«جزَّار الهرم» يقتل زوجته ويحفظ أشلاءها في «الفريزر»
الخلافات الأسرية تنتهي بجريمة بشعة على طريقة «عطيل وديمدمونة»
وقعت الجريمة المروعة العام الماضي، وأثارت أصداء مفزعة في الشارع المصري، عقب العثور على أشلاء سيدة محفوظة في ثلاجة منزلها، واتجهت أصابع الاتهام إلى زوجها الذي يعمل قصَّاباً، وبعد ستة أيام من اختفائه، قبضت عليه الشرطة، وأدلى باعترافات مثيرة عن دوافعه للتخلص من زوجته على طريقة انتقام عطيل من ديدمونة في مسرحية شكسبير الشهيرة.
حاول الزوج المتهم تبرير جريمته البشعة، وادعى أنه شك في سلوك زوجته، واتهمها بالخيانة، حتى يفلت من العقاب، ويحوِّل مسار التهمة إلى انتقام للشرف، من دون أن يقدم دليلاً واحداً على مزاعمه، وسقطت أقنعته الزائفة أمام جهات التحقيق، واعترف بدوافعه الحقيقية لقتل وتقطيع زوجته ووضع أشلائها داخل "ديب فريرز" من دون وازع من رحمة أو تفكير في مصير طفليهما.وكانت أجهزة الأمن، كشفت لغز تلك الجريمة البشعة، والعثور على جثة ربة منزل مقتولة داخل "ديب فريزر" منزلها بمنطقة الهرم بمحافظة الجيزة، وأن الزوج وراء ارتكاب الجريمة، وتمكنت من القبض عليه، وبقي مصير طفلي المجني عليها والمتهم غامضاً، وتبين أنهما اعتادا الإقامة عند جدهما لوالدتهما، قبل ارتكاب الجريمة، وكانا يقيمان عنده معظم أيام الأسبوع، عدا أيام الخميس والجمعة والسبت، ويعودان للإقامة مع والدتهما في منزلها بضاحية الهرم.
مأساة زوجة
بدأت تفاصيل تلك المأساة عام 2008 في إحدى قرى محافظة الفيوم (جنوبي القاهرة)، حين تقدَّم محمود للزواج من أمنية، على الرغم من الفارق العمري بينهما، وبعد مراسم ليلة الزفاف، استقر الزوجان في منزل بمسقط رأس القصّاب، وخلال الأعوام اللاحقة عانت الزوجة وطفلاها مشقة السفر إلى الجيزة لزيارة أسرتها، وطالبت زوجها بتوفير مسكن قريب من عائلتها، وتعلل ـ آنذاك ـ بأن ظروفه المادية لا تسمح بتلبية طلبها. واضطرت شريكة حياته لبيع مصوغاتها الذهبية "الشبكة"، ليتسنى لهما شراء مسكن في منطقة الهرم، ولم تقف تضحيات الزوجة عند هذا الحد، بل التحقت بطاقم التدريس بدار حضانة للأطفال، لتسهم في نفقات المنزل، وتوفر لطفليها حياة مستقرة، وفوجئت أنه لا يكترث بما تقوم به من رعاية لأسرتها، وتوالت ردود فعله بشكل غير متوقع.اعتاد محمود الاعتداء بالضرب على زوجته، وتفاقمت الخلافات الزوجية بينهما، وتحوّلت حياة أمنية إلى جحيم، حتى وصل الأمر لتركها عش الزوجية الجديد، والإقامة لدى أسرتها بل ورفع دعوى تمكين من المسكن، فضلاً عن تركيب إحدى وسائل منع الحمل.حاول الزوج إثناء شريكته عن موقفها، لاسيما بعد تهديدها بالانتحار، ووعدها بالكف عن إلحاق الأذى البدني بها، واستطاع أن يقنعها بالعودة للعيش معاً مرة أخرى، وطلب منها أن تترك طفليها لدى والديها بدعوى التوجه إلى المصيف لقضاء "شهر عسل جديد"، وأخبرها بتواصله مع سمسار لتسهيل بيع الشقة الأولى، واقتسام ثمنها، لسداد الالتزامات المالية المستحقة عليهما.وعلى نحو مفاجئ، تدهورت الحالة الصحية للزوجة، واضطرت إلى مراجعة الطبيب، وأوصى الأخير بضرورة خضوعها للراحة التامة، وعدم بذل أي مجهود خلال فترة العلاج، وحصولها على حُقَن لإيقاف النزيف المتكرر، وكانت تحصل عليها بمرافقة الزوج.وتحوّل شهر العسل إلى مأساة، وفقدت أسرة أمنية الاتصال بها طوال ثلاثة أيام، وظل هاتفها مغلقاً، والأمر نفسه بالنسبة إلى هاتف زوجها، وظن الأهل أنهما فضلا الاستمتاع بإجازة المصيف، بعيداً عن إزعاج الهواتف، ولكن القلق دفع أحد أفراد أسرتها لنشر إعلان على إحدى صفحات مواقع التواصل أنها متغيبة ولا تستطيع أسرتها الوصول إليها، وحينها توجه والدها لإحضار بعض متعلقات حفيديه من شقتهما، ليكتشف الطامة الكبرى.مضت دقائق على دخول الأب إلى الشقة، وأصيب الرجل المُسِّن بصدمة أفقدته النطق، وعدم القدرة على الصراخ، حين عثر على أشلاء ابنته داخل أربعة أكياس في براد "ديب فريرز" وخارت قواه تماماً، وسقط على الأرض من هول المشهد المفزع، وزحف حتى الباب، وأطلق صرخة مدوية، وأغشى عليه، وتجمع الجيران لاستطلاع الأمر، وعلى الفور أبلغوا الشرطة، وحاولوا إسعاف الرجل المسن.وفي تلك اللحظات العصيبة، انتشرت قوات الشرطة، لكشف ملابسات الواقعة، وأدلى الأب بأقواله بصعوبة بالغة، وأسفرت التحريات عن وجود خلافات بين الزوجين، وأنهما تصالحا قبل أيام من وقوع تلك الجريمة البشعة، وذهبا للاستجمام في إحدى المدن الساحلية، وشاهدهما بعض الجيران يدخلان إلى البناية، وكانت آثار التعب بادية على الزوجة، وبعدها اختفيا تماماً عن الأنظار.أقوال الشهود
تكثفت جهود الشرطة للقبض على الزوج الهارب، وكشفت أقوال أحد الشهود (صاحب متجر) أنه تعرَّف إلى محمود منذ أكثر من ثلاث سنوات، حينما رغب في نقل بطاقة التموين الخاصة به، من مسقط رأسه في محافظة الفيوم إلى محل سكنه في ضاحية الهرم، وطوال تلك الفترة لم يلاحظ أي تصرف سيء منه، وأن زوجته أمنية سيدة على خُلق، ويعرف أفراد أسرتها لأنهم يسكنون بالقرب منه، والجميع في المنطقة يشهد بحسن أخلاقها وتربيتها.كاننت الضحية حديثة العهد بالمنطقة، ولا تربطها بجاراتها سوى لقاءات عابرة، ولكنها التقت بإحداهن، وتحدثت معها عدة مرات، وتبيَّن للجارة أنها سيدة مهذبة، وقبل الحادث بفترة، غادرت أمنية منزل الزوجية، وبعد فترة عادت مرة أخرى وبصحبتها محضر من المحكمة، بعدما رفعت دعوى "نفقة وتمكين مسكن"، باعتبارها حاضنة لطفليها، وعندما علم زوجها بشأن القضية صالحها وعادت إلى شقتها مرة أخرى. وفي يوم اكتشاف الجريمة، شاهدت هذه الجارة والد الضحية أمام البناية، وسلمت عليه وسألته عن أمنية، فأخبرها بأنه يجهل مكانها، وسألته عن طفليها فرد بأنهما دائماً ما يكونان معه، ووالدهما لا يراهما سوى يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع، ولا يعرف عنهما شيئاً. قبل وقوع الجريمة، احتدمت الخلافات بين أمنية وزوجها بسبب خروجها إلى العمل، ووصل الأمر إلى مغادرتها منزل الزوجية، لكنهما تصالحا وعادا معاً إلى شقتيهما قبل الحادث بيومين، وظهرت الزوجة في اليوم التالي صباحاً، وهي تشتري حاجيات منزلها من أحد المحال بالمنطقة، وكانت تلك هي المرة الأخيرة التي ظهرت فيها الضحية.وفي اليوم التالي، فوجئ الجيران بأفراد أسرتها يبحثون عنها وعن زوجها، وقد استبد بهم القلق على ابنتهم، وأخبروهم بأن هاتفها مغلق ولا يستطيعون الوصول إليها، وطرقوا باب شقتها لكنهم لم يتلقوا أي رد، واعتقدوا أن الزوجين يقضيان إجازتهما، ولم يرجعا بعد من السفر.وعادت الأسرة في اليوم التالي، وطلبوا من أصحاب المحال التجارية في المنطقة مراجعة كاميرات المراقبة، فاستجابوا لهم رغبة في مساعدتهم لإيجاد ابنتهم المفقودة وكانت المفاجأة أن الكاميرات لم تسجل خروجها من الشقة، ولكنها سجلت خروج زوجها في الساعة التاسعة مساء "قبل يوم من وقوع الجريمة"، وعودته مرة أخرى إلى الشقة بعدها بـ15 دقيقة فقط، ولم تسجل خروجه من الشقة مجدداً.وفي اليوم التالي قرابة الساعة الثالثة عصراً، فوجئ الجيران بوجود أفراد أسرة أمنية وعدد كبير من رجال الشرطة والبحث الجنائي، وأنهم عثروا على جثة الزوجة الشابة مقطعة إلى أشلاء وموضوعة في أكياس سوداء داخل "الفريزر" بالشقة، وأن زوجها قد اختفى، ووالد الضحية اتصل بأشقاء الزوج ليسألهم عنه، لكنهم نفوا علمهم بمكانه.استمعت النيابة العامة بجنوب الجيزة إلى أقوال عددٍ من شهود العيان حول واقعة قتل جزَّار (قصّاب) لزوجته في منطقة الهرم، ومن بينهم أسرة المجني عليها، والذين أكدوا وجود خلافات كبيرة بين ابنتهم وزوجها الجزار المتهم، وأن تلك الخلافات لم تكن تنتهي بينهما، حتى وصلت إلى محكمة الأسرة.وتابعت أسرة المجني عليها، أن زوج ابنتهم طردها قبل عدة أشهر من المنزل هي وأبنائها ولم يسمح لها بالعودة إلى المنزل، ما دفعها إلى رفع قضية تمكين من مسكن الزوجية، ونفقة لأبنائها، بسبب امتناعه عن سداد نفقاتهم، بعدها تدخل بعض الأشخاص للحل بين الطرفين والإصلاح بينهما، وسمح الزوج لزوجته بالعودة للمنزل، ولم يدرك أحد أنه كان يخطط لقتل الضحية.اعترافات الجاني
واصلت النيابة تحقيقاتها في القضية، بعدما أشارت التحقيقات الأولية إلى ارتكاب الزوج جريمة قتل زوجته وتقطيع جثتها إلى قطع وحفظها في "الفريزر"، قبل أن تكتشف أسرتها الواقعة. وأمرت النيابة بضبط وإحضار الزوج الهارب للتحقيق معه بشأن الواقعة. وعلى مدار أيام عدة، تتبع رجال المباحث خط سير هروب الجاني، وجاء آخر ظهور له بمحيط محطة مترو أنفاق الدقي، وسط محافظة الجيزة، ليغيب بعدها عن الأنظار، إلا أن رحلة مطاردته من قِبل الشرطة لم تتوقف، وتوصّلت جهود البحث والتحري إلى مكان اختباء المتهم في إحدى المناطق بالمحافظة، ورصدته كاميرات المراقبة في أثناء سيره وتبدو عليه علامات الاضطراب، وأمكن ضبطه ليلاً في طريقه إلى مخبئه بإحدى الشقق السكنية المملوكة لأحد أصدقائه، بعد ستة أيام من هروبه.أدلى القصّاب المتهم بقتل زوجته وتقطيع جثتها إلى أشلاء باعترافات تفصيلية عن جريمته أمام النيابة، مبرراً فعلته بأنه تخلص منها بسبب تكرار مشاكلها وقيامها بمقاضاته أمام المحاكم للاستيلاء على شقة الزوجية.وادعى المتهم أنه فوجئ بسرقتها لمدخراته من شقة الزوجية وإخفائها عند أسرتها، ثم خططت للاستيلاء على شقة الزوجية، ووقعت بينهما العديد من المشكلات وتدخل الأهل ونجحوا في الصلح بينهما، ولكن الزوجة استمرت في إثارة المشكلات فخطط لقتلها، وأن الشيطان سيطّر عليه ودفعه لتنفيذ جريمته ولم يفكر في مصير طفليهما.وتابعت النيابة تحقيقاتها، للوقوف على ظروف وملابسات الواقعة، وطلبت تحريات الأجهزة الأمنية التكميلية، واستدعت عدداً من شهود العيان لسماع أقوالهم، كما أرفقت نتائج تفريغ كاميرات المراقبة بملف التحقيقات في القضية، وأمرت بحبس المتهم لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيقات.وأجرى خبراء الأدلة الجنائية، معاينة للشقة التي شهدت مقتل ربة المنزل، وتقطيع جثتها إلى أشلاء، والاحتفاظ بها داخل براد منزلها، وتم التحفظ على عينات من الدماء، بالإضافة إلى رفع البصمات، لمضاهاتها ببصمات الزوج الذي كشفت التحريات الأوليّة اتهامه، كما فحص رجال المباحث كاميرات المراقبة الخاصة بالعقارات والمحال التجارية المجاورة للعقار الذي شهد الحادث.وقامت النيابة باصطحاب المتهم محمود (43 عاماً)، ويعمل في محل جزارة بشارع التحرير في منطقة الدقي، إلى مسرح الجريمة، وقام بتمثيل الجريمة، واعترف أن هناك خلافات بينه وبين زوجته منذ عدة أشهر، وأنها طلبت منه الطلاق أكثر من مرة، فقام بخنقها وعقب ذلك أمسك ساطوراً وقطَّع جسدها إلى أربعة أجزاء وأحضر أكياساً بلاستيكية، ووضع الجثة في "ديب فريزر" داخل الشقة وفر هارباً. وعقب الانتهاء من تمثيل المتهم لجريمته التي نفذها داخل غرفة النوم، ووضع الجثة في "ديب فريزر" بإحدى الغرف وقام بإغلاقها، ولاذ بالفرار، قال إنه اتصل بأحد أصدقائه، وتوجه إليه وأقام هناك حتى فوجئ بقوات الشرطة تلقي القبض عليه بعد هروبه لمدة ستة أيام من ارتكاب الجريمة.وسجلت النيابة آنذاك ما جاء على لسان المتهم من اعترافات أثناء تمثيل الجريمة، وقررت إحالة "جزار الهرم" إلى محكمة الجنايات، ونسبت إليه تهمة القتل العمد، وحيازة سلاح من دون ترخيص، وأرسلت الجهات المختصة ملف القضية إلى محكمة الاستئناف لتحديد جلسات عاجلة للمتهم، لنيل القصاص العادل جزاء ارتكابه لتلك الجريمة البشعة.هشام محمد
كاميرات المراقبة تكشف هروب المجرم من مسرح الجريمة
الشرطة تقبض عليه بعد ستة أيام من اختفائه
الجاني برر جريمته بتكرار مشاكل زوجته ومقاضاتها له في المحاكم
مصير مجهول يلاحق حياة طفلين في عمر الزهور
الشرطة تقبض عليه بعد ستة أيام من اختفائه
الجاني برر جريمته بتكرار مشاكل زوجته ومقاضاتها له في المحاكم
مصير مجهول يلاحق حياة طفلين في عمر الزهور