بعد تطبيق دام لأكثر من خمس سنوات لقانون إنشاء محكمة الأسرة بات على المشرع إعادة النظر في حكم المادة 13 من القانون، التي تجعل من أحكام هذه المحاكم نهائية بصدور أحكام محكمة الاستئناف، وعدم جواز الطعن عليها أمام محكمة التمييز، وذلك لما كشف عنه الواقع العملي من صدور العديد من الأحكام الواجب عرضها أمام محكمة التمييز لتقويمها من الناحية القانونية، وذلك لعدم سلامتها ومخالفتها القانون والثابت في الأوراق، علاوة على الفساد في الاستدلال.ورغم أن الهدف الذي كان يرجوه المشرع من قصر المنازعات على درجتي تقاض، وعدم الرغبة في إيصالها إلى محكمة التمييز، لاسيما المتصلة بالنفقات والرؤية والطلاق فإن الواقع يكشف خطأ العديد من أحكام «الاستئناف»، ومثل تلك الأخطاء الواقعية المتصلة بالاستدلال بنتائج الحكم تتطلب عرضا أمام محاكم تراقبها كمحاكم التمييز، وصولا إلى سلامة تلك الأحكام وتقريرا لحق التقاضي الكامل باستنفاد كل الطرق على الأحكام.
وما كشف عنه الواقع العملي من بعض الأحكام الصادرة من بعض الدوائر القضائية الاستئنافية في محاكم الأسرة يثير عدة مسائل، أهمها أولا سلطة محكمة الاستئناف في عرض الأنزعة المعروضة أمامها مجددا، فضلا عن رقابتها للأحكام الصادرة من قضاء الدرجة الأولى، وأخيرا سلامة تسبيب الأحكام القضائية الصادرة منها.ومع التقدير الكامل للنهج الذي تسلكه بعض دوائر الاستئناف في محكمة الأسرة فإن قضاءها يعتمد على نقل حالة الدعوى أمامها مجددا، والقضاء بما تراه وفق قناعتها والمستندات المعروضة دون أن تقرر رقابة على قضاء الدرجة الأولى، ودون أن تربط ذلك القضاء الصادر فيها بأي تسبيب يكشف عن كيفية انتهاء ذلك القضاء إلى تلك النتائج بما يجعل منه قضاء واقع في حين أنه قضاء واقع وقانون، وما تقرير القانون على نهائية أحكام محكمة الاستئناف بصفتها محكمة عليا إلا لأنها تراقب أيضا الأحكام الصادرة من محكمة الدرجة الأولى، وإذا اعتمد ذلك القضاء في أحكامه على تغيير الواقع دون إحداث تلك الرقابة ودون ربطه للتسبيب القانوني لكيفية توصله إلى النتائج التي انتهى إليها قضاؤه بات ضروريا وجود محكمة أعلى تعنى بالرقابة على ذلك القضاء وهي محكمة التمييز، وتعمل على تصويب ذلك القضاء والتأكد من سلامة الاستدلال الذي انتهى اليه وصولا الى صحة نتائجه فصدور أحكام بمضاعفة نفقة العدة والمتعة لستة أضعاف قياسا على نفقة زوجية قضى بزوالها لاحقا ليس استدلالا للقضاء وإنما الراتب والأجر الشهري الذي يتقاضاه الزوج هو المقياس الحقيقي والمتفق عليه فقها وقضاء.وتقرير الحكم على أن حكم النفقة الزوجية هو المقياس هو استدلال خاطئ، ويخالف الثابت بالأوراق، وهي مسألة لو عرضت على قضاء محكمة التمييز لما تردد في إلغائها وإعادة الأمور إلى نصابها القانوني والواقعي السليم، حتى لا يكون القضاء فوق مخالفته للقانون عبئا ثقيلا على نفوس الأفراد، ولذلك كانت طرق الطعن على الأحكام هي الوسيلة الأسلم للتأكد من سلامة الأحكام أو التوسع في تشكيل الهيئات القضائية في محكمة الاستئناف، لجعلها تعقد على شكل هيئات تمييز بخمسة مستشارين، وان يناط لها الرقابة الأوسع على الأحكام الصادرة من محكمة الدرجة الأولى أو العودة إلى طريق الطعن في التمييز على الأحكام .
مقالات
مرافعة: «التمييز» بقضايا الأسرة ضرورة
18-05-2021