بقايا خيال: الدولة تهين نفسها
أغلب جهود الحكومات المتعاقبة في مجال تطبيق القوانين هي في حدود الأقوال وقليل من الأفعال، فهي توحي للجميع بأنها جادة في تطبيق القوانين، وتحاول صادقة استعادة الهيبة الضائعة، في حين الواقع يؤكد لنا أنه لم يتسبب في ضياع هذه الهيبة أحد غيرها، لأنها إن هي حاولت تطبيق القوانين، فالمزاجية غالبة لأن طبيعتها متقلبة قد تميل نحو الكيل بمكيالين، فقد تغض النظر عما يرتكبه حلفاؤها من مخالفات وجرائم، وقد تطبق القانون "على ناس وناس" تحقيقاً لمبدأ "إن حبتك عيني ما ضامك الدهر". وإذا كان بيننا من يشكك في ما نقول، فليطرح على نفسه هذا السؤال: هل طبقت الحكومات الكويتية قانون تجريم الفرعيات على الجميع منذ أن شرع هذا القانون حتى يومنا هذا؟ وهل صدرت أحكام في حق المخالفين لقانون تجريم الفرعيات؟ وهل طبقت الدولة قوانينها على كل الجرائم المنضوية تحت بند الفساد؟ وماذا بشأن القوانين المتعلقة بمكافحة الإتجار بالبشر ومحاربة تجار الإقامات؟ حاول أن تتذكر المناقشات التي دارت حول هذا الموضوع منذ أن تعرفنا على فيروس كورونا حتى اليوم، على مختلف وسائل الإعلام وخصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي، ثم اسأل نفسك: ما نتيجة هذه النقاشات؟ وماذا تم بشأن قانون الخدمة المدنية في مجال محاربة الواسطة والمحسوبية في توظيف الكويتيين؟ وكيف تقوم الدولة بتطبيق القوانين المرورية ثم يتم إطلاق سراح المخالفين دون تسجيل قضية في حقهم حتى لو وصلت المخالفة إلى مستوى الجريمة أو الجناية؟ وهناك الكثير من القوانين التي شرعت لتوضع على الأرفف، ليحق على الكويت القول إنها أكثر دولة تشرع قوانين وأكثر دولة تتجاهل هذه القوانين.
وطوال العقود الماضية التي شهدت تشكيل قرابة السبع والثلاثين حكومة لم نر منها حكومة واحدة تصدق في تطبيق كل القوانين ولا تجتهد في استعادة هيبة هذه القوانين فحسب، إنما في هيبة الدولة أيضاً، وهي هيبة تسببت الدولة نفسها في إضاعتها ومرغتها في مستنقع المصالح، فالحكومة هي التي تشكل هيئات الرقابة ووحدات التفتيش ولجان الضبط القضائي وما شابهها من مؤسسات حكومية يستدل منها أنها جادة في تطبيق القوانين، ثم فجأة ودون سابق إنذار نجد أن من يكسر هذه القوانين هي المؤسسات الحكومية. فقبل شهر رأينا كيف تقوم مجموعة ضبطية تقوم بواجباتها خلال عطلة نهاية الأسبوع في تطبيق الإجراءات الاحترازية لمكافحة كورونا فتغلق بالشمع الأحمر أحد المحال التجارية التي تشهد تجمعات مخالفة للتحذيرات الصحية، فإذا بأحد الوزراء يسمح بإعادة فتح هذه المحال في اليوم نفسه دون سند قانوني، وقبل أيام رأينا أيضاً كيف قامت دورية مرورية بإلقاء القبض على شباب كانوا يستخدمون أسلحة نارية غير مرخصة أثناء قيادتهم لسيارات لا تحمل أرقاماً في مناطق سكنية، ثم يقوم أحد الوزراء بإطلاق سراحهم دون تسجيل قضية، وبعد كل هذا يريدون استعادة الهيبة!