يتضمن كتاب "وزارة الخارجية الكويتية... النشأة والتطور 1961 - 2021" 5 فصول، إضافة إلى ملاحق متنوعة منها لمراسيم وأخرى لوثائق مهمة.

وعن هذا الإصدار قال المؤلف محمد أحمد المجرن الرومي : "كنت أنوي أن أقدّم النسخة الأولى من هذا الكتاب إلى سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه، لكن قضاء الله الذي لا رادّ له كان أسرع، فانتقلت روحه الطاهرة إلى بارئها، وخسرت الكويت والعالم كله دبلوماسيا لا نظير له؛ إنه عميد الدبلوماسية العالمية الذي قضى أكثر من 4 عقود من الزمان في العمل الدبلوماسي وزيرا للخارجية الكويتية، قبل أن يصبح أميرا لدولة الكويت، فأكمل مسيرة الدبلوماسية في أسمى مآربها، وحرص على لمّ شمل الأشقاء في الخليج عبر مشروع الاتحاد التساعي الذي كان يطمح إلى ضم كلّ من البحرين وقطر والإمارات السبع، وأثمر عن تشكیل دولة الإمارات العربية المتحدة، التي ضمت كلا من أبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة وأم القوين وعجمان والفجيرة، واستقلال كل من البحرين وقطر، إضافة إلى دوره الرائد والكبير في إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج، ولعب - يرحمه الله - دورا كبيرا في حلّ الخلاف بين كل من قطر من جهة والسعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين من جهة أخرى.

Ad

وكان من حُسن حظي أنني عملت إلى جانب المغفور له الشيخ صباح الأحمد عندما كان وزيرا للخارجية، فأتيحت لي فرصة التعرف إلى هذه الشخصية عن قرب، وذلك منذ انضمامي إلى العاملين بوزارة الخارجية عام 1974م.

عرفت الرجل الذي تحمّل عبء الدبلوماسية الكويتية، والذي كانت له صولات وجولات في المؤتمرات لتنفيذ سياسة الكويت بدبلوماسيتها الهادئة المسالمة التي تعتمد على مبادئ أساسية للسياسة الخارجية، رسم سموه، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، خطوطها العريضة.

تلك السياسة القائمة على احترام المواثيق الدولية واحترام سيادة الدول واستقلالها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واتباع سياسة الحياد الإيجابي سياسة ثابتة منذ الاستقلال حتى الآن.

يركز المؤلف على ملامح سياسة الكويت الخارجية ومعاهدة الحماية البريطانية في إصداره، ويقول ضمن هذا الاتجاه: "كانت سياسة الكويت الخارجية في فترة ما قبل الاستقلال ترتكز على معاهدة الحماية التي وقّعها الشيخ مبارك الصباح مع الحكومة البريطانية عام 1899م، والتي تنص على ألا تقيم الكويت علاقات أو اتصالات مباشرة مع أي دولة أجنبية إلا عن طريق بريطانيا التي ترعى المصالح الكويتية وتمثّلها في المؤتمرات والمحادثات مع الدول الأخرى.

وبناء على هذه المعاهدة يتّضح أن بريطانيا هي المسؤولة عن سياسة الكويت الخارجية حتى إعلان استقلالها في 19 يونيو 1961م.

مواجهة القوى الكبرى

تعد معاهدة الحماية بين بريطانيا والكويت الموقّعة عام 1899م تأكيدا على أن الكويت كيان مستقل وقائم بذاته يملك قراره، وهو قرار سياسي كويتي اتخذته الكويت لمواجهة القوى الكبرى المتصارعة حولها في الخليج العربي.

وبعد فترة من الوقت، وبعد أن أحكمت بريطانيا سيطرتها على منطقة الخليج العربي، أصبحت هذه البقعة من العالم لها أهمية استراتيجية خاصة، وأن هناك بوادر بأن هناك ثروة كبيرة تحت أراضيها، ألا وهي النفط، وهو عنصر أساسي ومهم في الصناعة العالمية. ولذلك وقّعت بريطانيا مع جميع حكام الخليج العربي معاهدات حماية مقابل الاستفادة من ثرواتها الكبرى، وبذلك نشأت علاقة بين الطرفين تعتمد على نظرية الراعي والعميل (Pattron client theory)، وهذه النظرية مبنية على وجود طرفين، وأحيانا ثلاثة أطراف تجمعها مصالح مشتركة؛ فإمارات الخليج (الطرف الأول)، تسمى العميل، في حاجة إلى الحماية ضد القوى الكبرى الأخرى التي تحاول السيطرة على الخليج، أما (الطرف الثاني) الراعي، فهو بريطانيا التي هي في حاجة إلى الابقاء على علاقتها المميزة مع هذه الإمارات الخليجية.

الطريق إلى الاستقلال

تقلّد الشيخ عبدالله السالم الصباح مقاليد الحكم عام 1950م، بعد أن نال كثير من الدول استقلالها مع ظهور حركات التحرير والاستقلال عن الدول الاستعمارية، كما حصل في آسيا وإفريقيا ومناطق أخرى من العالم، واتبع الشيخ عبدالله السالم الصباح سياسة استقلالية في كثير من القضايا الخارجية. وقد اعترف المقيم المقيم السياسي البريطاني في الخليج برنارد باروز في تقريره السنوي لعام 1956م بأن "هذه السنة ربما كانت الأكثر صعوبة بالنسبة لنا.

في 19 يونيو 1961م دخلت الكويت عصرا جديدا في تاريخها، وقد كان هذا اليوم (يوم الاستقلال المجيد) تحولا كبيرا في تاريخ الكويت، انتقلت فيه الكويت من إمارة تحت الحماية البريطانية، إلى دولة مستقلة ذات سيادة.

فقد انتهت في ذلك اليوم معاهدة الحماية التي كانت تربط الكويت ببريطانيا (الموقّعة في 23 يناير 1899م) بين الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت والكولونيل ميد المقيم السياسي في الخليج.

ونظرا لهذا الحدث المهم في تاريخ الكويت السياسي أصدرت سكرتارية حكومة الكويت بيانا في يوم الاستقلال يفيد بأن سمو الشيخ عبدالله السالم الصباح، أمير الكويت المعظم، قد تبادل مع السير وليام لوس المقيم السياسي لبريطانيا في الخليج، نيابة عن حكومة المملكة المتحدة، كتابين شكّلا اتفاقية بين الحكومتين، تظل سارية المفعول ما لم يُشعر أحد الطرفين الطرف الآخر برغبته في إنهائها، وبإخطار يسبق هذا الإلغاء بثلاث سنوات على الأقل.

وتنص الاتفاقية الجديدة على أربع نقاط رئيسة: هي:

أ) تلغى اتفاقية 23 يناير 1899م، لكونها تتنافى مع سيادة واستقلال الكويت.

ب) تستمر العلاقات بين البلدين مسيرة بروح الصداقة الوثيقة.

ج) عندما يكون ذلك مناسبا، فإن الحكومتين ستتشاوران مع بعضها في الأمور التي تهمّ الطرفين.

د) لا شيء في هذه النتائج (المواد) السابقة يؤثر على استعداد حكومة المملكة المتحدة في مساعدة حكومة الكويت إذا طلبت حكومة الكويت مثل هذه المساعدة.

ثانيا – إنشاء دائرة الخارجية وتعيين رئيسها:

فرضت المرحلة الجديدة في عهد الاستقلال، التي كانت تتطلب زيادة العلاقات مع الدول الأخرى والمنظمات الإقليمية والدولية، إنشاء دائرة جديدة تعنى بالشؤون الخارجية للكويت، وقد كانت الأمور السياسية والدولية في السابق تتبع سكرتارية الحكومة الملحقة بالديوان الأميري، وحيث إن صاحب السمو بين في خطاب الاستقلال الخطوط العريضة، ورسم سياسة الكويت الخارجية، فإن إنشاء دائرة تعنى بالشؤون الخارجية لدولة الكويت وتنظم علاقاتها مع العالم، لا يتم إلا بفتح السفارات والقنصليات في الخارج، ليكون التواصل مباشرة مع الدول العربية والدول الأخرى؛ ففي 29 أغسطس صدر المرسوم الأميري رقم 13 لسنة 1961م بدمج وتحويل سكرتارية الحكومة إلى دائرة الخارجية، التي تختص دون غيرها بالقيام على الشؤون الخارجية، وانتقالها إلى المقر الجديد لدائرة الخارجية.

وبعد صدور المرسوم بإنشاء دائرة الخارجية، كان لا بدّ من اختيار شخص يرأس هذه الدائرة الجديدة التي تعنى بالشؤون الخارجية للكويت وعلاقاتها مع الدول الأخرى، لذلك صدر المرسوم الأميري رقم 16 لسنة 1961م في 3 أكتوبر 1961م، الذي نص على الآتي: "عُيّن صباح السالم الصباح رئيسا للخارجية، بالإضافة إلى عمله الحالي"، وبصدور هذا المرسوم أصبح الشيخ صباح السالم الصباح أول رئيس للخارجية، إضافة إلى عمله رئيسا للشرطة والأمن العام، وأصبح بعد ذلك أول وزير للخارجية بعد الاستقلال.

بعد تعيين الشيخ صباح السالم الصباح رئيسا لدائرة الخارجية، التي أصبحت فيما بعد تسمى "وزارة الخارجية"، كان لا بدّ من وجود هيكل تنظيمي للإدارة الناشئة، التي تعتمد أساسا على العنصر البشري، فطلب الشيخ عبدالله السالم إلى بعض الشخصيات الكويتية الشابة؛ ومنهم جاسم القطامي، ويعقوب الحميضي، ود. أحمد الخطيب، وعبدالله أحمد حسين الرومي، أن يشكّلوا النواة الأولى لوزارة الخارجية.

وفي يوم 12 يونيو 1962 صدرت عدة مراسيم لعدد من الدبلوماسيين وتحديد أقدمياتهم ليصبحوا أول دفعة دبلوماسيين يعيّنون بالوزارة، وصدر مرسوم بتعيين وزراء مفوضين وهم: عادل نجم الدین جراح، وخالد الخرافي، وعبدالله أحمد حسين الرومي، وراشد عبدالعزيز الراشد، ويعقوب الرشید.

الكويت والأمم المتحدة

في السابع من مايو 1963م أرسل رئيس مجلس الأمن مندوب فرنسا إلى الأمين العام للأمم المتحدة رسالة يخطره فيها بأن مجلس الأمن يوصی الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالإجماع، بقبول الكويت عضوا في هيئة الأمم المتحدة، وألقى الشيخ صباح الأحمد وزير خارجية الكويت كلمة دولة الكويت في هذه المناسبة السعيدة للكويت وانتصارها لنيل العضوية، في فترة من الزمن سادتها روح التنافس بين القطبين؛ الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وحلفائها، وصعد الشيخ صباح الأحمد المنصة الرئيسة في الجمعية العامة وألقى الخطاب.

الغنيم: الكتاب يقدّم مسحاً شاملاً لتاريخ المؤسسة

قال د. عبدالله يوسف الغنيم عن الإصدار: "حينما فاتحني الأخ الكريم السفير محمد أحمد المجرن الرومي عن رغبته في إعداد کتاب عن تاريخ وزارة الخارجية بدولة الكويت؛ نشأتها وتطورها، رحبت بذلك كل الترحيب، فقد وجدت أن هذه فرصة طيبة لتوثيق أعمال تلك الوزارة على يد أحد أبنائها؛ فوزارة الخارجية الكويتية من أهم الوزارات في الدولة، ولها آثارها الكبيرة في تعزيز العلاقات الطيبة مع مختلف دول العالم، وهو الأمر الذي شهدت به المحافل الدولية، ولا أشك في أن لهذه الوزارة إسهاما كبيرة في حصول الكويت على لقب "مركز العمل الإنساني"، الذي منحته الأمم المتحدة إياها لأول مرة في تاريخ تلك المنظمة الدولية".

وأضاف: "ويأتي هذا الكتاب ليقدّم مسحا شاملا ومستحقا لتاريخ هذه المؤسسة المهمة، تتبّع فيه مؤلفة نشأتها وتطور أعمالها، والرجال الذين تعاقبوا على العمل فيها ونشاطاتها المختلفة. وقد بذل المؤلف جهدا كبيرا عبر عدة سنوات من البحث وجمع المعلومات، وتخلل ذلك مجموعة من اللقاءات مع بعض الروّاد الذين قدّموا مشكورين معلومات ليست متاحة في المصادر التي بين يدينا".

فضة المعيلي