شراع الديرة سماري

مثَل كويتي عميق المعاني، أطلقه الكويتيون منذ القدم، ويفهم معناه كل كويتي بأبعاده الواقعية والمخيفة في آن واحد، حينما كان الكويتيون يبحرون قديماً، ببومهم السفّار أو بسفن الغوص بأنواعها، لم تكن رحلتهم في عباب البحر سهلة، لعدم وجود المحركات عليها، فيستخدمون فنون الملاحة البحرية، مستفيدين من اتجاهات الرياح لدعم إبحارهم، بواسطة أشرعة سفنهم.

غير أن الحقيقة الواقعية، هي أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، مما يجعل لركوب البحر مشاقّه وأهواله، والتي سطرها أهل الكويت بملاحم عديدة من الحكايات والأهازيج والأغاني التي شكّلت وتشكّل جزءاً ثرياً من التاريخ والفلكلور الكويتي.

ومن ضمنها المثل الكويتي العميق المعاني "شراعنا سماري"، وهو التصرف الذي يقوم به نوخذة (قبطان) السفينة حينما يفقد القدرة والحيلة والإمكانية على ضبط اتجاه حركة سفينته، عندما تهبّ عواصف البحر وأمواجه العاتية، فيضطر إلى أن يجعل شراعه سماري، أي متروكاً دون تحكُّم لمسايرة اتجاه الرياح بهدف الوصول إلى أقرب يابسة كي "يبندر"، (أي يرسو) بسفينته لحين انتهاء تلك العواصف ليتقي تحطّمها وغرقها، وهو حينما يضع شراعه سماري يدرك أن أحد احتمالاته النهاية المأساوية إما بتحطُّم السفينة أو غرقها.

ومنذ ذلك الزمن يُطلق الكويتيون مثَلهم عميق المعاني "شراعنا سماري" على كل حالة للضياع والتوهان تمرُّ بها الكويت، لأنّ الأمور تخرج عن دائرة السيطرة بسبب فقدان السلطة ومعها الحكومة القدرة والحيلة والإمكانية لانتشال البلد وإنقاذه، فيردد الكويتيون مثَلهم العميق تعبيراً عن الحال والمآل.

والمتمعن في وضع البلد منذ نصف سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، يدرك، بشكل واضح، أن البلد ترك شراعه سماري عن قصد أو قلة حيلة أو "دبره"، كما نقول بالدارج الكويتي، فقد عشنا على مدى زمن يتجاوز أربعة عقود وضع "شراعنا سماري".

واليوم لا نجد جديداً ولا تغييراً، فها هو شراع البلد سماري، تُرك تسييره لرئيس وزراء عاجز عن أن يملأ مقعده، كما هي حال معظم من سبقه من رؤساء الوزراء، من أبناء الأسرة الحاكمة، ولعلّ مرارة اليوم، لم يتمكن أبناء الشعب الكويتي من تجرُّعها، بسبب هزالة وضعف رئاسة الوزراء، التي تحوّلت لخيال مآته، كلٌّ يحركها بالاتجاه الذي يريد، وتُرك رئيس الوزراء ضحية لمواجهة أسوأ مرحلة من تاريخ الكويت السياسي والدستوري، والتي سيتحمّل وزرها، وستكون صفحة سوداء في تاريخه.

ولعلّ الدور المتقدم الذي لا يزال يتحكم فيه المتنفذون بالمجلس بإملاءات يفرضونها على الحكومة، ومن مخالفات صارخة أدت إلى إفراغ الدستور من محتواه وعطّلت جلسات مجلس الأمة، لنحو ستة أشهر، من خلال ترتيبات مسبقة بين الرئيسين، أو التحكم في معظم خيارات الحكومة على نحو لم يعد خافياً على أحد، الأمر الذي زاد الطين بلّة، وترك شراع سفينتنا ممزقاً، وسيكون من الصعب توجيهه إلى وجهة الأمان، إلا بآخر نوع من الدواء، وهو حلّ المجلس والحكومة معاً، والعودة إلى الأمة بانتخابات جديدة وتوجّهات مختلفة تماماً تحمل تغييراً جذرياً، وهي الرسالة التي وجّهها ناخبو الدائرة الخامسة، نيابة عن الشعب الكويتي، باستفتاء دستوري، يتم الارتكاز عليه في كل دول العالم لإنقاذ الوطن، وكفى، فلا نترك "شراعنا سماري".