جنرالات ميانمار باقون!
رغم توسّع الاحتجاجات وتصاعد الضغوط الدولية، سيبقى المجلس العسكري الجديد قائماً في ميانمار، إذ ينتمي الجنرالات الذين استولوا على السلطة في 1 فبراير إلى الجماعة التي حكمت ميانمار بين العامين 1962 و2010، وفي ظل زيادة الاضطرابات، من الواضح أنهم يحاولون إعادة إحياء النظام الذي أبقاهم في السلطة سابقاً، أي مجلس الدولة للسلام والتنمية.من المتوقع أن ينكمش اقتصاد ميانمار بأكثر من 20 في المئة بسبب الانقلاب، لكن سبق أن واجه هذا البلد وضعاً مماثلاً، في عهد مجلس الدولة للسلام والتنمية، بدا وكأن العقوبات نجحت في شلّ ميانمار حين أمعنت الحرب الأهلية العرقية في تدميرها، وفي تلك الحقبة خَلَت رفوف المتاجر من المنتجات والشوارع من السيارات، ويعتبر عدد كبير من المراقبين أن ميانمار كانت حينها دولة فاشلة.لكن ينظر الجنرالات ونخبة رجال الأعمال التابعة لهم إلى عهد مجلس الدولة للسلام والتنمية بمشاعر من الحنين، وقد بدأ النظام الراهن يراجع عدداً من السياسات المعتمدة في تلك الفترة.
لامت الحملة الدعائية التي أطلقها الجنرالات العقوبات الخارجية على الفوضى الاقتصادية التي شهدتها ميانمار، لكن كانت سياساتهم الخاصة مسؤولة عما حصل، حتى في أحلك أيام مجلس الدولة للسلام والتنمية، كانت ميانمار تستطيع الحصول على معظم المواد غير العسكرية، لكنها قررت وقف الواردات خوفاً من استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي الضئيلة، كذلك، لم تنجم قلة السيارات في ميانمار عن العقوبات الخارجية، بل يتعلق السبب بإقدام المجلس العسكري على فرض أعلى ضريبة استيراد على السيارات في العالم، ولم تكن العقوبات وقرارات حظر التجارة مسؤولة عن إبعاد الاستثمارات الخارجية، بل قوانين ميانمار الخانقة.عملياً، لم يكن مجلس الدولة للسلام والتنمية يخاف من العقوبات الدولية بل التضخم، وفي عام 1988، كاد المجلس العسكري يسقط حين أدى ارتفاع الأسعار إلى اندلاع احتجاجات حاشدة، ولمنع تكرار هذه الأحداث، عدّل مجلس الدولة للسلام والتنمية السياسات التي تحمل طابعاً اشتراكياً وتعطي الأولوية لسعر الصرف واستقرار الأسعار على حساب النمو، واضطر الجنرالات للتدخل في مناسبات متكررة لقمع الواردات، مما أدى إلى تجريد البلد من السلع الأجنبية، ونتيجةً لذلك، تباطأ النمو وتوقف التضخم، لكن خَلَت المتاجر من المنتجات وتأجّلت الخطط التنموية، فكان المجلس العسكري مضطراً لإعادة فتح الاقتصاد، مما يعني إطلاق الحلقة المفرغة نفسها. حصل انقلاب شهر فبراير في ميانمار بعد تدهور كبير في العلاقات بين "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" (الحزب الحاكم) والجيش، وقد بلغت هذه الأحداث ذروتها عند عقد سلسلة كارثية من الاجتماعات بين الطرفَين قبل أيام من الاستيلاء على السلطة، لكن في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد النظام الوحشي، بدأ الجنرالات يعودون إلى قواعد مجلس الدولة للسلام والتنمية، ويجري العمل على إعادة إحياء الدولة الأمنية الخامدة، لكن تحصل العملية هذه المرة بمساعدة التكنولوجيا الصينية والإسرائيلية.اليوم تُقابَل الاحتجاجات بوحشية فائقة، ويتم التحضير لقوائم حكومية بالأسماء التي ستخضع للمراقبة، بما يشبه النظام الأمني الذي كان سائداً في أوروبا الشرقية سابقاً، كذلك، بدأت نخبة رجال الأعمال القديمة تسترجع نفوذها المفقود تدريجاً، وتتجدد أيضاً روابط السوق الرمادي مع الصين، حتى أن الجنرالات يراجعون بنوداً معينة من سياسة "التصدير أولاً" من خلال فرض الضوابط على التبادل والاستيراد. قد لا تصبح ميانمار لاعبة بارزة في الاقتصاد الدولي بسبب الضغوط المحلية والعالمية التي يتعرض لها البلد، لكن الجنرالات سيصمدون في مناصبهم على الأرجح، ولهذا السبب قد يكون التفاوض حول تسوية بين "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" والمجلس العسكري الحل الوحيد للخروج من الأزمة التي تواجهها ميانمار اليوم.