تضاعفت المساعي الدبلوماسية الدولية والإقليمية، أمس، علناً وخلف الكواليس، في محاولة لوقف التصعيد العسكري بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة، وأصبح من شبه المحسوم أن وقفاً لإطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ في الساعات المقبلة، لكن بنود التهدئة التي يفترض أن تفرض هدوءاً طويل الأمد لاتزال مسار أخذ ورد.

ويبدو أن الجانب الفلسطيني أرسل رسالة حسن نية، بعد دعوة الرئيس الأميركي جو بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لخفض فوري للتصعيد، فلم يبلغ الجيش الإسرائيلي عن أي إطلاق للصواريخ من غزة منذ الساعة الواحدة فجر أمس حتى الـ9:30 صباحاً، عندما انطلقت صفارات الإنذار بعدها بوقت قليل، وورود بلاغات عن سقوط صواريخ على مناطق مفتوحة جنوب إسرائيل.

Ad

وفي حين توقعت مصادر أميركية وإسرائيلية سريان وقف لإطلاق النار اعتباراً من اليوم، أفادت مصادر مطلعة بأن حركتي "حماس" و"الجهاد" متمسكتان بأن يشمل الاتفاق وقف الاعتداءات في القدس والشيخ جراح.

ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين وأجانب أن المسؤولين المصريين أحرزوا تقدما في المفاوضات مع "حماس" وهناك آلية قائمة لوقف إطلاق النار، والمسألة الوحيدة المعلقة هي التوقيت.

ووفق الصحيفة، فإن إدارة الرئيس بايدن تضغط إلى جانب قطر ومصر والعديد من الدول الأوروبية على نتنياهو وقادة "حماس"، مبينة أن الجيش الإسرائيلي أقر بشكل خاص أنه اقترب من تحقيق أهدافه من العملية العسكرية.

وأكد وزير الخارجية سامح شكري، أمس، استمرار مصر في مساعيها واتصالاتها المكثفة الرامية لإنهاء التصعيد ووقف إطلاق النار. ونقل المتحدث باسم وزارة الخارجية، أحمد حافظ تأكيد شكري لعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عزام الأحمد مواصلة دعم الأشقاء الفلسطينيين وسلطتهم، تنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية.

وقال مصدر أمني مصري، إن الجانبين وافقا من حيث المبدأ على وقف إطلاق النار بعد تدخل وسطاء، وإن كان التفاوض على التفاصيل مازال يجري سراً.

وتصطدم جهود بايدن ومصر وقطر بإصرار "حماس" على أن أي اتفاق يجب أن يشمل إنهاء الاستفزازات في المسجد الأقصى، والتراجع عن إخلاء حي الشيخ جراح في مقابل تمسك إسرائيل بأن تبادر الحركة بوقف النار أولاً.

في معلومة أكدتها القناة 12 الإسرائيلية، عرضت مصر وقفاً لإطلاق النار يبدأ من صباح اليوم، على أن يتم الاتفاق على تفاصيله لاحقاً. كما أكدت قناة "كان" الرسمية أن الضغوط الأميركية على إسرائيل مستمرة، وأن وزير الخارجية أنتوني بلينكن هاتف نظيره الإسرائيلي غابي أشكنازي، كما تحدث مستشار الأمن القومي جيك سوليفان هاتفياً مع نظيره الإسرائيلي مئير بن شبات، في محاولة للضغط، تزامناً مع ضغط مسؤولين مصريين على "حماس" من جهة أُخرى.

وقالت وزارة الدفاع (البنتاغون) إن الوزير لويد أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي بيني غانتس مرة أخرى، في اتصال هاتفي، أن واشنطن لا تريد أن ترى

تصعيداً بل تريد نهاية للعنف.

وذكر موقع "أكسيوس" أن المبعوث الأميركي هادي عمرو أبلغ نتنياهو ووزراء إسرائيليين، بأن واشنطن تريد وقفاً لإطلاق النار.

وفي خطوة لدفع مساعي التهدئة، التي تلعب فيها قطر دوراً رئيسياً، خصوصا أنها تستضيف عدداً من قيادات "حماس" البارزة، أجرى مبعوث الأمم المتحدة ثور وينسلاند محادثات في الدوحة مع رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية وقيادات منها في الخارج ومع مسؤولين قطريين حول شروط وقف إطلاق النار.

ونقلت شبكة "سي إن إن"، مساء أمس الأول عن مسؤولين في "حماس" أن وقف إطلاق النار وشيك، وربما يكون في غضون 24 ساعة. وتوقع القيادي موسى أبومرزوق "نجاح المساعي الدائرة الآن، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار خلال يوم أو يومين، ووقف إطلاق النار سيكون على قاعدة التزامن".

وقال مسؤول في "حماس" أمس: "توقعاتنا أن يتم إعلان التهدئة خلال ساعات أو يوم غد، وهذا يتوقف على وقف الاحتلال عدوانه على غزة والقدس". وأضاف: "هناك جهود واتصالات مكثفة تجري مع الاحتلال من جهة، ومع حماس وفصائل المقاومة من جهة أخرى تبذلها مصر وقطر وأطراف أخرى"، مشيرا إلى أن "الفرنسيين والأميركيين يشاركون في هذه الجهود". لكنه شدّد على أنه "لا شيء نهائيا حتى هذه اللحظة. المقاومة مستعدة لكل الاحتمالات. إذا تواصل العدوان، فسيتواصل توجيه الصواريخ في اتجاه الاحتلال وجنوده".

إطالة أمد التصعيد

عنوان فرعي

في هذه الأثناء، نقلت صحيفة "معاريف" عن مصادر في حزب "ليكود" اليميني أن هناك مخاوف من أن زعيمه نتنياهو يطيل أمد التصعيد بغزة لاعتبارات سياسية ضيقة، ولأن منافسه زعيم حزب "هناك مستقبل" يائير لابيد يملك حالياً التفويض الرئاسي لتشكيل الحكومة.

وقال المستشار السياسي الرفيع في "ليكود" للصحيفة: "نتنياهو يركض إلى انتخابات خامسة، ويتخذ البلاد رهينة"، مضيفاً أن هزيمة رئيس حزب "يمينا" نافتالي بينيت في المفاوضات الائتلافية مع لابيد أعطت زخما لنتنياهو للمضي في هذا الاتجاه، لكن دعمه داخل "ليكود" يتضاءل.

ورجح مسؤولون آخرون من المعسكر اليميني أن نتنياهو مقتنع بأن النزاع مع "حماس" سيساعده في تحسين صورته، وهو يعول انتخابياً على تفكك "يمينا" المحتمل.

لابيد ونتنياهو

وفي منشور على "فيسبوك"، هاجم لابيد نتنياهو، وقال إن "حكومته فشلت في كل المجالات، ولا توجد كلمات لوصف هذا الإخفاق، وحماس الإرهابية العنصرية انتصرت عليه في المعركة الإعلامية الغربية". وأضاف: "بعد 11 يوماً على العملية العسكرية، سيسأل أي إسرائيلي نفسه: ماذا أرادت الحكومة منها؟ ما سياستها وهدفها الإستراتيجي طويل الأمد مقابل "حماس" في غزة؟ ما الذي ينبغي أن يحدث هناك؟ هل تمنع العملية العسكرية الحالية الجولة المقبلة؟".

ودعا لابيد نتنياهو إلى الاستجابة لطلب بايدن وقف النار، مبيناً أنه منحه في بداية العملية دعماً كاملاً، وبعد 11 يوماً، طلب إنهاء العملية العسكرية بعد أن حقق الجيش أهدافه. وليس بإمكان إسرائيل تجاهل توجه كهذا"، لافتاً إلى وجود "تحديات أكبر بكثير من غزة وهي إيران، الاتفاق النووي، التوتر في سورية وتعاظم قوة حزب الله. وهذه كلها بانتظارنا لاحقاً. ولمواجهة جميعها سنحتاج إلى تنسيق وثيق وقريب مع الأميركيين".

جهود دولية

وانضمت ألمانيا للجهود الدولية، وبدأ وزير خارجيتها هايكو ماس زيارة أمس لتل أبيب ورام الله، التقى خلالها مع المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين. وعبر في مؤتمر صحافي مع أشكنازي عن تضامنه مع إسرائيل في "حق الدفاع عن النفس". ودعا إلى وقف لإطلاق النار.

وخلال منتدى لمجموعة "في دي آر" الإعلامية، دافعت المستشارة أنجيلا ميركل عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في مواجهة صواريخ "حماس"، لكنها أكدت أنها تعمل على الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار.

واعتبرت ميركل أن "إجراء اتصالات غير مباشرة مع حماس خطوة ضرورية للتوصل لهدنة"، مشيرة إلى أن "مصر تتحدث معها، وهي عامل مهم جداً، والدول العربية الأخرى تفعل الأمر نفسه".

ومع فشل فرنسا في إيصال مشروع قرار ينص على وقف لإطلاق النار للتصويت في مجلس الأمن، بسبب عرقلة واشنطن له للمرة الرابعة، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعاً طارئاً أمس على مستوى وزراء الخارجية تناول النزاع.

وأعلنت الأمم المتحدة أن مجلس حقوق الإنسان سيجتمع الخميس المقبل في جلسة استثنائية بطلب من باكستان كمنسق لمنظمة التعاون الإسلامي، والسلطات الفلسطينية التي جمعت تواقيع كافية من الدول ال47 الأعضاء، لدراسة "الوضع الخطير لحقوق الإنسان" في الأراضي المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية.

قصف ونزوح

وقبيل اجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغرة لحسم مصير الهدنة، واصلت الطائرات قصف مناطق متفرقة بغزة لليوم الـ11 على التوالي، متسببة في استشهاد سيدة وإصابة أطفال بجروح، كما استأنفت الفصائل قصفها لعسقلان وغلاف غزة، وذلك بعد ساعات من الهدوء.

وأعلن مكتب إعلام "حماس" أن إسرائيل شنت أكثر من 1810 غارات منذ بداية العدوان، مما أدى لنزوح أكثر من 107 آلاف شخص من منازلهم، منهم 44 ألفا يعيشون حاليا في مراكز إيواء، وأكثر من 63 ألفا لدى أقارب لهم في القطاع الذي يقطنه أكثر من مليوني فلسطيني، مبيناً أن أكثر من 1335 وحدة سكنية تعرضت للهدم الكلي أو البليغ، ونحو 13 ألفا تضررت جزئياً، كما تسبب القصف في هدم 184 برجاً ومنزلاً، و33 مقراً إعلامياً.

وفي حين قدّر المكتب الخسائر المادية بأكثر من 322 مليون دولار، خلال الأيام العشرة الأولى للعدوان، أعلنت كتائب "القسام" أنها قصفت موقع مارس الجديد بقذائف هاون، كما قصفت كلا من قاعدة تسيلم البرية، وقاعدة رعيم العسكرية، والقاعدة اللوجستية مشمار هنيغف بدفعات صاروخية.

وأكدت الكتائب أنها استهدفت حافلة لنقل الجنود قرب قاعدة زيكيم شمال قطاع غزة بصاروخ موجه، وأفادت الإذاعة الإسرائيلية بإصابة جندي في العملية.

وأعلنت "سرايا القدس" شنها هجوما صاروخيا جديدا على مدن عسقلان وسديروت ونتيفوت، فيما قصفت كتائب أبوعلي مصطفى مستوطنة عولميم بالصواريخ وتجمعا لآليات عسكرية شرق خان يونس بقذائف الهاون.

كما ذكرت كتائب المقاومة الوطنية أنها قصفت مستوطنة نيريم بدفعة صاروخية، وقالت ألوية الناصر صلاح الدين إنها قصفت موقع إسناد صوفا العسكري وحوليت شرقي رفح بخمسة صواريخ.