عن التفكير النقدي

نشر في 23-05-2021
آخر تحديث 23-05-2021 | 00:18
 حسن العيسى أي إنسان حين يجلس مع وحدته يفكر بحوار مع الآخر، يقلّب أفكاره ويَزِنها، حتى يصل إلى رأي أو قناعة خاصة به، الآخر الذي يحاوره هو ذاته لا غير، لكن هذا الإنسان في مثل عالمنا العربي يكون في كثير من الأحيان شبه آلي، بسبب نوع التربية الأبوية القمعية في المنزل والتعليم التلقيني في المدارس، حتى جامعات "احفظ رأي مقرر المادة" وتنجح بامتياز دراسي وفشل عقلي، ينتهي الدارس بها بقناعات معلّبة في قوالب قديمة عفى عليها الزمن وتجاوزتها العلوم الحديثة، لكنّه في آخر الأمر يستسلم ويرتاح لها نفسياً، فهي توفر له الإيمان الروحي مع الأكثرية ورأي الجماعة.

هذا الإنسان شبه الآلي يعاني العقل المغلق، والخداع الذاتي (مَن يذكر سارتر وفكرته عن سوء الطويّة؟) وتغيب عنه العقلانية، ويعاني غطرسةً فكرية ونفاقاً وجشعاً وأنانية يبتعد عنها الفكر النقدي، ويستسلم صاحبها لرأي القطيع ويسايره، مهما بعُد هذا الرأي الجمعي عن الحقيقة.

الكلام هنا عن التفكير النقدي، وقد لخّصه الباحثان ريتشارد بولد وليندا، في كتيب "الدليل الصغير في التفكير النقدي". لكن كيف عرف الكاتبان التفكير النقدي بكل بساطة، هو عندهما يكمُن في فن التحليل والتقييم للرأي بقصد تطويره للأفضل، التفكير النقدي يتطلب مثابرة واجتهاداً ومراقبة وتصحيحاً للذات، ويُبعد عنه المركزية الجماعية والبصم على المسلّمات الاجتماعية السائدة.

صاحب التفكير "غير النقدي" تجده منسجماً ومستسلماً للسائد، سواء كان هذا "السائد" هو سلطة الحكم التي يجدها دائماً على حق، أو السلطة الاجتماعية بكل مضامينها التي توفّر له الاستقرار النفسي والاستسلام للمألوف المتعارف عليه، هذا الإنسان منعدم استقلالية التفكير، هو يفكر ويقتنع بما تفكر وتستسلم له الأغلبية أو السلطة الحاكمة.

السؤال الآن عمّا إذا كانت برامجنا التعليمية وطرق التربية في هذه المجتمعات الأبوية "البطركية" قد وفّرت لنا ولو "القلّة" من أصحاب التفكير النقدي، وماذا يحدث لهذه القلة المنبوذة حين تحاول بكل تمويه وتلاعب بالكلمات التعبير عن رأيها المستقل، خوفاً من الملاحقات؟ ماذا يجني أصحابها غير صبّ اللعنات عليهم والجري من الباحثين عن الشهرة والبركة الاجتماعية نحو تقديم الشكاوى القضائية ضدهم؟! وبعد ذلك نسأل أنفسنا السؤال التقليدي: لماذا تقدّم الآخرون وبقينا نحن على تخلّفنا؟

حسن العيسى

back to top