أبرزت تحركات مصرية حثيثة ترافقت مع بداية المواجهة الدائرة بين الفلسطينيين وإسرائيل مساعي مصر لاستعادة دورها الإقليمي من خلال الوساطة. وعادت مصر إلى الواجهة بعد التصعيد المفاجئ بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، وفي حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة، حيث يواجه الفلسطينيون تهديدات بالتهجير من منازلهم والتي اتسعت الى قطاع غزة والضفة الغربية والمدن المختلطة بين اليهود والعرب.
وفي وقت تكثف السلطات المصرية جهودها عبر التوسط بين تل أبيب وحركة "حماس"، المسيطرة على قطاع غزة المتاخم لشبه جزيرة سيناء، رصدت إشارات اتخذتها القاهرة لترميم علاقتها بالفصائل الفلسطينية كان أبرزها خطبة صلاة الجمعة الماضية التي بثها التلفزيون الرسمي، وتضمنت مطالبة الحكام العرب بالاصطفاف وبـ"تشكيل قوة ردع في بلاد الإسلام والعرب. فما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".وتبنت أجهزة الدولة المصرية لهجة "أكثر حدة وصرامة" تجاه إسرائيل، رغم معاهدة السلام القائمة بين البلدين منذ 1979، وتحسن العلاقات الذي أعقب إزاحة الرئيس السابق محمد مرسي، المنتمي لجماعة "الإخوان المسلمين" التي خرجت من عباءتها "حماس". وفي كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، الأحد الماضي، دعا وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى "تقديم تنازلات" في رسالة بدت موجهة إلى الدولة العبرية.في موازاة ذلك، قام وفد من المخابرات المصرية خلال الأيام الماضية بزيارة إلى إسرائيل وإلى الأراضي الفلسطينية، في إطار وساطة مصرية للتوصل إلى وقف إطلاق نار.ورأى مراقبون أن المواجهة حارجت المسار الذي كان سائداً خلال عهد دونالد ترامب والذي تجاهل بشكل ما مصر والأردن. واعتبر المحلل في مجموعة الأزمات الدولية طارق بعقوني أن "في منطقة تقوم فيها دول بتوسيع علاقاتها بإسرائيل، فإن من مصلحة مصر أن تستخدم قربها الجغرافي من غزة لتعزيز قوتها الدبلوماسبة".من جهته، أشار المحلل في مركز "سنتشوري فاونديشن" الأميركي، مايكل حنا، أن "مصر يجب أن تكون مشاركة. لا مجال لتجاوزها حرفياً وفعلياً"، مشدداً على أن الحلقة الجديدة من العنف تمثل فرصة سانحة للقاهرة من أجل بعث "رسالة قوية" ليس فقط للولايات المتحدة إنما لدول إقليمية بـ"أن التهدئة ستمر عبرها". من جانب آخر، حذر حنا من المبالغة في مدلول تغيير اللهجة المصرية الرسمية تجاه "الفصائل المسلحة بقطاع غزة" التي ينظر لها بعين الريبة في وسائل الإعلام القريبة من السلطة، ولفت إلى ما وصفه بـ"ديناميكية غريبة تعتمدها القاهرة في التعامل مع إسرائيل عن كثب رغم شعور عميق بعدم الثقة في الوقت نفسه".
مبادرات السيسي
ومنذ بداية التصعيد العسكري في غزة، أوعز الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى السلطات بفتح الحدود للسماح للمصابين من أهالي القطاع المحاصر بالعبور، وتلقي العلاج في المستشفيات المصرية.وأمس، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي، تقديم مصر مبلغ 500 مليون دولار كمبادرة تخصص لمصلحة عملية إعادة الإعمار في غزة نتيجة الأحداث الأخيرة، مع قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك في تنفيذ عملية الإعمار.وجاء ذلك خلال مشاركة الرئيس في قمة ثلاثية ضمته مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بشأن تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، بقصر الإليزيه في باريس.وفي كلمة شدد السيسي على أنه لا سبيل لإنهاء الدائرة المفرغة من العنف المزمن، واشتعال الموقف بالأراضي الفلسطينية إلا بإيجاد حل جذري عادل وشامل يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية تتمتع بكل حقوقها، لافتا إلى خطورة تداعيات محاولات تغيير الوضع الديمغرافي لمدينة القدس.مساعدات دوائية
في غضون ذلك، أعلنت وزيرة الصحة المصرية، هالة زايد، إرسال 65 طنا من المساعدات الطبية إلى غزة، للمساهمة في معالجة المصابين مع تواصل الغارات الإسرائيلية على القطاع لليوم التاسع على التوالي.وقالت زايد، في بيان صدر، قبيل منتصف ليل الاثنين ـ الثلاثاء، إن المساعدات البالغة قيمتها 890 ألف دولار، تتضمن "مستلزمات جراحية، ومستلزمات تشغيل الأقسام الداخلية والطوارئ، ومستلزمات الأشعة والكسور وآلات جراحية للعمليات الكبرى والصغرى، بالإضافة إلى أقنعة أكسجين وأجهزة تنفس اصطناعي وأجهزة تخدير".وأوضحت أن المساعدات تشمل "كل أنواع الأدوية ومن بينها أدوية تخدير ومضادات حيوية، ومراهم للحروق وأدوية للأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري والكلى".كما عبرت، أمس الأول، 26 شاحنة تحمل مساعدات غذائية من رفح المصرية إلى غزة. وأوضحت مصادر أن 50 سيارة اسعاف ارسلت كذلك إلى المعبر لاستقبال الجرحى الفلسطينيين.ويعد معبر رفح نقطة الاتصال الوحيدة لقطاع غزة بالعالم، التي لا تسيطر عليها إسرائيل.