منطق المنافسة الأميركية الصينية
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
علاوة على ذلك، تمارس الولايات المتحدة قوة مالية كبيرة نتيجة لمؤسساتها العالمية وهيمنة الدولار الدولية، وفي حين تطمح الصين إلى الاضطلاع بدور مالي عالمي أكبر، فإن العملة الاحتياطية الجديرة بالثقة تعتمد على قابليتها للتحويل، وأسواق رأس المال العميقة، والحكم النزيه، وسيادة القانون، وكلها أمور تفتقر إليها الصين، كما تتمتع الولايات المتحدة بميزة ديموغرافية؛ فقوتها العاملة في ازدياد، في حين بدأت قوة العمل في الصين تتراجع. كانت أميركا أيضا في صدارة تكنولوجيات رئيسة، وتهيمن الجامعات البحثية الأميركية على التصنيف العالمي للتعليم العالي، وفي الوقت ذاته، تستثمر الصين بكثافة في البحث والتطوير، وتتنافس بشكل جيد الآن في بعض المجالات، وتسعى إلى أن تكون الدولة الرائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، ونظرا لأهمية التعلم الآلي بوصفه تكنولوجيا للأغراض العامة، فإن التقدم الذي تحققه الصين في مجال الذكاء الاصطناعي مهم بشكل خاص.علاوة على ذلك، لم يعد تقدم الصين تكنولوجيا يعتمد على التقليد فحسب، ورغم أن إدارة ترمب عاقبت بحق سرقة الصين للملكة الفكرية ونقلها قسرا، والممارسات التجارية غير العادلة، فإن الرد الأميركي الناجح على التحدي التكنولوجي الصيني سيعتمد على التحسينات في الداخل أكثر من اعتماده على العقوبات الخارجية.مع استمرار نمو الصين، والهند، وغيرهما من الاقتصادات الناشئة، ستظل حصة أميركا في الاقتصاد العالمي أقل من مستواها الذي بلغ نحو 25% في بداية هذا القرن، بالإضافة إلى هذا، ستزداد صعوبة تنظيم العمل الجماعي في دعم المنافع العامة العالمية مع صعود قوى أخرى، ومع ذلك، لن نجد أي دولة- بما في ذلك الصين- توشك على الحلول محل الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بموارد القوة الإجمالية في العقود القليلة المقبلة. كان النمو الاقتصادي الآسيوي السريع سببا في تشجيع تحول أفقي للقوة في المنطقة، لكن آسيا لديها ميزان قوة داخلي خاص بها، فقوة الصين توازنها اليابان، والهند، وأستراليا، بين دول أخرى، في حين تضطلع الولايات المتحدة بدور حاسم، وإذا حافظت أميركا على تحالفاتها، فستكون فرص الصين ضئيلة في دفعها إلى خارج منطقة غرب المحيط الهادئ، ناهيك عن فرض هيمنتها على العالَـم.لكن التنافس مع الصين ليس سوى نصف المشكلة التي تواجه بايدن، كما يزعم خبير التكنولوجيا الأميركي ريتشارد دانزيج، فإن "تكنولوجيات القرن الحادي والعشرين عالمية ليس فقط في توزيعها، بل أيضا في العواقب المترتبة عليها، وقد تصبح أمور مثل مسببات الأمراض، وأنظمة الذكاء الاصطناعي، وفيروسات الكمبيوتر، والإشعاع الذي قد يطلقه آخرون عن طريق الخطأ، مشكلتنا بقدر ما هي مشكلتهم، لهذا السبب، كما يزعم دانزيج، من الأهمية بمكان أن نلاحق أنظمة الإبلاغ المتفق عليها، والضوابط المشتركة، وخطط الطوارئ المشتركة، والمعايير، والمعاهدات، كوسيلة للتخفيف من المخاطر المشتركة العديدة التي تواجهنا جميعا". في بعض المناطق، من الممكن أن تقدم القيادة الأميركية الأحادية الجانب جزءا كبيرا من الإجابة على مشكلة توفير المنافع العامة. على سبيل المثال، تشكل البحرية الأميركية أهمية بالغة لمراقبة قانون البحار والدفاع عن حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، ولكن عندما يتعلق الأمر بقضايا جديدة عابرة للحدود الوطنية مثل تغير المناخ والفاشيات الـمَـرَضية، فإن النجاح يتطلب التعاون مع آخرين، ورغم أن القيادة الأميركية ستكون مهمة، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع حل هذه المشاكل بالعمل منفردة، لأن غازات الاحتباس الحراري الكوكبي والفيروسات لا تحترم حدودا ولا تستجيب للقوة العسكرية. في مجال الاتكالية البيئية المتبادلة، تصبح القوة لعبة ذات محصلة إيجابية، وعلى هذا فإن أميركا لا يمكنها أن تفكر ببساطة من منظور فرض قوتها على الآخرين، بل يتعين عليها أن تضع في الحسبان أيضا ممارسة قوتها بالتعاون مع آخرين، وفي العديد من القضايا العابرة للحدود، من الممكن أن يفيد تمكين الآخرين في تعزيز قدرة أميركا على تحقيق أهدافها الخاصة؛ فستستفيد الولايات المتحدة إذا نجحت الصين في تحسين كفاءة استخدام الطاقة وإطلاق مقادير أقل من ثاني أكسيد الكربون، وعلى هذا فإن أميركا يجب أن تتعاون مع الصين بينما تتنافس معها أيضا. يخشى بعض المراقبين أن تربط الصين التعاون في التصدي لتغير المناخ بتنازلات من جانب الولايات المتحدة في مجالات المنافسة التقليدية، لكن هذا يتجاهل إلى أي مدى قد تخسر الصين إذا ذابت الأنهار الجليدية في الهيمالايا أو إذا غمرت المياه شنغهاي. كان من اللافت للانتباه أن الرئيس الصيني شي جين بينغ شارك في مؤتمر المناخ العالمي الذي عقده بايدن مؤخرا على الرغم من التوترات الثنائية حول انتقادات الولايات المتحدة للصين في مجال حقوق الإنسان.السؤال الرئيس عند قياس نجاح سياسة بايدن في التعامل مع الصين هو ما إذا كان بإمكان القوتين التعاون في إنتاج المنافع العامة العالمية، في حين تتنافسان بقوة في مجالات أخرى، فالعلاقة بين الولايات المتحدة والصين علاقة "منافسة تعاونية"، حيث تتطلب شروط المنافسة إعطاء قدر متساو من الاهتمام لكل من طرفي النقيض، ولن يكون هذا سهلا.* أستاذ في جامعة هارفارد، وهو مؤلف كتاب «هل تشكل الأخلاق أي أهمية؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من فرانكلين ديلانو روزفلت إلى ترامب».