اعتاد العاملون في المكاتب في أنحاء روسيا على قول العبارة التالية: "لنترك هذه المسألة إلى فترة ما بعد الأعياد"، حيث تشير هذه الفترة إلى عطلة طويلة تبدأ بعيد الميلاد ورأس السنة ويليها عيد مخصص للرجال والنساء في فبراير ومارس، ثم تبدأ مرحلة انتقالية سلسة وصولاً إلى عطلة طويلة في شهر مايو، ثم يبدأ فصل الصيف وينتهي باقتراب عيد رأس السنة مجدداً.هذه المزحة شائعة لكنها ليست مضحكة جداً لأن هذه الأعياد كلها لا تسمح بإنجاز أي أعمال جدّية، ففي كل مرحلة من المراحل، يقول أحدهم: "لنفعل ذلك بعد الأعياد"! إنه جزء من التقاليد البيروقراطية المنتشرة في كل مكان، لكن الموسم السياسي هذه السنة أضاف عبارة مشابهة أخرى: "لننتظر إلى ما بعد الانتخابات"! يشير هذا الاستحقاق إلى انتخابات مجلس الدوما في شهر سبتمبر.
يظن معظم المراقبين أن الانتخابات المرتقبة هي التي تدفع السلطات الروسية إلى التصرف بطريقة عصبية، فتُصِرّ على إلصاق صفة "المتطرفين" بجميع السياسيين والناشطين المعارضين وتعتبر عدداً متزايداً من الصحافيين "عملاء للخارج".يبدو أن الكرملين يخشى تكرار ما حصل في بيلاروسيا في السنة الماضية، حين نزل مئات الآلاف من الناس إلى الشارع للاحتجاج سلمياً على نتائج الانتخابات التي زوّرها ألكسندر لوكاشينكو بكل وضوح لمصلحته.ولمنع تكرار الأحداث نفسها في روسيا، تبذل السلطات قصارى جهدها لمنع المرشحين "الخطيرين" (أي الأسماء التي تحظى بشعبية واسعة) من المشاركة في الانتخابات، ولتحقيق هذه الغاية، سارعت السلطات في المقام الأول إلى إقرار قوانين جديدة لها أثر رجعي، لكنها تستعمل أيضاً تكتيكاً أثبت فاعليته مع مرور الوقت ويقضي بتوجيه تُهَم جنائية ضد أي شخص لا ترغب في ترشّحه، كذلك، تسمح السلطات الروسية لأداة القمع بكبح مسار كل من يعترض طريقها، فتصدر أوامر شبه يومية بتفتيش الأماكن واعتقال الناس.من خلال إقصاء المرشحين الأقوياء، تأمل السلطات منع أي شخص من "سرقة" الانتخابات، ومن خلال إخافة الآخرين لدرجة أن يمتنعوا عن نشر أي رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي (إنها "جريمة" بحد ذاتها وسبق أن سُجنت شخصيات بارزة لهذا السبب لمدة تصل إلى ثلاثين يوماً)، تتراجع النشاطات الرامية إلى تنظيم المسيرات عبر شبكة الإنترنت، إذ تريد السلطات بهذه الطريقة أن تمنع حصول مسيرات احتجاجية واسعة النطاق.لكن هذه الأفكار تبقى مجرّد تخمينات، فلم يفسر الرئيس فلاديمير بوتين ولا أي مسؤول آخر في الكرملين سبب توسّع القمع السياسي وزيادة نفوذ السياسيين الذين يحملون خلفية عسكرية، وعملياً، لا أحد يعرف حقيقة الخطط التي ينوي القادة الروس تنفيذها. لا تزال دوافعهم غامضة ويبقى الخوف غير المنطقي الذي يسببه هذا الوضع الأسوأ على الإطلاق، ولو تأكدنا مثلاً من أن الوضع سيعود إلى طبيعته بعد انتخابات سبتمبر، يسهل أن نسترخي جميعاً حتى تلك المرحلة.لكننا سنخدع أنفسنا للأسف إذا توقعنا تحسّن الوضع بعد الانتخابات، فلا سبب يدعونا إلى التفكير بأن المسؤولين سيتخلون عن صلاحياتهم المستجدة أو يوقفون عمليات التفتيش والاعتقال بعد بدء هذه الحملة في الفترة الأخيرة، إنه استنتاج مُحبِط طبعاً ومن الأفضل دوماً أن نتوقع تحسّن الظروف بعد شهر سبتمبر. قد يتحسن الوضع فعلاً في تلك المرحلة، لكن في الوقت الراهن، من المؤسف أن يتمسك الروس بمنطق تفكير انهزامي، إذ يبدو أنهم خسروا حس العدالة وباتوا يتكلمون عن القمع والسياسة اليوم وكأنهم يناقشون حالة الطقس!
مقالات
لننتظر إلى ما بعد الانتخابات الروسية!
26-05-2021