يبدو أن في لبنان من يبحث عن فرص لإضاعة الوقت لا أكثر، فكل الخطوات التي تطرح في الكواليس أو في العلن، لا تشير إلى وجود نوايا حقيقية وجدية لتشكيل حكومة سريعاً، بل تثبت كل المعطيات الظاهرة أن عملية التعطيل داخلية بحتة، بسبب الصراع الشخصي بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. إلا أن جهات سياسية نافذة تقول بوضوح إنه «لا قرار إيرانياً بتشكيل الحكومة، بل بالعكس هناك قرار واضح بتأجيل كل الاستحقاقات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في إيران، حيث من المتوقع أن تستعيد مفاوضات فيينا زخمها لتبدأ طهران بطرح أوراق التفاوض في مختلف ساحات الشرق الأوسط، التي تمتلك فيها تأثيراً ونفوذاً».ويستشهد أنصار هذه الرواية بصمت «حزب الله» المطبق حيال كل الملفات والتطورات الحاصلة، بدءاً بملف ترسيم الحدود، ووصولاً إلى التسوية المفترضة بين عون والحريري لتشكيل الحكومة. ويوحي الحزب أنه لا يهتم إذا شكلت حكومة أم لا، وهو يعتبر أنه إذا أُلّفت الحكومة فستراعي له ظروفه ووضعيته، ولن يكون لها أي تأثير سلبي عليه، ولن تتخذ أي خطوات تتعارض مع مصلحته، كما أنه في حال لم تتشكل سيستمر في تسيير أمور حكومة تصريف الأعمال، ويبقى محافظاً على وضعيته، التي من خلالها يتمكن من مراكمة الأهداف بناء على أخطاء الآخرين، وحاجتهم إليهم.
تلك الحاجة تتجلى من خلال مواقف القوى المتصارعة والمتعارضة، فعون يحتاج إلى دعم الحزب، وكذلك الحريري، بينما يتهرب الحزب من إحراجه في خانة ضرورة الاختيار أو التفضيل بين عون والحريري، وهذا أكبر مؤشر على أن لحظة التسويات لم تحن بعد، ولذلك لا يريد الحزب اتخاذ أي موقف. تحت هذا السقف، تبرز كل الخلافات والصراعات الشخصية والسياسية والمصلحية، وتتفرع منها نقاشات لا طائل منها حول النزاع على الصلاحيات الدستورية، أو البحث في تعديل الدستور، أو حتى الدعوة إلى طاولة حوار في قصر بعبدا، لمناقشة أزمة تشكيل الحكومة، وبرنامج الإصلاحات وصولاً إلى النقاش في تعديل النظام. كل هذه الأفكار المطروحة، التي يبحث في إمكانية اللجوء إليها رئيس الجمهورية، لا تؤشر إلى وجود أي استعجال لمعالجة الأزمة، بل ستكون فرصة جديدة لكسب الوقت وتمضيته ريثما تعبر الانتخابات الإيرانية، وتتضح وجهة المفاوضات الدولية والإقليمية.داخلياً، لا جديد على الساحة، بانتظار ما سيقرره عون، الذي يفكر بالدعوة إلى حوار حتى الآن لم يحصل على استجابة الفرقاء حوله، وهناك من يتساءل: مادام مجلس النواب موجوداً فما الحاجة للحوار؟ بينما تشير مصادر قريبة من عون إلى أنه لن يسكت على ما تعرض له في مجلس النواب، وهو يبحث في كيفية الردّ على تصرّف رئيس المجلس نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وقد ينطوي ذلك على خطوات تصعيدية. في هذا الإطار، يحاول عون أيضاً حشر حزب الله باتخاذه موقفاً يؤيده، وقد حصل تواصل بين «التيار الوطني الحرّ» وحزب الله للتنسيق، وطمعاً في الحصول على موقف داعم من أمين عام الحزب حسن نصرالله في خطابه يوم الثلاثاء بذكرى التحرير.لكن الحزب، بحسب المصادر القريبة منه لن يقوم بأي مبادرة لمعالجة هذه الأزمة، في ظل استمرار التباعد بالمواقف، كما أنه لا يريد أن يكون على طرف نقيض مع بري، الذي يدعم الحريري في مهمته، ولا يوافق عون على شروطه ومطالبه.أمام هذا الواقع، تستمر المراوحة اللبنانية على الصعيدين المالي والاقتصادي، في ظل غياب أي رؤية واضحة لمعالجة ملف الدعم ورفعه، وسط معلومات تفيد بأن كل الضغوط تتركز على مصرف لبنان للاستمرار في عملية الدعم في الأشهر المقبلة، تجنباً لحصول انفجار اجتماعي هائل بحال تم رفعه. وما بين إيقاعي الانهيار سياسياً ومالياً، برزت في الأيام الماضية مخاوف أمنية جدية من حصول توترات على الساحة اللبنانية، خصوصاً بعد المواجهات بين مناصرين للقوات اللبنانية ومواطنين سوريين والعرض العسكري، الذي أجراه الحزب السوري القومي الاجتماعي في شارع الحمرا وتخللته رسائل تهديد لرئيس القوات سمير جعجع، وهذا واقع ينذر بإمكانية توتير الأجواء أو استغلال الاستعصاء والانهيار لمصلحة استخدام الشارع كمنصة لتوجيه الرسائل.
أخبار الأولى
لبنان: «حزب الله» يؤجل حسم الاستحقاقات السياسية
25-05-2021