تتعرض المرأة العربية من يوم إطلالتها على هذه الحياة وحتى رحيلها لسلسلة من الإكراهات والمعاملات التمييزية لا لشيء إلا لكونها أنثى، وليس الذكر كالأنثى في العرف الاجتماعي العربي. الأنثى عورة بل مجموعة عورات يجب سترها بالزوج أو القبر، كما قال حجة الإسلام الإمام الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" قبل ألف عام، طبقاً لحديث رفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: "للمرأة عشر عورات، فإذا تزوجت ستر الزوج عورة واحدة، فإذا ماتت ستر القبر العشر عورات". والعورات ينبغي سترها وفرض الوصاية على صاحبتها في كل تصرفاتها، طبقاً للكاتبة سوزان المشهدي في مقالها المتميز "أبيض وأسود" أبدعت في عرض نماذج المعاملة التمييزية التي يمارسها المجتمع العربي تجاه نسائه.
تسعى هذه الورقة لتسليط الأضواء على وضعية المرأة القطرية في ظل التشريعات القانونية السائدة والتقاليد الحاكمة لنظرة المجتمع القطري للمرأة في الحياة العامة، وهي نظرة مرتكزها نظام اجتماعي يقوم على مفهوم "ولاية الرجل" على المرأة، فلا ولاية للمرأة على نفسها في أمر زواجها وعملها وتعليمها وسفرها وسفر محضونها، فلابد من إذن الولي وموافقته طبقاً للمفهوم الفقهي الاجتماعي الحاكم، ولا تكاد المجتمعات الخليجية الأخرى تخرج عن هذا المفهوم في فرض الوصاية على نسائها وتقييد حركتها المجتمعية سواء عبر نصوص تشريعية معلنة، أو تعليمات داخلية تلتزم بها الجهات التنفيذية في تعاملاتها مع المرأة وحدها.تهدف هذه الورقة إلى تفكيك هذا المفهوم الفقهي الاجتماعي، وتجاوزه إلى منظور إنساني يستشرف معطيات العصر وآفاق المستقبل كما يستجيب للمتغيرات الاجتماعية، لكنه يتقيد بثوابت ثمانية حاكمة:1- المقاصد العليا للإسلام المعززة لحقوق الإنسان، بغض النظر عن دينه أو عرقه أو جنسه.2- أهداف ونصوص الدستور القطري في كفالة الحقوق والواجبات المتساوية للمواطنين والمواطنات.3- المواثيق الدولية الداعمة للمساواة بين الجنسين، والتي صادقت عليها دولتنا والتزمت بموجبها تعديل تشريعاتها وتنقيتها من أي تمييز جنسي أو عرقي أو ديني أو مذهبي. 4- قيم ومبادئ وروح العصر ومنطقه.5- المرأة القطرية مواطنة كاملة الحقوق وهي شريكة رئيسة في خطط البناء والتنمية والإنتاج، وعنصر فاعل في الحياة العامة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.6- المرأة القطرية إنسان مكرم من قبل خالقه "ولقد كرمنا بني آدم"، فلها كل حقوقها الإنسانية من غير أي تمييز أو تفرقة.7- يجب التمييز بين اجتهادات فقهائنا العظام في نظرتهم للمرأة في ظل مجتمعاتهم القديمة والثوابت الشرعية المتعلقة بأحكام المرأة في مجتمعاتنا، فالفقهاء أبناء عصرهم، وهم يعكسون ثقافات مجتمعاتهم وعاداتها وتقاليدها وأعرافها الاجتماعية في قراءاتهم النصوص الدينية المتعلقة بالمرأة ويستلهمونها، وعلى ضوئها صاغوا أحكامهم الفقهية بشأنها، والمرأة اليوم في القرن الحادي والعشرين وفي ظل التحولات المجتمعية التي مكنت المرأة أن تكون عنصراً منتجاً في المجتمع؛ غير امرأة الفقهاء التي كانت لا تشارك في التنمية والإنتاج قبل ألف سنة، وبناء عليه نحن غير ملزمين باجتهادات السابقين، مع احترامنا لهم، إلا ما دل عليه نص قاطع الثبوت والدلالة.علينا التمييز بين المتغير والثابت من أحكام المرأة، فكثير من الشرعيين والقانونيين لا يميزون بين الحكم الفقهي المتغير والحكم الشرعي الثابت. الحكم الفقهي رأي فقيه قابل للتغيير بتغير السياق الاجتماعي، أما الحكم الشرعي فمبدأ ثابت.ومن هنا فإن معظم المواد المنصوص عليها في تشريع الأحوال الشخصية (قانون الأسرة) إنما تعكس وضعية المرأة الاجتماعية في الماضي قبل ألف عام، هي في الحقيقة تقاليد العرب لا تعاليم الإسلام الثابتة.8- وأخيراً يهمني تأكيد أن قيادتنا معنية بتفعيل استراتيجية تمكين المرأة القطرية في كل المجالات المجتمعية في ظل الثوابت الشرعية والقانونية والاجتماعية وبشكل متدرج يمهد لوعي مجتمعي وقبول اجتماعي مستنير. من هذه المحددات الثمانية أبدأ حديثي عن مفهوم (الولاية على المرأة) وإلى مقال قادم. * كاتب قطري
مقالات
لا ولاية على المرأة (1) المرأة القطرية نموذجاً
24-05-2021