كيف حدث الخطأ على حساب فلسطين؟
احتفلت جريدة "الغارديان" البريطانية بمرور 200 سنة على صدورها، إلا أن احتفالها كان نادراً في أسلوبه، فقد غاصت في ماضيها الصحافي باحثة عن الأخطاء التي ارتكبتها. بعنوان "كيف حدث الخطأ"، انطلق الباحثون ليكشفوا ويعترفوا بالأخطاء دون تبريرها، وإنما محاولة تفسيرها، انطلاقاً من أن أكبر الأخطاء فداحة لا تكون عادة في التغطية الإخبارية، بقدر ما كانت في افتتاحيات ومواقف الصحيفة، والتي قد تعزى للتحولات الفكرية التي مرت بها والمتغيرات العالمية داخل وخارج بريطانيا. أمثلة الأخطاء الفادحة التي أدرجتها "الغارديان" كثيرة، مثل موقفها المعادي لإبراهام لنكولن، وتأييدها للقوات الكونفدرالية الأميركية، وتأييدها لقمع الانتفاضة الشعبية بالهند في 1875، وتأييدها لقمع الحراك في أيرلندا، ووقوفها ضد النساء المطالبات بالتصويت، وغير ذلك.أما ما يهمنا بشكل مباشر، مما قد يكون له تأثير على مجريــــات الأحداث، اعترافها بالخطأ بتأييدها لـ "إعلان بلفور". وكيف أنها "عندما أعلن أرثر بلفور، وزير الخارجية البريطاني قبل 104 سنوات، دعمه لإيجاد وطن قومي لليهود في فلسطين، الذي غيرت كلماته العالم، فإن الغارديان دعمت، بل احتفت، وساعدت في تسهيل تنفيذ الإعلان على الأرض، فقد كان رئيس تحريرها حينذاك سي بي سكوت، مؤيداً للصهيونية، وقد أدى ذلك إلى أن يعمي بصره عن حقوق الفلسطينيين"، ففي 1917 كتب سكوت افتتاحية، أنكر فيها أي حقوق أخرى للأراضي المقدسة، قائلاً: "إن السكان العرب في فلسطين عددهم قليل، وبمستوى أدنى من التحضر"، ويقول معدو التقرير: "أياً كان الحديث في هذا الموضوع، فإن إسرائيل اليوم هي ليست الدولة التي كانت تريدها وتتوقعها الغارديان".منذ 4 سنوات تقريباً، كنت أجمع المادة العلمية لمحاضرة مشتركة عن الذكرى المئوية لإعلان بلفور، ولفت انتباهي دور "الغارديان"، ورئيس تحريرها. كان وجوده بارزاً في المحافل الداعمة للصهيونية.
قد يبدو هذا الكلام متأخراً، بل متأخراً جداً، ولكنه يأتي في خضم أحداث الحراك الشعبي في القدس والشيخ جراح، التي تعيد القضية إلى أصلها، اغتصاب الأرض، والاستمرار في النهج العنصري، بوضوح فاضح. يأتي هذا الاعتراف وفي هذا التوقيت، الذي قد نراه بسيطاً، ولكن أنصار المشروع العنصري الصهيوني، لا يرونه كذلك، فهو يأتي في إطار تحولات تتهم إسرائيل بـ"ابارثايد"، من منظمات أميركية، ربما لأول مرة، وهو الذي كان من مزاعم إنشاء ذلك الكيان الصهيوني. هذه المرة ستكون مختلفة، وقد تتضح علاماتها الفارقة قريباً، ولنا حولها عودة.