حاول لبنان الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية والمالية، وفي استعصاء سياسي يمنع تشكيل حكومة جديدة منذ أشهر عدة، إسدال الستارة على الأزمة الدبلوماسية مع السعودية ودول خليجية أخرى، التي سبّبتها تصريحات وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة، في وقت نفت السعودية على لسان سفيرها في بيروت وليد بخاري نيتها ترحيل أكثر من 300 ألف لبناني يعملون ويعشيون لديها.

Ad

بخاري

وغداة إقدام كل من الإمارات والبحرين والكويت، أسوة بالسعودية، على استدعاء السفراء اللبنانيين أو القائمين بالأعمال لديها وتسليمهم احتجاجات رسمية على تصريحات وهبة التي اعتبرت مسيئة لدول الخليج، أمّت وفود لبنانية دينية وسياسية دارة السفير السعودي.

وفي حديث مع الصحافيّين، دعا بخاري إلى أن «يطمئنّ الجميع، لأنّ كلّ ما يُحكى عن سعي ​السعودية​ لترحيل اللبنانيّين عن أراضيها لا أساس له من الصحّة».

ولفت إلى أنّه «في خضمّ حرب الخليج، لم ترحّل المملكة أحداً عن أراضيها، لأنّ السعوديّة بُنيت على أُسس إنسانيّة»، مشيراً إلى أنّ «ما أكسب السعودية احترام ​المجتمع الدولي​، أنّ لديها لغةً واحدةً وخطاباً سياسياً واحداً في العلن وفي السر، وهذا ما أكسب احترام خصومها قبل حلفائها».

وفود

واستقبل بخاري مفتي الجمهوريّة اللبنانية الشيخ ​عبداللطيف دريان​، الذي دعا بعد الزيارة على رأس وفد من ​دار الفتوى​، إلى سرعة رأب الصدع مع السعودية ودول الخليج.

وقال: «جئنا لنعبّر عن تضامننا مع السعودية ومع سائر دول ​مجلس التعاون، ولنقف وقفة وفاء لهذه الدول الشقيقة، التي ما تخلّت أبداً عن لبنان وعن مساندته ومساعدته».

وأشار دريان، إلى أنّ «ما صدر من كلام فيه إساءة إلى السعودية و​دول مجلس التعاون​، لا يشكّل إساءةً فقط لهذه الدول الشقيقة العزيزة على قلوب لبنان واللبنانيّين، وإنّما أيضاً إساءة لنا كلبنانيّين»، معلناً أنّ «ما صدر من إساءة مرفوض ومدان ومستهجن بكلّ المعايير».

من ناحيته، استنكر شيخ عقل ​طائفة الموحدين الدروز، نعيم حسن،​ إثر لقائه البخاري، تصريحات وهبة، معبراً عن أسفه «لأنه خارج عن عاداتنا وتقاليدنا وآدابنا وانها اعتباطية، والاعتباطية تصبح كالجواد الجامح تندفع من دون رؤية للعواقب». وأكد «صلابة العلاقة بين لبنان و​دول الخليج​ و​الرياض​«.

وأكد وزير الداخلية اللبناني محمد فهمي بعد لقائه بخاري،​ أن «ما صدر بحق ​السعودية​ كلام مدان»، مشدداً على أن «السعودية هي صمام أمان للدول العربية كافة من دون استثناء ومنها لبنان، ولا يسعني أن أنسى 300 ألف مواطن لبناني يعملون في السعودية». ولفت وزير الداخلية السابق النائب ​نهاد المشنوق​، بعد زيارته سفير ​السعودية​ ​​متضامناً، إلى أنّ «الغيمة السوداء انقشعت وأظهرت محبّة ​الشعب اللبناني​ واحترامه وتقديره للسعودية و​دول مجلس التعاون​، التي كان دورها دائماً خيّراً وبنّاءً وصادقاً وإيجابياً تجاه اللبنانيّين». وقالت النائب بهية الحريري بعد لقاء وفد تيار «المستقبل» البخاري، إن «هذه وقفة وفاء واعتذار ونتمنى أن تصل إلى خادم الحرمين الشريفين وكل شعوب الخليج وأعتقد أن هذا لسان حال كلّ اللبنانيين». بدوره، أشار عضو «​اللقاء الديمقراطي​« النائب ​تيمور جنبلاط​، بعد لقائه على رأس وفد، السفير السعودي​، إلى أنّ «زيارتنا تأتي في سياق رفض الإساءة للسعودية و​دول الخليج​، ذات الفضل الكبير على ​لبنان​«.

ولفت إلى «أنّنا أكّدنا لبخاري أنّ كلام وزير الخارجيّة غير مسؤول ولا أخلاقي».

القاهرة و«الجامعة»

ولم تنحصر ردود الفعل على تصريحات وهبة، التي اتهم فيها دولاً خليجية من دون أن يسميها بتمويل «داعش»، وتوجّه إلى المحلل السياسي السعودي سلمان الأنصاري الذي كان يشارك في برنامج تلفزيوني حواري بالقول «انت من أهل البدو»، بدول الخليج، فقد طلبت وزارة الخارجية المصرية من السفير اللبناني لديها، تقديم تفسير لما أدلى به وهبة «من تصريحات مسيئة بحق الدول والشعوب العربية الشقيقة في الخليج».

من ناحيته، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، أمس، أن ما صدر عن وهبة «أمر بعيد عن اللياقة الدبلوماسية».

وأعرب عن «الأسف الشديد لأن تأتي هذه التصريحات في توقيت دقيق جداً يمر به لبنان وفي وقت يحتاج إلى كل الدعم من أصدقائه واشقائه»، مشيراً إلى أنها «أسهمت في توتير العلاقة اللبنانية - الخليجية بدلاً من تصحيح مسارها بالشكل المطلوب».

إعفاء وتعيين

وفي الداخل اللبناني تواصلت الادانات لتصريحات وهبة من خصوم رئيس الجمهورية ميشال عون بينما التزم «حزب الله» الصمت، بينما قبل عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب طلباً من وهبة لإعفائه من منصبه.

وعيّن عون، أمس، بموجب مرسوم، نائبة رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع زينة عكر وزيرة للخارجية بالوكالة.

وطلب عون من عكر، وفق بيان صادر عن الرئاسة، «المباشرة بمهامها كوزيرة للخارجية بالوكالة، إضافة إلى مهامها الأصلية».

وكان وهبة زار عون في القصر الرئاسي في بعبدا وقال بعد اللقاء:»في ضوء التطورات الأخيرة والملابسات التي رافقت الحديث الذي أدليت به إلى إحدى المحطات التلفزيونية وحرصاً مني على عدم استغلال ما صدر للإساءة إلى لبنان واللبنانيين، تشرفت بمقابلة فخامة الرئيس وقدّمت اليه طلب اعفائي من مهامي ومسؤولياتي كوزير للخارجية».

وفي تصريح آخر، من السراي الحكومي، مقر مجلس الوزراء، أشار وهبة،​ إلى أن «خطوتي بالتنحي هي لمصلحة ​لبنان​ وتتقدم على كل المصالح والحسابات الأخرى».

وتمنى أن «يتم إقفال​ هذا الموضوع ويصبح من الماضي لتقوم العلاقات مع ​الدول العربية​ وكل الدول الصديقة والشقيقة على أساس الاحترام المتبادل».