مع تعثر الجهود الدبلوماسية المكثفة لإنهاء القتال، الذي بدأ أسبوعه الثاني اليوم، قصف سلاح الجو الإسرائيلي عشرات المواقع المدنية والمباني السكنية في قطاع غزة، ما أسفر عن سقوط أكبر حصيلة شهداء في يوم واحد، بينما واصلت الفصائل الفلسطينية إطلاق الصواريخ مستهدفة خصوصا تل أبيب ومحيطها، في ظل توسع دائرة المواجهات في مدن الخط الأخضر بين فلسطينيي الداخل المعروفين بـ"عرب 48" والمستوطنين اليهود.وفي اليوم السابع من حملته الدموية، التي أسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 181 فلسطينيا، بينهم 52 طفلا و31 امرأة وإصابة 1200، وفرار نحو عشرة آلاف من القطاع، استهدف الجيش الإسرائيلي مكاتب الرئيس السياسي لحركة حماس بالخارج إسماعيل هنية، والداخل يحيى السنوار، وشقيقه رئيس الخدمات اللوجستية والقوى العاملة في الحركة محمد السنوار، ورئيس دائرة التخطيط والتطوير سامح شراج، ومنزل قائد كتيبة الزيتون يوسف عبدالوهاب.
وقبل اجتماع مجلس الأمن الطارئ لبحث تصاعد العنف، الذي تسبب أيضا في مقتل 10 إسرائيليين وجرح 282، إضافة إلى حالات الهلع، أوضحت إسرائيل أن "موجة الضربات المستمرة استهدفت أكثر من 90 هدفا في أنحاء غزة" خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.وفي وقت أثار تدمير مبنى من 13 طابقا، يضم فريقي قناة الجزيرة القطرية ووكالة الأنباء الأميركية أسوشيتد برس، موجة غضب دولية، أعلنت إسرائيل أن الفصائل الفلسطينية أطلقت حتى السابعة من صباح أمس ٣ آلاف صاروخ نحو إسرائيل، سقط 450 منها داخل القطاع، في حين اعترض نظام القبة الحديدية الإسرائيلي نحو 1150.وأكد الجيش الإسرائيلي استهداف البنية التحتية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، ومن بينها نظام أنفاق واسع في 30 موقعا بحوالي 100 غارة، واستهداف مصانع للأسلحة ومخازن ذخيرة.ونشر الجيش الإسرائيلي معلومات وصورا لمسؤولين كبار في "حماس"، زعم تصفيتهم في إطار عملية "حراس الأسوار"، وبرر تدمير مبنى المؤسسات الإعلامية بأنه كان "يحوي مصالح عسكرية تابعة للاستخبارات العسكرية للحركة، ومكاتب إعلامية مدنية تتستر من ورائها وتستخدمها دروعا بشرية".وفي أعلى حصيلة يومية لتبادل القصف، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية استشهاد 33 فلسطينيا في الضربات الإسرائيلية على غزة أمس، بينهم ثمانية أطفال و12 سيدة.وأفاد الدفاع المدني في غزة بأن إسرائيل استهدفت مقري وزارتي العمل والتنمية الاجتماعية وكل الشوارع المؤدية لمستشفى الشفاء وموقع كتيبة 14 في دير البلح ومقرا لهيئة المعابر الفلسطينية على الحدود مع مصر، و5 منازل في شارع الوحدة دون سابق إنذار، وهناك العديد من الأسر تحت أنقاض المنازل، كما قصفت منزلا لعائلة البطش في جباليا، والبنك الوطني بحي الرمال، كما أطلقت الزوارق الحربية القذائف صوب شاطئ بحر السودانية.وأكدت الأمم المتحدة فرار نحو عشرة آلاف من سكان غزة من منازلهم بالقرب مع الحدود الإسرائيلية خوفا من أي عملية برية، موضحة أنهم "يحتمون في المدارس والمساجد وأماكن أخرى، في ظل جائحة كورونا، مع وصول محدود للماء والغذاء وخدمات النظافة والصحة".
انتفاضة الداخل
وبينما لم يتوقف دوي صفارات الإنذار جنوب إسرائيل، عقدت الحكومة المصغرة "الكابينت" اجتماعا جديدا لمناقشة الخطوات القادمة، وأفادت بعض وسائل الإعلام العبرية بأن بعض الوزراء حثوا خلاله على وقف العملية على وجه السرعة.وتوسعت دائرة النزاع، الذي يعتبر الأكثر دموية منذ 2014، لتشمل أعمال عنف قومية وهجمات بين اليهود والعرب في الضفة الغربية من نابلس إلى الخليل، وفي جميع أنحاء الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ 1967.وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أمس استشهاد اثنين في الضفة الغربية متأثرين بجروح حرجة، بعد إصابتهما بالرصاص الحي، لترتفع حصيلة المواجهات مع جيش الاحتلال في الضفة الغربية منذ يوم الجمعة إلى 15 شهيدا، إضافة إلى مئات من المصابين بينهم حالات خطيرة.ورغم تمديد إسرائيل إغلاق المسجد الأقصى أمام المستوطنين الذين يدعون لاقتحامه، هدد وزير الدفاع بيني غانتس "بإلغاء إجراءات مساعدة الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني بعد أزمة كورونا"، في حال حدوث اضطرابات في أراضي 48.وفي مؤتمر صحافي ليل السبت - الأحد، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن إسرائيل لن تسمح بأن يكون "مجتمعنا اليهودي" مهددا بالهجمات، مضيفا: "تنتظرنا أيام ليست بالسهلة، وعلينا أن نبقى يقظين وموحدين. وسنعمل كل ما هو مطلوب لإعادة الهدوء إلى شوارع إسرائيل".وعشية إحياء الفلسطينيين ذكرى النكبة أمس الأول، حذر الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين من حرب أهلية في إسرائيل، بعد مواجهات اندلعت في مدن الخط الأخضر بين عرب 48 والمستوطنين، لاسيما في اللد ويافا القريبة من تل أبيب وعكا.وعلى وقع التوتر في مدن الخط الأخضر، قتلت القوات الإسرائيلية فلسطينياً قالت إنه نفذ عملية دهس أسفرت عن إصابة ثلاثة جنود بجروح بالغة في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة.وفي الضفة الغربية من رام الله إلى الخليل، وفي جميع أنحاء الأراضي المحتلة، رشق فلسطينيون بالحجارة والزجاجات الحارقة وغيرها من المقذوفات، القوات الإسرائيلية التي ردت بإطلاق الرصاص المطاطي وفي بعض الحالات بالرصاص الحي.وصرح السفير الإسرائيلي في برلين جيريمي يسخاروف بأن هناك كثيرا من المسلمين المتحدرين من أصول عربية يعيشون في إسرائيل، ويؤدون دورا له أهمية متزايدة دائما في السياسة، محذرا من أن "حماس تسعى لتدمير هذا التعايش الفعال بهجماتها الصاروخية".تدخل دولي
دوليا، تتكثف المفاوضات الدبلوماسية في الكواليس سعيا لوضع حد للعنف، وعقد مجلس الأمن اجتماعا طارئا عبر الفيديو أمس، كما يجتمع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي غدا لإجراء محادثات مماثلة.والتقى مسؤول الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية في وزارة الخارجية الأميركية هادي عمرو مع القادة الإسرائيليين في القدس أمس قبل التوجه إلى الضفة الغربية المحتلة لإجراء محادثات مع المسؤولين الفلسطينيين.وفي ظل الحراك الدولي لوقف الهجمة الإسرائيلية الشرسة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحث وزراء خارجية التعاون الإسلامي أمس تداعيات الأحداث الدامية واعتداءات الاحتلال على القدس الشريف ومحيط المسجد الأقصى المبارك وموجة الضربات الهيستيرية المستمرة على قطاع غزة.موقف إسلامي
وفي كلمته أمام الاجتماع الطارئ للمنظمة، برئاسة نظيره السعودي فيصل بن فرحان، دان وزير الخارجية الكويتي أحمد الناصر جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين، مشيرا إلى أن "ما تشهده فلسطين اليوم أحد أعنف اعتداءات الاحتلال الصهيوني"، محذرا من أن "تصعيد الاحتلال يهدد أمن وسلام المنطقة، وجرائمه في القدس هي انتهاك لكل الأعراف الدولية".وأوضح الناصر أن "الانتهاكات الإسرائيلية في القدس تستهدف تغيير الحقائق وفرض الأمر الواقع"، معربا عن استنكار الكويت بـ"أشد العبارات محاولات الاحتلال الإسرائيلي طمس معالم القدس الشريف، واستمرار بناء المستوطنات، وتهجير الشعب الفلسطيني في خرق للقوانين والمواثيق الدولية"، وقال: "نجدد تمسكنا بالموقفين العربي والإسلامي بأن السلام هو الخيار العادل والشامل".وجدد وزير الخارجية السعودي رفض المملكة التام واستنكارها لإجراءات الاحتلال الاستفزازية، ومنها إخلاء المنازل في القدس الشرقية بالقوة وفرض السيادة عليها، وجميع الأعمال العسكرية ضد المدنيين، وتقويض فرص استئناف عملية السلام، ونسف الجهود الدولية الرامية لتحقيق الأمن والأمان والاستقرار في المنطقة.ودعا بن فرحان المجتمع الدولي وكل الجهات والمنظمات الحقوقية الى تحمل مسؤولياتها تجاه التصعيد الخطير المخالف للأعراف والقوانين، مشددا على أن "الحفاظ على القدس يعتبر مسؤوليتنا جميعا، وعلى المجتمع الدولي التحرك العاجل لوقف العمليات العسكرية فورا، وإدخال المساعدات وعلاج الجرحى، وإحياء المفاوضات المبنية على التمسك بالسلام على أساس حل الدولتين، وفقا للمرجعيات الدولية ومبادرة السلام العربية".ودعا وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي منظمة التعاون الإسلامي إلى تشكيل جبهة دولية للتصدي بقوة للجرائم والتصعيد الإسرائيلي، بما في ذلك التحرك في مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، والمحاكم الدولية لتحميل الاحتلال المسؤولية، ولمساءلته ومحاسبته، وفرض عقوبات اقتصادية وسياسية، ومواجهة أي طرف يساند أو يدعم هذه الخطوات العدائية.وأكد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن "فلسطين ستبقى القضية المركزية الأولى، والقدس ومقدساتها خط أحمر، ولا سلام شاملا ولا أمن ولا استقرار دون إعلانها عاصمة للدولة المستقلة ذات السيادة على خطوط 1967"، متابعا: "ستبقى حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية والحفاظ على هويتها العربية المهمة الأسمى التي يكرس الوصي عليها الملك عبدالله الثاني كل إمكانات الأردن لها".بايدن وإدارته
وفي واشنطن، أعرب الرئيس جو بايدن، خلال محادثة هاتفية مع نتنياهو، أمس الأول، عن "قلقه البالغ" إزاء تصاعد أعمال العنف في إسرائيل وقطاع غزة، وشدد خلال أول محادثة منذ تسلمه منصبه مع الرئيس محمود عباس على ضرورة أن توقف "حماس" إطلاق الصواريخ على الدولة العبرية.وأكد بايدن لنتنياهو دعمه القوي لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ودان الهجمات العشوائية على مدنها من الحركة الإسلامية وغيرها من الفصائل في غزة، كما أكد التزامه القوي بحل الدولتين عبر التفاوض باعتباره أفضل طريق للتوصل إلى تسوية عادلة ودائمة للنزاع.وجدد بايدن لعباس "الالتزام الأميركي بتعزيز الشراكة" مع الفلسطينيين والتي تدهورت بشدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، معربا عن "دعمه لتدابير تتيح للشعب الفلسطيني التمتع بالكرامة والأمن والحرية والفرص الاقتصادية التي يستحق"، مذكرا باستئناف المساعدة الأميركية في أبريل، بعدما توقفت في عهد سلفه الجمهوري.