لليوم الثاني على التوالي، استمر وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة بقيادة حركة "حماس"، وانتهز سكان القطاع فرصة توقف القصف وعودة الحياة تدريجياً للخروج وتفقد الأضرار والبحث عن ناجين تحت أنقاض منازل ومبان سُوّيت بأكملها بالأرض خلال 11 يوماً من الغارات والقصف المتبادل.

وفي حين أعلن كل من الطرفين انتصاره وتحقيق أهدافه من رابع حرب بينهما منذ 2008، واصلت مصر، التي توسطت لوقف القتال بدعم من الولايات المتحدة، أمس، مساعيها لتثبيت الهدنة وإعادة إعمار قطاع غزة.

Ad

ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وتمكن قوافل المساعدات الإنسانية من دخول غزة، وصل وفدان مصريان إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية "لمراقبة" احترام الهدنة من الطرفين.

وتلقى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالاً من نظيره الإسرائيلي غابي أشكينازي تباحثا خلاله الإجراءات الكفيلة بتسهيل عملية إعادة إعمار غزة، بينما زار وفد أمني مصري الضفة للقاء مسؤولي السلطة وبحث متطلبات وشروط تثبيت وقف اطلاق النار.

وقالت مصادر مصرية مطلعة، لـ "الجريدة"، إن القاهرة تبذل قصارى جهدها من أجل تثبيت وقف إطلاق النار بين الجانبين في المرحلة الحالية، ومن ثمة الوصول إلى هدنة طويلة كنقطة ثانية، وأن الوفد المصري يستطلع الآراء حول إجراء مشاورات غير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مصر، بهدف تثبيت الهدنة.

وتابعت المصادر: "إذا نجحت القاهرة في النقطتين الأولى والثانية، سيتم البدء في النقطة الثالثة المتعلقة ببدء الإعمار الذي ستشارك فيه مصر بقوة، بالتعاون مع المنظمات الدولية والفصائل الفلسطينية، في إطار الدعم المصري المتواصل للأشقاء الفلسطينيين، وأن القاهرة على أتم الاستعداد لتقديم ما تملكه من قدرات وإمكانات للمساهمة في إعادة الإعمار".

وسبق أن أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي تقديم 500 مليون دولار للمساهمة في إعادة الإعمار في قطاع غزة، بالتوازي مع تواصل المساعدات المصرية لقطاع غزة، إذ أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي، عن تقديم القاهرة "أضخم قافلة مساعدات للقطاع"، أمس، وتضم 130 شاحنة عملاقة محملة بـ 2500 طن مواد غذائية وأدوية وألبان أطفال، وملابس ومفروشات، وأجهزة كهربائية، وغيرها من المواد المتنوعة.

مساعٍ أميركية

وبالتوازي مع التحركات المصرية، يبدأ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن زيارة إلى المنطقة يومي الأربعاء والخميس تشمل إسرائيل والضفة الغربية ومصر وكذلك الأردن، وذلك ضمن الجهود الرامية لترسيخ الهدنة ومناقشة جهود الإعمار، بحسب وزارة الخارجية ووكالة رويترز.

وفيما بات موضوع إعادة إعمار غزة محوراً في الجهود الدبلوماسية لإدارته، تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بتحقيق هذه المهمة بالعمل مع رئيس الفلسطينية محمود عباس، الذي لا يملك أي نفوذ على القطاع، والامم المتحدة، مما سيخلق تعقيدات لناحية كيفية التعاون مع الحاكمة الفعلية (حركة حماس)، التي تعتبرها واشنطن وإسرائيل والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية.

وقال بايدن، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الكوري الجنوبي مون جاي، أمس الأول، إنه يعتزم تأمين مساعدة مالية "كبيرة" بالتعاون مع الأسرة الدولية "لإعادة إعمار غزة"، لكن "من دون إعطاء حماس الفرصة لإعادة بناء ترسانتها المسلحة".

وفي إطار العراقيل أمام مهمة إعادة الإعمار، ربط وزير الدفاع بيني غانتس السماح بهذه العملية بضرورة معرفة مصير جنوده المفقودين في القطاع، مؤكداً أن قادة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" ليسوا في مأمن، ولا يستبعد بتاتاً احتلال غزة والتواجد فيه لبضع سنوات لإسقاط حكمهم.

في المقابل، ربط مسؤولون أوروبيون امكانية التفاوض بشكل غير مباشر مع "حماس" بالمصالحة الفلسطينية الداخلية، بينما لم يتضح مصير الانتخابات الفلسطينية التي أجلت.

وفيما بدا ان حركة "فتح" تحاول ابقاء الزخم في الضفة الغربية، حيث تواصلت التظاهرات والمواجهات مع القوات الاسرائيلية، في مسعى لعدم السماح لـ "حماس" بتحويل احداث غزة الى اكتساح سياسي داخلي للحركة الإسلامية، هاجم مصلون في المسجد القبلي بالحرم القدسي الشيخ محمد حسين مفتي القدس والديار الفلسطينية، أمس الاول، بعد إشادته بالرئيس عباس في خطبة الجمعة، معترضين على ان "الخطبة لم تشمل تحية للمقاومة". وأظهرت لقطات فيديو هتافات المصلين داخل المسجد ضد عباس والسلطة الفلسطينية، وقيامهم بإنزال الشيخ من على منبر المسجد بالقوة، في خطوة تظهر حجم التوتر الفلسطيني-الفلسطيني.

وفي مؤتمره بالبيت الأبيض، قال الرئيس الأميركي: "لا تغيير في التزامي أمن إسرائيل إطلاقاً، نقطة على السطر، التغيير هو أنّنا ما زلنا بحاجة إلى حلّ الدولتين وهو الحلّ الوحيد"، مشدداً في الوقت نفسه على أنه "لن يكون هناك سلام ما لم تعترف المنطقة بشكل لا لبس فيه بإسرائيل دولة يهودية مستقلة".

ورأى بايدن أن الهدنة "فرصة حقيقية" للتقدّم نحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط. وصرح بايدن بأنّه طلب من السلطات الإسرائيلية العمل على وقف الصدامات بين العرب واليهود في القدس، معتبراً أنها "من فِعل متطرّفين من الجانبين".

انتصار مزدوج

ومنذ إعلان الهدنة مساء الخميس، أعلن كل من الطرفين "انتصاره". ووجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كلمة إلى الإسرائيليين نقلها التلفزيون، وقال إن العملية العسكرية الإسرائيلية أضرت بقدرة "حماس" على إطلاق الصواريخ عليهم، لكن مراقبين ووسائل إعلام عبرية شككت بهذا الزعم، معتبرة ان هناك مبالغة في مدى الضرر الذي تعرض له المخزون الصاروخي الحمساوي.

في المقابل، تحدث رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية عن "انتصار إلهي وتاريخي". وفي اتصال مع قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي، عبر هنية عن شكره لإيران ودعمها الفصائل بالمال والسلاح.

تعبئة بالضفة

وفي حين سكتت أصوات القنابل والمدافع والصواريخ في غزة، عبأت إسرائيل المئات من الشرطيين وعناصر حرس الحدود، مع تجدد المواجهات في القدس الشرقية المحتلة مع المحتجين الفلسطينيين في باحة المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وبلدات ومدن الضفة.

واندلعت صدامات جديدة، أمس الأول، بين المصلين والشرطة في باحة المسجد الأقصى، واعتقلت القوات الاسرائيلية 67 فلسطينياً في القدس والضفة الغربية، في حين تتوجه الأنظار اليوم إلى انتهاء الحظر الإسرائيلي لدخول اليهود الى منطقة الحرم القدسي.

وفي مؤشر إلى مواجهة مقبلة، أعلن مستوطنون نيتهم تنفيذ اقتحام كبير لباحات الأقصى اليوم استجابة لدعوة وجهتها جماعات "هيكل سليمان"، في حين دعا نشطاء فلسطينيون أمس إلى الاحتشاد والرباط في المسجد الأقصى المبارك للدفاع عنه وإفشال أي استفزاز.

مواجهة الـ 11 يوماً بالأرقام

أدّت المواجهة التي استمرت 11 يوماً بين إسرائيل وحركة "حماس" في قطاع غزة إلى خسائر مادية وبشرية. وفيما يلي بعض الأرقام المعلنة حول هذه الخسائر:

• 243 فلسطينياً بينهم 66 طفلاً قُتلوا في قصف إسرائيل.

• 1900 فلسطيني بينهم 560 طفلاً أصيبوا.

• 91 ألف فلسطيني اضطروا للفرار من منازلهم.

• 205 منشآت سكنية أو منازل دُمِّرت بشكل كامل في غزة.

• عشرات الملايين من الدولارات قُدِّرت الخسائر المادية.

• 12 إسرائيلياً بينهم طفل وفتاة عربية إسرائيلية و3 أجانب قُتِلوا من الجانب الإسرائيلي.

• 357 شخصاً أصيبوا جراء إطلاق الصواريخ الفلسطينية.

• 4300 صاروخ أُطلِقت من غزة باتجاه إسرائيل.

• 2.14 مليار دولار تقديرات أولية لخسائر إسرائيل الاقتصادية.

القاهرة- حسن حافظ