصلين الذين تمكّنوا من الدخول إليه عنوة. وبينما ارتفع منسوب التوتر عقب دعوات مستوطنين لاقتحام أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يوم الاثنين، فيما يسمى يوم "توحيد القدس"، دعت جميع القوى الفلسطينية أمس إلى مسيرات بعد صلاة التراويح، نصرة للقدس وتنديداً بالاعتداء على المصلين، موضحة أن "مسيرات النصرة" ستنطلق في نابلس ورام الله وجنين والخليل وقلقيلية وبيت لحم.بدورها، دعت "لجنة المتابعة العليا للعرب في إسرائيل"، وهي هيئة تمثيلية لعرب 1948، إلى التظاهر تضامناً مع فلسطينيي القدس.واعتبرت اللجنة، في بيان، "العدوان على آلاف المصلين في الأقصى ومحاصرة 3 آلاف مصلّ، مؤشراً خطيراً لما يخطط له الاحتلال في الأيام المقبلة، للقدس والمسجد الأقصى.صلاة الفجر وبالونات غزة
وعقب إقدام الشرطة الإسرائيلية على اقتحام المسجد الأقصى وباحته ومحاصرة المصلين والاعتداء عليهم، أدى الآلاف، أمس، صلاة الفجر في المسجد الأقصى، مع عودة الهدوء، بعدما انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى خارج باحات الحرم القدسي وأعادت فتح الأبواب، التي زحف المصلون من خلالها بهتافات التهليل والتكبير.ومن غزة، أطلق شبان فلسطينيون، فجر أمس، عشرات البالونات الحارقة تجاه المستوطنات الإسرائيلية، معلنين عن برنامج فعاليات يعاد خلاله استخدام جميع "الوسائل الخشنة" على الحدود الشرقية نصرة للمسجد الأقصى ومدينة القدس المحتلة.«المنازل لنا»
وبعد ساعات قليلة من تحديد المحكمة العليا يوم غد موعداً لجلسة استماع جديدة في قضية العائلات المهدّدة بالإخلاء من حي الشيخ جراح، وهي القضية التي كانت الشرارة للتحركات في القدس، توجه النائب الإسرائيلي اليميني عن حزب "القوة اليهودية" المتطرف، إيتمار بن غفير، إلى الحي الذي يقع في القدس الشرقية، حيث أقام المستوطنون خيمة أمام أحد المنازل المهددة بالإخلاء.وألقى فلسطينيون مقذوفات على الخيمة وتبادلوا الشتائم مع النائب بن غفير الذي تعمد تكرار عبارة "هذا المنزل لنا" بالعبرية، لاستفزاز مشاعر العرب.تحذير كويتي
وأعربت الكويت عن إدانتها واستنكارها الشديدين لاقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي باحة المسجد الأقصى واستهداف أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق بقنابل الصوت والغاز والرصاص المطاطي.واعتبرت وزارة الخارجية الكويتية، في بيان أمس الأول، أن هذا الاقتحام تحدّ سافر لمشاعر المسلمين في العالم والقانون الدولي ولأبسط قواعد حقوق الإنسان، محملة سلطات الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية هذا التصعيد الخطير وما سيترتب عليه من عواقب. وأوضحت الوزارة أن استفزازات وتصرفات الاحتلال الإسرائيلي تعرّض أبناء الشعب الفلسطيني للخطر، وتنذر بتصعيد للعنف، الأمر الذي يتطلب تحركاً دولياً سريعاً لوضع حد لهذه الاستفزازات وحفظ حقوق الشعب الفلسطيني وسلامته.إجماع عربي وإسلامي
وعلى غرار الكويت، دانت السعودية وقطر والبحرين ومصر والأردن ولبنان وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بأشد التعابير، اقتحام قوات إسرائيل للمسجد الأقصى والاعتداء الهمجي والوحشي على المصلين الأبرياء بالقنابل الصوتية والغاز والرصاص المطاطي، في انتهاك صارخ وسافر لحقوق الإنسان والقوانين والمواثيق الدولية.ووصفت تركيا تصرفات إسرائيل بأنها "إرهاب"، كما نددت "الحملة الدولية للدفاع عن القدس" بالهجمات الإسرائيلية، في بيان حمل شعار "نداء القدس لإسقاط نظام الفصل العنصري الصهيوني في فلسطيني المحتلة".ودان شيخ الأزهر، أحمد الطيب، اقتحام ساحات المسجد الأقصى، ووصفه بأنه "إرهابٌ صهيوني غاشم في ظل صمت عالمي مخز".قلق أوروبي
ودعا الاتحاد الأوروبي، أمس، إلى التحرك بشكل عاجل لتهدئة التوترات الحالية في الحرم الشريف واحترام الوضع الراهن في القدس، مؤكدا أن "العنف المتصاعد بشكل خطير منذ أيام والتحريض غير مقبولين، ويجب محاسبة المسؤولين عنهما".ووصف المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، في بيان، إجلاء العائلات الفلسطينية من "الشيخ جراح" ومناطق أخرى من القدس الشرقية بأنه "أعمال غير قانونية بموجب القانون الإنساني الدولي"، داعياً "جميع الأطراف إلى التحلي بضبط النفس والمسؤولية وبذل كل جهد للتهدئة".موقف أميركي
وللمرة الثانية خلال ساعات، أعربت الولايات المتّحدة عن قلقها البالغ من المواجهات الجارية في القدس، ودعت المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى "العمل بحزم لتهدئة التوتّرات ووقف العنف غير المبرر وإراقة الدماء".وشدّد المتحدّث باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، على "الأهمية البالغة" لتجنّب أيّ خطوات قد تؤدّي إلى تفاقم الوضع مثل "عمليات الإخلاء في القدس الشرقية".وقبل وقوع الصدامات، أصدرت "الخارجية" الأميركية بياناً أول أمس أعربت فيه عن "القلق العميق إزاء تصاعد التوتر في القدس وعمليات الإخلاء المحتملة لعائلات فلسطينية تعيش في منازلهم منذ أجيال"، وشدّدت على أنّه "مع دخولنا فترة حسّاسة سيكون من الضروري التشجيع على تهدئة التوتر، وتجنّب حصول مواجهة عنيفة بسبب إجراءات أحادية قد تفاقم التوتر أو تبعدنا أكثر عن السلام، وهذا يشمل عمليات الإخلاء والأنشطة المتعلّقة بالاستيطان".جرائم حرب
وذهب مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، روبرت كولفيل، إلى وصف إقدام إسرائيل على إخلاء سكان حي الشيخ جراح قسراً بأنه يرقى إلى "جرائم حرب"، مؤكداً أن "القدس الشرقية لا تزال جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويسري عليها القانون الدولي الإنساني".عباس وهنية
وقال الرئيس محمود عباس إنه وجّه سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة لطلب عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن، وحمّل تل أبيب "المسؤولية الكاملة" عمّا يجري.في المقابل، شدد نائب رئيس حركة حماس في الخارج، موسى أبومرزوق، على "قدرة الشعب الفلسطيني على ردعه ورسم معادلات جديدة في الصراع".ودعا "أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والداخل المحتل إلى إشعال خطوط التماس والمواجهة مع العدو، والزحف لدعم المرابطين في المسجد الأقصى".من ناحيته، أجرى رئيس المكتب السياسي لـ "حماس" اتصالات بعدد من المسؤولين في المنطقة لبحث التطورات، بينما علمت "الجريدة" أن مصر بدأت تحركات لتهدئة الأوضاع في القدس، ومنع امتداد التوتر الى قطاع غزة.