من الحقوق المقدسة للمساهم في الشركة- وهنا نقصد على وجه الخصوص الشركة المساهمة العامة- هو الحق في التصويت على القرارات المهمة في الشركة. فالمساهمون أو الجمعية العمومية تقع في أعلى الهيكل الهرمي للسلطات في الشركة، بحيث هي من تختار أعضاء مجلس الإدارة، والأخير هو الذي يختار الإدارة التنفيذية، فقانون الشركات الكويتي قيد قرارات مجلس الإدارة أربعة قيود، من ضمنها قرارات الجمعية العمومية. فيمكننا القول إن المساهمين أو الجمعية العامة تعتبر من أهم مصادر السلطات في الشركة. وطبيعة المساهم تستمد من هذه الحقوق التصويتية (Voting Rights)، فالمساهم- وهذا أمر جدلي- لا يملك الشركة، بل يملك الحقوق التصويتية المستمدة من كونه حاملاً لأسهمها. وهنا يمكن أن نقول إن جميع حقوق المساهم ترتكز على حقه في التصويت، ومن أهم الممارسات التي ترشحها مبادئ الحوكمة تبني طريقة التصويت التراكمي، فماذا يعني هذا التصويت في سياق القانون الكويتي؟
ذكرت المادة 209 من قانون الشركات الكويتي رقم 1 لسنة 2016، أنه «يجوز أن ينص عقد الشركة على نظام التصويت التراكمي بشأن انتخاب أعضاء مجلس إدارة الشركة، والذي يمنح كل مساهم قدرة تصويتية بعدد الأسهم التي يملكها، بحيث يحق له التصويت بها لمرشح واحد أو توزيعها بين من يختارهم من المرشحين دون تكرار لهذه الأصوات».وبالتالي بحسب تعريف القانون الكويتي يمكننا القول، إن التصويت التراكمي هو أداة تصويتية تمنح المساهم بمفرده الحق في تجزئة وتوزيع أسهمه بحسب رغبته في تعيين أعضاء مجلس الإدارة المنتخبين مع احتفاظه بحقه في تركيز كل أسهمه للتصويت لمرشح واحد، فإذا كان هنالك 4 كراسي لعضوية مجلس الإدارة، وكان هنالك مساهم يملك 30000 سهم، بحسبان أن للسهم الواحد صوتا واحدا (One Share, One Vote)، فيستطيع المساهم توزيع 10000 سهم للتصويت للمرشح، و10000 سهم للتصويت للمرشح (ب)، و5000 سهم للتصويت للمرشح (ج)، والباقي 5000 سهم للتصويت للمرشح (د). ولا يعني تبني نظام التصويت التراكمي في الشركة حرمان المساهم من حقه في تركيز أسهمه على مرشح واحد فقط، فيستطيع المساهم أعلاه أن يستعمل كل الـ 30000 سهم للتصويت للمرشح (ب).
توزيع الأسهم
الجدير بالذكر أن قانون الشركات الكويتي لم يمنح المساهم الحق في توزيع أسهمه إلا في حالة واحدة فقط المذكورة في المادة 188، وهي عند تعيين ممثل له في مجلس الإدارة سواء بمفرده أو عن طريق التحالف مع مجموعة من المساهمين، ثم تتبقى أسهم زائدة يستطيع بها المساهم المشاركة في عملية الانتخاب. فالتوزيع بحسب المادة 188 مسموح فقط عندما يريد المساهم تعيين ممثل له في الشركة، وأن يرشح الأعضاء المنتخبين لمجلس الإدارة في آن واحد، والأسهم المتبقية لعملية الانتخاب لا تعطي المساهم الحق في توزيعها لترشيح أكثر من عضو. ففي الحقيقة المساهم هنا لديه الحق بتقسيم أسهمه لجزأين فقط؛ جزء يستخدم في عملية تعيين ممثل، وآخر يستخدم في عملية الانتخاب. وهنا قد يتوارى عن البعض هذا السؤال، لماذا لا يستخدم صغار المساهمين هذه المادة في تعيين ممثل لهم عن طريق التحالف فيما بينهم بدلاً من التصويت التراكمي؟إن ما يميز «التراكمي» هو إخلاء المساهم من المسؤولية التي تقع عليه إذا قام بتعيين ممثل له في الشركة، فوفقاً للمادة 188، «يكون المساهم مسؤولاً عن أعمال ممثليه تجاه الشركة ودائنيها ومساهميها»، فهذه المسؤولية تعتبر من المخاطر التي تهدد المساهم، والتي لا تتوافر في حالة وجود التصويت التراكمي، فهو خيار آمن للمساهم لممارسة حقه في التصويت، أي أن هذا الحق لا يكون مقابلة مسؤولية تكلّف المساهم، فلذلك التصويت التراكمي محفز جيد للمساهمين في المشاركة الفعالة.العوائق
ومن الجدير إلقاء الضوء عليه هنا هو العوائق التي تمنع من تبني التصويت التراكمي في الشركات المساهمة الكويتية.بالرغم من أن التجربة السابقة في النص على إلزامية هذا النوع من التصويت في قانون الشركات الكويتي رقم 25 لسنة 2012، ثم عدول المشرع عن هذه الإلزامية في قانون رقم 96 لسنة 2013، قصيرة جداً لا تتيح تقييم ماذا كانت هذه التجربة ناجحة أم فاشلة. إلا أنها جديرة ببيان مدى تقبل البيئة التجارية في الكويت لهذا النوع من الممارسات. فبحسب استفتاء الرأي التي أجرته هيئة أسواق المال في عام 2018، فإن 51.8 في المئة من الشركات المدرجة التي شاركت في هذا الاستفتاء لا تتفق مع إلزامية هذا النوع من التصويت، وترى 53.6 في المئة من هذه الشركات أن هنالك عدة عوائق لتبني التصويت التراكمي، منها أن البيئة التجارية للشركات في الكويت تشكل عوائق، أهمها أن السوق الكويتي باعتباره سوقاً ناشئاً يتسم بتمركز ملكية أسهم الشركة (concentration of ownership) في أيدي كبار المساهمين، والذي يطلق عليهم بالمجاميع المسيطرة، وهذه المجاميع ترفض التصويت التراكمي لما له من تأثير سلبي على سيطرتهم على الشركة. وتبرير عدم فرض «التراكمي» بأن «من يملك يدير»، هذا أمر غير مقبول، لأن مصلحة الشركة يجب أن تتم مراعاتها أولاً وأخيراً لا مصلحة فئة معينة، وهذا الفهم الشائع خاطئ، ويجب أن يتغير؛ لأن الشركة المساهمة لجأت للاكتتاب حتى تكمل رأسمالها من أموال المكتتبين، فلا يجوز لكبار المساهمين أن يسيطروا على الشركة كأنهم يملكونها على حساب أموال الناس! وعدم إعطاء المساهمين الصغار حقوقاً معناه المزيد من التمركز فيحتفظ المساهم الكبير بمزيد من الأسهم، وبالتالي بحسب الدراسات يكون هنالك نفور من المستثمر الأجنبي للاستثمار في هذه الشركات. إن تمركز الملكيات في الشركات الكويتية أدى إلى سيطرة كبار المساهمين على مصير الشركة منه الانسحاب الاختياري من البورصة، فعادة عندما تتسم الشركات بتمركز عال بملكيات أسهمها، ووجود عائلة واحدة مسيطرة على مجلس إدارتها بنسبة تزيد على 70 في المئة، يؤدي هذا التمركز إلى سهولة انسحابها من البورصة، ذلك لعدم وجود أسهم كافية قابلة للتداول فتنسحب الشركة ويكون المتضرر الأكبر هم صغار المساهمين.عدم تجانس
وبيّن الاستفتاء أن من عوائق تبني «التصويت التراكمي» أنه يخلق عدم تجانس بين أعضاء مجلس الإدارة، وانتخاب أعضاء عديمي الاختصاص والخبرة. وهذا الأمر مردود عليه، لأن الواقع العملي يقول إن الأساس في تعيين عضو مجلس الإدارة هو نسبة مساهمته، فمن يتولى منصب رئيس مجلس الإدارة غالباً من يملك أغلبية الأسهم في الشركة لا أكثرهم خبرة ودراية في نشاط الشركة، فهل من يملك أغلبية الأسهم بالضرورة يملك الخبرة والدراية الكافية؟ وحتى ولو وجد هذا التخوف من تعيين أعضاء غير أكفاء فإن هذا الأمر متروك للجهات الرقابية كهيئة أسواق المال، فوفقاً للباب الخامس عشر من لائحة قانون أسواق المال الحوكمة، يجب على عضو مجلس الإدارة أن يتمتع بالخبرات والمهارات المتخصصة التي تساهم في تعزيز كفاءة اتخاذ القرارات، وعند عدم الالتزام بهذا المتطلب يجب على الشركة أن تقوم بالتفسير الدقيق لتبرير عدم التزامها. وتقدر الهيئة جدية وكفاية التفسير، ويحق لها أن توقع على الشركات العقوبات المنصوص عليها في قانون هيئة أسواق المال.الوعي
من جهة أخرى، أوضح الاستفتاء أن صغار المساهمين يفتقرون إلى الوعي بـ «التصويت التراكمي»، وهذا ما يعد عائقاً لتبني هذا النظام، وهذا أمر قد يكون منطقياً إلى حد ما، فصغار المساهمين لا يتمتعون بالخبرة والفهم الدقيق بالأمور المالية، باعتبارهم مضاربين يتمتعون بأجندة قصيرة المدى، وهي غالباً ما تتعلق بالربح القصير السريع، ولكن مسؤولية تثقيف المساهمين بحقوقهم، خصوصاً كل ما يتعلق بالتصويت، هو أمر يقع على عاتق الشركة نفسها وفقاً لنظام الحوكمة المذكور سلفاً، فقواعد الحوكمة تلزم الشركة بإحاطة المساهمين علماً بكل القواعد التي تحكم إجراءات التصويت، وأن يتم توفير جميع المعلومات الخاصة بحقوق التصويت لكل من المساهمين الحاليين والمستثمرين المرتقبين، مع ضمان توفير تلك المعلومات بشكل مستمر ودائم ولكل فئات المساهمين. وهذه المسؤوليات تقع ضمن القاعدة الثامنة من نظام الحوكمةـ وهي من القواعد الملزمة المستثناة من مبدأ الالتزام أو التفسير. أي أنه في حال عدم الالتزام بتطبيقها تتعرض الشركة للجزاءات المنصوص عليها في القانون وهذه اللائحة.عدم الإلزامية
وأخيراً من العوائق الجديرة بالذكر، أن قانون الشركات لم يجعل التصويت التراكمي إلزامياً، وهذا تم الإشارة إليه أيضاً في الاستفتاء وهو أمر منطقي بالفعل. فوفقاً لدراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في 2014، ذكرت أن فشل بعض الدول في تبني نظام التصويت التراكمي مثل ليبيا والمملكة العربية السعودية– في السابق- كان مقترناً بمستوى إلزامية هذا النظام، فكان تبني نظام التصويت التراكمي بصفة اختيارية لا إلزامية عن طريق هيئات أسواق المال، وهذا ما أدى إلى انتهاك حقوق صغار المساهمين. وبالرجوع إلى قانون الشركات الكويتي السالف الذكر فإن المادة 209، ذكرت أن تبني هذا التصويت جائز، ويترك لعقد الشركة إقرار هذا النظام، وهذا مما يصعب من تبني هذا النظام بشكل أكبر لأن إعطاء الصلاحية لعقد الشركة أي لمؤسسي الشركة الخيار بتني نظام تصويتي مناقض لمصلحته أمر غير معقول. فيجدر بالمشرع أن يترك إلزامية التصويت التراكمي لهيئة أسواق المال لتنظيمه بالشكل الذي يتناسب مع كل شركة، وحتى تتم حماية حقوق أقلية المساهمين بشكل أفضل. * باحثة دكتوراه في قانون الشركاتUniversity of Leeds United Kingdom