رغم تدخل قوات الأمن المغربية، أمس الأول، للمرة الأولى لصد مئات المهاجرين الذين يحاولون العبور إلى جيب سبتة الاسباني، لم تتراجع حدة أسوأ نزاع منذ ما يقرب من 20 عاما بين المغرب وإسبانيا، أكبر شركاء الرباط التجاريين.

وبعد نيل بلادها دعماً أوروبياً مبدئياً، اتّهمت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبليس المغرب، أمس، بـ"الاعتداء والابتزاز"، بعدما وصل أكثر من 8000 مهاجر منذ الاثنين إلى سبتة، في خطوة يقول مراقبون إنها رد من الرباط على استقبال مدريد رئيس جبهة "البوليساريو" الانفصالية إبراهيم غالي، ومن أجل ممارسة ضغوط دبلوماسية على إسبانيا للاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.

Ad

وقالت روبليس، في مقابلة إذاعية: "إنه اعتداء على الحدود الإسبانية وحدود الاتحاد الأوروبي، هذا أمر غير مقبول بموجب القانون الدولي"، مضيفة أن "الرباط تستغل القصّر وتسمح لأطفال لا تتجاوز أعمارهم 7 أو 8 سنوات بالمرور".

وأضافت: "سمّوا هذا الوضع ما تريدون لكنني أسميه ابتزازا".

من ناحيتها، حذرت وزيرة الخارجية الإسبانية ارانكا غونزاليس لايا، الرباط، بأن موقف بلادها لن يتغير بشأن الصحراء الغربية، وشددت على أنّ "إسبانيا لا تزال ملتزمة بشدّة بحل سياسي يجب التوصل إليه في اطار الأمم المتحدة".

وجددت الوزيرة التأكيد على أنّ استقبال ابراهيم غالي بادرة "إنسانية" لعلاجه من اصابته بفيروس كورونا، وليس "اعتداء" على المغرب.

وكان وزير حقوق الإنسان في المغرب مصطفى الرميد قال، أمس الأول: "فلتعرف إسبانيا أن ثمن الاستهانة بالمغرب غال جدا، فتراجع نفسها وسياستها وعلاقاتها"، معتبراً أنه كان "واضحا" أن إسبانيا فضلت علاقاتها مع "البوليساريو" والجزائر على علاقاتها مع المغرب باستضافتها غالي.

وكتب الرميد على "فيسبوك": "ماذا كانت تنتظر إسبانيا من المغرب، وهو يرى أن جارته تؤوي مسؤولا عن جماعة تحمل السلاح ضد المملكة؟"، مشدداً على "حق المغرب أن يمد رجله".

وفي العاشر من الشهر الجاري، قال رئيس الوزراء سعد الدين العثماني إنه يخطط لـ "رد مناسب" على استضافة إسبانيا لغالي. وقبلها أثار استياء إسبانيا في ديسمبر بقوله إن المغرب يريد "استعادة" جيبي سبتة ومليلة بمجرد حل قضية الصحراء الغربية.

واعترفت واشنطن في ديسمبر الماضي، في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بسيادة الرباط على الصحراء في مقابل إقامة علاقات دبلوماسية بين المغرب وإسرائيل.

وفتحت أكثر من 20 دولة، معظمها إفريقية وعربية، قنصليات في الصحراء الغربية، في اعتراف فعلي بالسيادة المغربية. ويعتقد مراقبون أن تغير موقف واشنطن شجع المغرب على اتخاذ نهج أكثر صرامة مع أوروبا واستغلال دورها في عرقلة الهجرة الجماعية إلى أوروبا.

وفي يناير، قال وزير الخارجية ناصر بوريطة إن على الاتحاد الأوروبي أن يخرج من "منطقة الراحة" ويدعم عرض الرباط للحكم الذاتي للصحراء الغربية، في إطار الدولة المغربية.

وقال السياسي المغربي المعارض عادل بن حمزة، العضو السابق في البرلمان، إن تدفق المهاجرين "رسالة تحذير من المغرب الذي لا يريد أن يلعب دور شرطي لأوروبا مقابل المال بعد الآن... إنه يسعى لتحقيق مكاسب دبلوماسية في المقابل".

ميدانياً، عاد الهدوء صباح أمس إلى محيط المعبر الحدودي في مدينة الفنيدق شمال المغرب، بعد مواجهات ليل الاربعاء- الخميس بين مهاجرين وقوات الأمن المغربية، التي تدخلت للمرة الاولى ومنعتهم من التسلل إلى سبتة. وعلى الجهة المقابلة من الحدود عاد الهدوء أيضا إلى شاطئ تارخال، الذي كان يجوبه جنود اسبان مدعومون بسيارات مدرعة.

وليل الأربعاء - الخميس، حاول نحو ألف مهاجر، بينهم قاصرون، ومعظمهم أعادتهم السلطات الاسبانية بعد ان تمكنوا من العبور، لكن قوات الأمن المغربية صدتهم فردوا برشقها بالحجارة قبل أن يعمد بعضهم إلى إحراق دراجة نارية وحاويات نفايات وسط الشارع الرئيسي لمدينة الفنيدق المؤدي إلى المعبر الحدودي. وعززت قوات الأمن بعد ذلك صفوفها لتطاردهم بعيدا عن المكان.

ونجح ثمانية آلاف شخص بينهم عدد كبير من القاصرين، وهو عدد غير مسبوق، في الوصول إلى سبتة مستفيدين من تخفيف مراقبة الحدود في الجانب المغربي، وأفادت السلطات الاسبانية انها رحلت 5600 منهم.

وانتشرت على نطاق واسع عالميا صورة نشرها الحرس المدني الاسباني على تويتر لأحد عناصره، وهو ينقذ رضيعا كاد يغرق رفقة والده في محاولته العبور.

وكتب موقع "كود" الإخباري المغربي معلقا: "الجنين يسبح في بطن أمه مهاجرا إلى سبتة (...) إنه الخيال في أقصى حالاته، إنها أوديسة مغربية".