ينطلق المؤلف في دراسته من أن أي عملية تطور أو إصلاح اجتماعي وسياسي في واقعنا لا يمكن تحقيقها دون فهم وتفاعل مع الحالة الدينية بمختلف تنوعاتها، وعليه تهدف هذه الدراسة، التي أعدها د. علي الزميع، إلى استكمال رصد مسيرة وتطور أبرز التيارات الإسلامية السنية والشيعية على الساحة الكويتية بين عامي 1981 و2019م، التي شهدت زخماً كبيراً على المستويين الفكري والميداني، حيث تعد هذه الدراسة استكمالاً للجزء الأول الذي غطى مسيرتها وتطور حركاتها على الساحة الكويتية بين عامي 1950 و1981م، والذي سبق لـ«الجريدة» أن نشرت ملخصه في حلقات سابقة في العام قبل الماضي. وتقوم الدراسة على ثلاثة أبواب، هي «الملامح الاجتماعية والثقافية والسياسية للمجتمع الكويتي»، و«أهم ملامح التطور الفكري والسياسي للحركات والتيارات الإسلامية»، و«المجالات والفضاءات المجتمعية لنشاط التيارات الإسلامية».

وتتناول بالوصف والتحليل حقبة زمنية يمثل العقد الأخير منها ما يعتبره البعض بداية أزمة لتيارات الصحوة وتراجعها، مما يجعل هذا الجزء من الدراسة تلقائياً محل جدل ونقاش كبيرين، وهو ما تهدف إليه الدراسة أساساً، محاوِلة إيجاد مناخ ثقافي وفكري موضوعي قدر الإمكان، في ظل ما يشهده العمل الإسلامي المعاصر عامة والكويتي خاصة من بدايات لمتغيرات وعمليات مراجعة للذات في خضم حالة من الصراع الشديد الذي يشهده داخلياً وخارجياً، وأمام تحديات عديدة تمثل مفترق طرق لها ولمجتمعاتها.

Ad

وتنبع أهمية الدراسة من أن هذه التيارات الإسلامية الكويتية أدت أدواراً مؤثرة في الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي في الحقب التاريخية المتعاقبة ومازالت تؤدي أدواراً رئيسية، ولهذا ستحاول الدراسة متابعة ملامح هذه الحركات بشكل متوازٍ، مع رصد ملامح تطور الدولة والمجتمع ونموهما في الفترة بين عامي 1981 و2019م.

ويشير الكاتب إلى أنه حاول تجاوز ذكر الكثير من الأمثلة والظواهر المؤججة سلباً للمشاعر والمحيطة بحراك فصائل العمل الإسلامي، حرصاً على منع استغلالها في مناخ الفتنة الطائفية والمجتمعية القبلية والطبقية المستعرة في المجتمع، مع الحرص على ذكر الحالة والقيم التي أفرزتها، التزاماً بالموضوعية، وتجنباً لمحاولة البعض استغلالها في معارك التشويه المتبادل، مع الانتباه إلى أن هذه الحلقات لا تمثل تفاصيل الأفكار ومراجعتها الواردة في ثنايا الكتاب الأساسي، بل هي مجرد محطات وومضات مختارة من متن الدراسة.

وفيما يلي تفاصيل الحلقة الأولى من حركة الإخوان المسلمين:

بعد أن تناول الكتاب الملامح الاجتماعية والثقافية والسياسية للمجتمع الكويتي، جاء الباب الثاني (ص 83 - 167) تحت عنوان «أهم ملامح التطور الفكري والسياسي للحركات والتيارات الإسلامية (1981-2019م)» وتم تقسيم هذا الباب إلى قسمين رئيسين هما: التيارات الإسلامية السنية، والتيارات الإسلامية الشيعية. وتبدأ هذه الحلقة بالتطور الفكري والحركي والسياسي لاحد أبرز التيارات الإسلامية السنية في الكويت «جماعة الإخوان المسلمين».

ملامح لإرهاصات جديدة

اتخذ التطور الفكري والأيديولوجي للإخوان المسلمين في هذه الحقبة مسارا صعبا فكريا وحركيا تأثرا بالواقع السياسي والفكري والاجتماعي المحلي والإقليمي، مع التأكيد على أن الحديث عن التطورات السياسية للإخوان المسلمين لا يمكن بأية حال فصلها عن التطورات والمتغيرات السياسية والفكرية المحيطة تجاه الظاهرة الدينية التقليدية وتجاه الإسلام السياسي، وما أفرزته من تفاعلات متباينة كان لها تأثير رئيس على مسيرة الحركة، ومن أبرزها هيمنة الصحوة الإسلامية كمفاهيم هوية لفترة طويلة وصعود نجم تيار الإسلام السياسي وقراءته السياسية للإسلام حيث جسدت حركة الإخوان تلك التفاعلات بصياغة برامجها ومشاريعها تحت شعار ومبدأ «تطبيق الشريعة الإسلامية» بأبعادها المختلفة المستهدفة والساعية لتغيير الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في أطر وآليات تبنت التغيير الاجتماعي والسياسي للتأثير على القرار، لتحقيق أهدافها وبرامجها تحت شعارات ومنطلقات مختلفة.

كما تأثرت حركة الإخوان المسلمين في الكويت بالعديد من الأحداث المحيطة بها كحادثة الغزو 1990م والتي كان لها أثر كبير في إعادة صياغة لفكرها وكياناتها وأهدافها وتوجهاتها الى آفاق وواقع جديد دعويا وسياسيا، كما كان لموجات الربيع العربي 2011م دور أساسي، وبصور متفاوتة ومتباينة وما لحقها من تطورات وتحديات كبيرة على المستوى العربي والعالمي مما كان له العديد من الضغوط والآثار على الحركة نحو عملية مراجعات وتوجهات جديدة.

وفي هذه المناخات واجهت حركة الإخوان في الكويت العديد من التحديات أو الحوافز جعلتها في صفاف أكثر حركات الإخوان قابلية ومرونة في النمو والتغير ومحاولة التطور النسبي مقارنة بواقع الحركات الإسلامية الحديثة الأخرى، وكان من أهم التحديات التي واجهت الحركة ضعف قدرتها التنظيرية الفكرية والبرامجية أمام الإنجازات الكبيرة والسريعة والمتتالية التي حققتها خلال العقود الأخيرة، إضافة إلى حالة التحول نحو المحافظة والتقليدية فيما يطلق عليه الأسلفه والتراثية التي مرت بها الجماعة ولم تُرض الكثير من الكتلة التاريخية التأسيسية والكوادر التجديدية، فتحفظتْ على هذه المدرسة التي سيطرت على تيار الإخوان فكريا وتنظيميا، وبالأخص من خلال توسع المجموعة التي أطلق عليها «جهاز العاملين» والمشكلة من الأفراد الأكبر سنا في الجماعة، حيث مثلت هذه الكتلة ثقلا عدديا ونفوذا مؤثرا داخل الحركة، وخضعت لقيادة وإدارة ذات فكر يميل إلى المحافظة التراثية لهيمنة بعض خريجي الجامعات الشرعية السعودية منذ عقد الثمانينيات حتى أواخر التسعينيات، مما أدى إلى التحفظ على هذا الخط وإعادة هيكلة هذا القطاع في التنظيم وتوزيعه على المناطق بقصد تقليص تأثيره ونفوذه.

بالإضافة إلى ذلك، استمرت الحركة في معاناتها وحالة الجدلية حول التقليدية التنظيمية التاريخية المبنية على مركزية إدارة قطاعات الحركة الدعوية والسياسية، وسرية التنظيم وهيكليته التراتبية، والتزامه بالمدرسة والتيار الإخواني الخارجي العام فكريا وتنظيميا، مما جعل الكثيرين من قواعدها وقياداتها ينتقدون فقدان الجماعة ميزة الانفتاح والتعددية الفكرية.

أمام هذه الأطروحات النقدية بادرت وأعلنت قيادة الحركة عددا من قرارات المراجعة والتغير معتبرة نتائجها إنجازا فكريا وسياسيا كبيرا، فأما سرية التنظيم فقد أعلنت الجماعة في أكثر من مناسبة إلغائه ضمن مراجعة الكثير من المفاهيم وللبدء في تقنين مؤسساتها التنظيمية وتأطيرها على شكل كيانات اجتماعية وثقافية وسياسية مفتوحة ومعلنة على الساحة.

أما ازدواجية هيكل الحركة وقطاعاتها حركيا وسياسيا، فإنهم يرون أن قرار فصل العمل الدعوي عن السياسي في عام (2012م) من خلال استقلالية الحركة الدستورية الكاملة وإجراء انتخاباتها الداخلية بحضور ممثلي القوى الوطنية والصحافة، يعد إعلانا عن إعادة هيكلة تنظيم الحركة بما يحقق فلسفة وشكلا جديدا للجماعة التاريخية، وبما يتواكب مع المعطيات والمستجدات المحيطة بها. وأما بالنسبة لعلاقة الإخوان في الكويت بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فقد صرحت بأن رابطها الوحيد بها هو بعض الأطروحات الفكرية الإسلامية العامة، وأما دعمهم لمفاهيم التعددية والانفتاح ومفاهيم الدولة الحديثة والديمقراطية، فإنهم يؤكدون أن مسيرتهم السياسية في هذا الأمر تؤكد هذا التوجه الديمقراطي.

قادت كل هذه المؤثرات والمراجعات الحركة للقيام بمحاولة هيكلية تجديدية كاملة على أيدولوجياتها الفكرية والتنظيمية حسب المبادئ والتوجهات التالية:

ملامح الواقع الحالي لكتلة الإخوان

شهدت الحركة حالة من الشد والجذب من تأييد أو رفض أو طرح حلول توفيقية لتطوير فكر الحركة وهياكلها، وكانت هذه الحالة نابعة من بواعث عديدة ومتباينة: فهناك فصيل يطرحها من باب وجوب التطور وتلبية احتياجات الواقع والمستقبل وعدم الوقوف عند الفكر والفقه التاريخي للحركة التي شارفت على عمر السبعين عاما من التأسيس في الكويت، وفصيل آخر يتحفظ على عملية التغيير خوفا من أن تكون دعوة التطور والتغيير مدخلا لتمييع وإذابة فكر الحركة التقليدي النابع من فكر الإمام البنا وحركة الإخوان المصرية، وفصيل ثالث سعى إلى التوفيق بين الرأيين بتبني شيء من التغيير التدريجي الذي يلبي متطلبات الأطراف كلها في الوقت نفسه، رافعا شعار الحفاظ على وحدة الجماعة.

مبادئ التغيير والتجديد
الأول: الانفصال عن تنظيم الإخوان المسلمين العالمي وإلغاء النظام الأساسي والاسم.

الثاني: العلنية ورفض السرية وفصل الدعوي عن التنظيم التاريخي للجماعة، وربط النشاط الدعوي بجمعية الإصلاح في إطار فكري وهيكلي وبرامجي وفضاءات خاصة ذات استقلالية في الإدارة والقرار تشمل النشاط الاجتماعي والثقافي والتربوي الدعوي والخيري - داخل الجمعية.

الثالث: استقلال العمل السياسي عن تنظيم الجماعة، بوضعه تحت واجهة ما أطلق عليه الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) بصورة تسعى للعلنية والشفافية في نشاطها.

الرابع: استقلال المجالات والقطاعات ذات البرامج والأنشطة العامة ذات التميز التخصصي الاجتماعي أو المهني التي بدأت تتحول إلى فكر وهياكل تنزع نحو الاستقلال الذاتي مع استمرار الإيمان بالرابط الفكري الإسلامي.

الخامس: التنظيم التاريخي المؤطر والممثل للحركة تاريخيا، فلا يزال هو القطاع والجهاز الأهم رغم أنه يعيش حالة من التقلص والجمود وعدم التوازن والوضوح في ظل نمو المجالات الأخرى واستقلالها.

الفقه الحركي

كان الهيكل التنظيمي لحركة الإخوان في الكويت هو القاطرة التي قادت تاريخيا هذه الجماعة منذ التأسيس، واحتوى واختزل كل قطاعاته وأنشطته وبرامجه الفكرية والدعوية والسياسية بشكل مركزي ضمن الإطار الهيكلي الحركي للجماعة، والذي كان يمثل في تركيبته وسياسته صورة منسوخة ومكررة من عموم شكل التنظيمات الإخوانية في العالم المؤسسة منذ ما يقارب تسعين عاما، والمتأثر في نشأته بفلسفة هياكل التنظيمات الحزبية السياسية الشيوعية والنازية السائدة في ذلك الوقت.

وبناء على هذا التأصيل والتراكم التاريخي للأحداث نشأت حالةٌ من التراث الوجداني تجاه هذا التنظيم لكونه المحور المنتج للمسيرة التاريخية، وكرس ذلك علاقة نفسية وعاطفية بين الكثير من قواعد التنظيم وعناصره وولائها له، وما يمثله من فكر وفلسفة ترى أن الأجدى هو بقاء هذا التنظيم بمركزيته الهرمية ومحوريته في إدارة عموم أنشطة الفضاءات الإسلامية وبرامجها وهياكلها، اجتماعية أو سياسية أو دعوية.

فامتلك الهيكل التنظيمي للجماعة هالة تقربه من القدسية بشكل ما، رغم أنه في النهاية آلية عمل بشري أنتجتها تياراتٌ فكرية في حقب زمنية لتفعيل فكرها بما يناسب معطياتها الداخلية والمناخات المحيطة بها لا أكثر.

فمنذ تأسيس حركة الإخوان في أواخر العشرينات وفي عموم حركات الإسلام السياسي وتياراتهم ومؤيدوهم اعتبروا أن التنظيم المغلق هو النموذج والشكل الشرعي والمصلحي الأمثل لعملية ملْء الفراغ السياسي والشرعي لحين تمكن الأمة من تطبيق الشريعة والنظام الإسلامي، ويأتي ذلك في ظل إيمانهم بأن الأولوية في الحراك والنشاط الإسلامي يجب أن تكون بنسبية متوازية ومتوازنة من الاهتمام بالشأن السياسي والدعوي والاجتماعي والروحي، إلا انهم على أرض الواقع ينزلقون إلى التركيز على العمل السياسي باعتبار أن له الأولوية في التغيير مناقضين بذلك فكرهم المعلن.

وإن كان هناك الكثير من التبرير والتحليل لهذه الظاهرة، إلا أن أبرز معطيات هذا الانجرار تاريخيا قد يتمثل في الفهم الخاطئ والقاصر لديهم بأن التغيير على الأرض شرعا منوط بهم كجماعات وحركات، متجاوزين أن دورهم شرعا وعقلا ينحصر ويتمثل في الإسهام في تحريك وتفعيل المجتمع الإسلامي ومكوناته للقيام بهذا الدور إجمالا وعلى عموم المستويات، انطلاقا من المفهوم العقائدي والشرعي بأن الله عز وجل استخلف عموم بني آدم في الأرض لإداراتها وإعمارها لا فئة أو أفرادا منهم.

في ظل مثل هذا الخضم من الجدل، برزت في العقود الثلاثة الأخيرة مراجعاتٌ كثيرة داخل جسم التيار الحركي الإسلامي السياسي من معطيات وخلفيات متباينة، تدعو إلى أن منهج التغيير وأسلوبه في مجتمعاتنا نحو الأسلمة لا يجوز أن يتمحور ويعتمد على أدوات التغيير السياسي الناتج من حراك التنظيم، بل يجب أن يعتمد على مجالات وفضاءات حراك مكونات المجتمع المدني السلمي والقانوني لهذه المجتمعات، وكلٌ بحسب اهتماماته وقدراته وأولوياته وظروفه.

واجهات علاقة الجماعة بالمجتمع

وبرزت هذه المسيرة من المراجعات حول علاقة الجماعة بالمجتمع متفاعلة ومرتبطة بالعديد من التجارب العربية والإسلامية، إذ إن الجماعة في الواقع الكويتي منذ الخمسينيات حتى نهاية الثمانينيات من القرن الفائت كانت قائمة في ممارسة نشاطها الميداني على فقه وسياسات حركية وتنظيمية منسوخة بالكامل من الجماعة الأم المصرية فقط.

كانت أبرز مراحل التغير والتطور لهذا الهيكل التنظيمي الكويتي مرتبطة في حقب كثيرة وحتى الثمانينيات بجدلية مدى نسبية ارتباطه بالتنظيم الدولي، وزاد من بروز هذه الجدلية والإشكالية في طبيعة العلاقة والارتباط الحجم الكبير للوجود السكاني العربي في الكويت، وخاصة من مصر وفلسطين، مما أوجد شبكة متداخلة من العلاقات التنظيمية، دخلت في مراحل كثيرة في حالة من التباين والصراع الخجول بين هذه المجاميع في علاقتها الحركية والهيكلية، من حيث التبعية والاندماج تحت التنظيم الدولي أو الاستقلالية المحلية والوطنية للحركة الإخوانية الكويتية.

واستمرت هذه الصراعات في حالة من التذبذب والاضطراب حتى حسمتْ في أوائل التسعينيات نتيجة للموقف السلبي من التنظيم الدولي للإخوان من الغزو العراقي للكويت حتى انتهى الجدل حول هذه العلاقة إلى تبني مبدأ انفصال التنظيم الكويتي عن الجماعة الأم واستقلاله، ويبدو أن حماس تغيير الحركة وتطويرها كان طاغيا، وخاصة بعد صدمة الغزو وتداعياته على الساحة الإخوانية سلبا، مما توج مسيرة هذه الرغبة بسرعة توالي قرارات التطوير دون تنظير وتأصيل كاف لمضامين فكرية وإطار استراتيجي وسياسات متكاملة لإعداد الرؤى البديلة.

وكان فصل النشاط الدعوي واستقلاله أحد أبرز البدايات لهذه المراجعات وتجسد في استقلال جمعية الإصلاح كإطار للعمل الدعوي المجتمعي، وفي المقابل تم تأسيس الحركة الدستورية «حدس» كمؤسسة سياسية منفصلة ومستقلة، إضافة إلى الاستقلال النسبي لفضاءات العمل النقابي والخيري والتي أصبحت الآن هي الواقع الجديد الذي يأمل معظم الإخوان أن يمثل الصورة الجديدة والحديثة لفكر تيار الإخوان وصورته المستقبلية المنشودة؛ ومن المؤكد أن القصة لم تنته، وأن التحديات والأسئلة لم تختف، فالتراث الفكري والحركي التقليدي ما زال موجودا بشكل ما، وبالأخص في قواعد جمعية الإصلاح والحركة الدستورية ممثلة بجمعياتها العمومية.

لقد كان هناك خللٌ وتراخ في رسم الرؤية الاستراتيجية المتكاملة مع اندفاع في إنتاج مؤسسات جديدة وإلغاء الكثير من السياسات والآليات التقليدية المرتبطة بهيكل التنظيم وجسمه، وخصوصا ذات الأبعاد الفكرية واللائحية والنظامية دون تأسيس هيكل ونظام متكامل للبديل، مما أحدث واقعا يبدو ظاهريا أكثر تطورا وملاءمة للواقع في كثير من الصور، إلا أنه يحمل بعض الخلل الذي قد يعوق انطلاقته ومسيرته المستقبلية، ويجعله يعيش حالة انتقالية غير متوازنة داخليا وخارجيا، وذلك للكثير من المعطيات والأسباب.

ماذا بعد التخلي عن الجماعة عالمياً؟

وهنا يبرز كثيرٌ من النتائج والآثار والتساؤلات على الأرض لهذه الإجراءات التي لم يتم التعامل معها بشكل جاد من قبل الجماعة أو المهتمين أو المتابعين، سواء بقصد أو نتيجة للحماس والاستعجال في التطوير أو خوفا من ردود فعل داخلية مضادة لهذه الإجراءات، ومن أبرز هذه النتائج أن الجماعة تخلت رسميا بإلغاء نظامها الأساسي التاريخي عن منظومة وتيار الإخوان المسلمين في العالم، وبناء على إلغاء النظام الأساسي سقط وألغي اسمها التقليدي «جماعة الإخوان المسلمين» بعد 70 عاما تقريبا.

كما تبع هذه الهياكل الجديدة تلقائيا إلغاء التسميات التاريخية، بدءا من اسم الحركة إلى تسميات الوحدات والمناصب وغيرها، كما تم إلغاء الكثير من الإجراءات واللوائح كنظام البيعة الشرعية التي كانت تتم من أعضاء الجماعة، وهو نظام أشبه بالقسم على الإخلاص للحركة الذي كان يعطي شرعية دينية وسياسية مبالغا فيها للتنظيم، ويميزه عن غيره من الحركات تجاه المجتمع والدولة ومؤسساتها وأنظمتها.

تغير مفاهيم الحركة

في إطار هذه الثقافة والمناخ الجديد، تغيرت الكثير من المفاهيم الحركية داخليا وخارجيا، فبدأت حركةٌ وفلسفةٌ وسياساتٌ جديدةٌ في عملية التجنيد والحشد والتنظيم للأعضاء داخل الحركة، وأخذت برامجها ومناهجها خطا فكريا يتباعد تدريجيا عن الفكر الإخواني التاريخي إلى فكر إسلامي عام مع وجوب دراسة وملاحظة مدى نسبية نجاح مثل هذه الآليات، والمضامين الفكرية الجديدة من عدمها من بداية عملية التحويل إلى الآن.

كل هذا يضفي على الحركة صبغة واضحة نسبيا، ترضخ فكرا وقانونا وبرضاها ولوائحها طوعا لتقويم ورقابة الرأي العام والقانون، من خلال إعلانها كإحدى حركات العمل المجتمعي المدني الداعي إلى التنمية البشرية بقيم دينية من خلال جمعية الإصلاح، وتحت إشراف الجهات الرسمية، إضافة إلى إعلانها عن استقلال العمل السياسي باعتبارها فصيلا سياسيا ذا مرجعية وطنية كويتية يستمد فكره ومرجعيته من الدستور والفكر الإسلامي تحت إطار الحركة الدستورية الإسلامية، وبهذا تكون قد تكون قد حسمت قضية كونها بديلا شرعيا وسياسيا للنظام السياسي الحاكم أو القوى السياسية الوطنية الأخرى ارتضت أن تكون إحدى هذه القوى المنافسة في إطار ومناخ تعددي.

أما على المستوى الخارجي، فاختفت المشاركات التنظيمية الرسمية التقليدية لإخوان الكويت في فعاليات هذا التنظيم، وركزت على علاقات إسلامية خارجية ذات واجهات ومرجعيات إسلامية عامة. وفي ظل هذه المعطيات المتباينة ولفهم أكبر، فإن الأمر يحتاج إلى إلقاء الضوء على بعض تفاصيل التطورات التي أحاطت بهذه المسيرة والتحولات وإعادة هيكلية فكر ومؤسسات الحركة أو الجماعة منذ التسعينيات إلى الآن، وهو موضوع الحلقة القادمة.

التغيير الهادئ والرسمي داخل الجماعة

من بداية النصف الثاني من التسعينيات شهدت الحركة العديد من التغيرات والتداعيات الفكرية والتنظيمية متبلورة بمفاهيم وهياكل جديدة تم مناقشتها وإقرارها واعتمادها بشكل رسمي ولائحي واضح ومن خلال مؤسسات الجماعة الرسمية، مثل مجلس الشورى، الذي أقر هذه المراجعات في عام 2011، ورفعها للجمعية العمومية التي قامت في عام 2012 باجتماع شهير وعليه تم إلغاء النظام الأساسي التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين الكويتية، وإلغاء عموم اللوائح المرتبطة بهذا النظام.

بالإضافة إلى العمل على تنمية أبعاد ثقافية وفكرية جديدة، تم العمل على تغيير المصطلحات والمسميات والشعارات التنظيمية والحركية والتخلي عنها؛ لارتباطها بثقافة الحركات الإخوانية التاريخية في العالم العربي، والتي أصبحت لا تناسب الهيكل الدعوي الجديد.

يتوافر الكتاب بجزأيه في مكتبة أفكار، ذي فيو مول - السالمية

علي الزميع