من الرحلات التاريخية، التي اهتم بها المؤرخون الغربيون من كل الدول ونشروا تفاصيلها في عدة لغات، رحلات قام بها رحّالة إيطالي إلى عدة دول ومناطق في العالم، منها مناطق عربية زارها قبل أكثر من 500 عام. في تلك الفترة، بدأ سقوط الدولة المملوكية

(1250-1517) وانهيارها، في ظل وجود عدة تحديات خارجية لها، بما فيها التحدي البرتغالي في البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي. هذا الرحّالة اسمه "لودوفيكو دي فارتيما"، المولود في بولونيا بإيطاليا عام 1470م والمتوفى في روما عام 1517م. ويبدو أنه بالتعاون مع ملك البرتغال آنذاك، قرر هذا الرحالة (الذي ينتمي إلى طبقة أرستقراطية) أن يستكشف بعض أجزاء من العالم، وأن يجمع معلومات استخباراتية، فغادر أوروبا في نهاية عام 1502 ووصل إلى الإسكندرية في بداية عام 1503، ومنها انتقل إلى القاهرة بسفينة عبر نهر النيل. بعد ذلك اتجه إلى بيروت، ثم طرابلس، ثم حلب، ثم دمشق. وقد التحق بقافلة للحج من دمشق، متخفياً بلباس أحد المماليك، وزاعماً أنه مسلم، مما ساعده على دخول مكة والمدينة وتسجيل ملاحظاته والأحداث التي مر بها. أيضاً سافر إلى الهند وقضى وقتاً في بعض مدنها، متخفياً بأنه تاجر سلاح وصانع للمدافع.

Ad

اعتقلته السلطات اليمنية في إحدى رحلاته، ووضعته في السجن في عدن، للاشتباه بأنه جاسوس، لكنه لم يمكث بالسجن طويلاً، حيث ساعدته على الخروج أميرة يمنية أشيع أنها كانت مغرمة به. ارتحل في جولة بين عدن وصنعاء وكتب عن مشاهداته ومغامراته، كما ارتحل إلى عدة موانئ في البحر الأحمر، مثل ميناء "زيلع" الإثيوبي، ووصل كذلك إلى ميناء "بربرة" الصومالي، وكتب عن مشاهداته في تلك الموانئ.

بعدها، زار لودوفيكو الخليج العربي وتوقف في جلفار ومسقط وجزيرة هرمز. ثم اتجه إلى بلاد فارس ووصل إلى مناطق ومدن كثيرة، وسجل يومياته بتفاصيلها المثيرة. وقرر العودة إلى الهند، ليزور مناطق هندية أخرى لم يستطع أن يزورها في رحلته الأولى، وقضى وقتاً طويلاً هناك ومر بأحداث كثيرة وثّقها في سجل رحلته. وأمضى أيضاً وقتاً طويلاً في سيلان، وكان له تعاون وثيق مع البرتغاليين الذين استعمروا أجزاء من الهند والخليج. وقد قام بنفسه بنشر كتابه "يوميات لودوفيكو دي فارتيما البولوني" في عام 1510م، ثم ترجم الكتاب بعدها إلى عدة لغات منها الإنكليزية، التي اطلعت عليها.

ما يهمنا في ذلك هو أنه سجل معلومات كثيرة عن المناطق العربية، التي زارها، مثل القاهرة، ودمشق، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، وعدن، وسأقوم بعرض هذه المعلومات، حسب استطاعتي، في مقالات متسلسلة، إن شاء الله، بدءاً من الأسبوع المقبل.

باسم اللوغاني