وراء الكارثة الوبائية في الهند فشل ذريع في حُكم البلد
بينما تُسجّل الكارثة الوبائية في الهند مستويات قياسية، قد يميل الكثيرون إلى التركيز على مسائل مثل المعاناة الإنسانية وإيجاد حلول عاجلة، لكن لا يمكن إغفال فشل الحكومة الذريع والانشغال بمشاعر الأسى والشفقة على الذات، إذ يثبت تاريخ هذا الوباء حجم الفشل في الهند، فقد كان فيروس كورونا كفيلاً بتسليط الضوء على مظاهر سوء الحُكم الفاضحة.خلال فترة 15 شهراً، قدّمت الحكومة الهندية أفضل درس ممكن حول سوء الحُكم، وما كان الوباء ليصبح ملفاً سهلاً في أي بلد، بل إنه يطرح أزمة كبرى في جميع الدول ومن الطبيعي أن تحصل "أخطاء" في هذا المجال، لكن كان يُفترض ألا تدّعي الهند أنها تتمتع بالحكمة اللازمة للتعامل مع الأزمة القائمة لهذا السبب تحديداً.بعد مرور 15 شهراً على بدء الأزمة، ما مدى استعداد الهند على مستوى البنية التحتية الصحية؟ لجأت معظم الدول إلى منشآت مؤقتة مع أنها لا تُستعمل لغايات طبية في الحالات العادية، وقد يتطلب ابتكار سياسة جماعية وقتاً طويلاً، لكن يُفترض ألا تفتقر المقاربة المعتمدة إلى التصميم اللازم لتحسين البنية التحتية الصحية بما يصبّ في مصلحة المواطنين، فلم تنتج هذه الأزمة أي خطط طويلة الأمد أو قرارات مرتبطة بالميزانية الجديدة، وكانت موجة الوباء الثانية مرعبة أكثر من سابقتها لأن الحكومة الهندية اكتفت بإنشاء ملاجئ مؤقتة سابقاً ثم صدر قرار بإغلاقها ولم تُستعمل مجدداً مع بدء الموجة الثانية.
غالباً ما يرتكز سوء الحُكم على مصادر إلهاء تكتيكية، ولم تكن المقاربة التي طبّقتها الهند للتعامل مع الوباء تهدف إلى التحكم بتدهور الوضع، ولم يكن عدد مؤيدي هذه المقاربة صغيراً ويتحمّل كل من دعمها مسؤولية الخسائر البشرية التي سجّلها البلد، فقد تدفقت موارد هائلة إلى "الصندوق الحكومي لمساعدة وإغاثة المواطنين في حالات الطوارئ"، لكن أُعيقت هذه المبادرة سريعاً ولا أحد يعرف حجم الأموال التي جمعها الصندوق أو الجهات التي قررت استعمال تلك المبالغ والطرق التي صُرِفت فيها. وفي ظل تباطؤ الاقتصاد، كَثُر الكلام عن أهمية "الاكتفاء الذاتي"، فقد يكون النقاش حول هذا الموضوع وأهمية الاتكال على الذات صحياً دوماً، لكنّ توقيته هذه المرة كان مثيراً للفضول ويسهل تجنّبه. على نطاق أوسع، تعكس مصادر الإلهاء هذه شكلاً من الانسحاب من جانب الحكومة المركزية، فبعد فترة الإقفال التام، لم يعد الوباء جزءاً من بياناتها العامة، ثم أصبحت جميع التدابير فجأةً من مسؤولية الولايات، وفي مرحلة معينة، تطلبت هذه المأساة البشرية الكبرى مستوىً مرتفعاً من الحنكة السياسية والشراكة والتعاون، لكن بدأت مظاهر سوء الحُكم تتّضح عبر تطبيق مقاربة أحادية الاتجاه لإنقاذ الوضع في المراحل الأولى من الأزمة، ثم تحولت هذه الاستراتيجية إلى لعبة قذرة ترتكز على تبادل اللوم، حيث يحمل جانب من هذه اللعبة طابعاً حزبياً، لكن يبقى الجانب الأكثر تأثيراً بنيوياً بطبيعته: كيف يمكن أن تتعاون الحكومة المركزية مع الولايات للتعامل مع الوضع؟ حين تطغى السياسات الضيقة على أي بلد، يتحول نظام الحُكم إلى محاولات متواصلة للتفوق على الآخرين، وعندما يبدأ حزب واحد بتطبيق هذا النهج، فلا مفر من أن تنجذب الأحزاب الأخرى إلى المقاربة نفسها أيضاً، مما يؤدي إلى ترسيخ هذه الظاهرة في كل مكان.أما الملجأ الأخير الذي يستعمله المسؤولون لتبرير سوء الحُكم، فيقضي بمعاقبة المواطنين والخصوم السياسيين، فقد بدأت هذه المرحلة الآن في الهند، فانتشرت تهديدات بمصادرة الأملاك بسبب انتقاد أخطاء الحكومة وإخفاقاتها أو لمجرّد سرد الوقائع أحياناً، وفي النهاية يبقى الحُكم الاستبدادي نتيجة سريعة لكن مستدامة لسوء الحُكم، وقد أثبت الوباء المستجد هذا الواقع بأصعب طريقة في الهند.