يعتبر إقرار مجلس الوزراء، في اجتماعه الأخير، مشروع قانون بشأن التمويل العقاري للسكن الخاص، تمهيداً لإحالته إلى مجلس الأمة، خطوة رائدة من حيث المبدأ، لتعويض معضلة السيولة التي يتعرض لها بنك الائتمان الذي يحتاج إلى رفع رأسماله من 3 مليارات دينار إلى نحو 11 ملياراً، لتلبية احتياجات التمويل للطلبات الاسكانية المتراكمة.فالتمويل العقاري آلية معمول بها في العديد من دول العالم، وتوفر حلولا تمويلية تسهل اقتناء العقارات السكنية، وحسب إعلان وزير المالية، أمس الأول، فإن خيار التمويل العقاري سيكون متوافرا فقط للمواطن الذي يشمله برنامج الرعاية السكنية الذي تقدمه الدولة، ولم يسبق له الحصول على قرض من بنك الائتمان الكويتي، وهو اعلان مهم يمنع استخدام اموال التمويل العقاري في تضخيم فقاعة اسعار العقارات السكنية، لكنه بكل تأكيد لا يمثل اكثر من اداة من ادوات المعالجة لن يكون لها اثر فعال لوحدها.
فكرة وتفاصيل
غير أن التعامل مع التمويل العقاري كفكرة يختلف عن التعامل معه كقانون ولوائح تنفيذية ومنظمة، إذ إن الخوف من «شيطان التفاصيل» في القانون -الذي لم ينشره مجلس الوزراء حتى الآن- يمكن أن يخرب الفكرة ويجعلها عبئا أكثر من منفعة.فمادامت الدولة ستتحمل تغطية كلفة القروض «الفوائد»، التي ستقدمها البنوك التجارية للمواطنين ولآجال طويلة قد تصل الى 30 عاما، فإنه من الحصافة أن تتم دراسة التكلفة على الميزانية العامة للدولة بعناية، كي لا تتحول هذه التكلفة البسيطة في السنوات الأولى الى كرة ثلج تنافس أبواب الإنفاق الضخمة في الميزانية، خصوصا ان عدد المستفيدين من القانون من اصحاب الرعاية السكنية يصل الى 140 الف شخص، في ظل مجتمع تبلغ نسبة من هم دون 24 عاما فيه نحو 60 في المئة من الكويتيين، مما يعني ان الكلفة متوقع ان تكون بشكل تصاعدي خلال السنوات المقبلة، وبما يشكل بندا جديدا لمصروفات الميزانية المتصاعدة سنويا.والحديث عن الكلفة يجر لمعضلة مدة السداد، التي من المحتمل أن تكون اداة شد وجذب بين مجلس الامة والحكومة، فالقانون الجديد قلصها من 57 سنة الى 30 بحد أقصى، وهذا يعني المفاضلة بين خيارين؛ إما ارتفاع العبء المالي على الأسرة عبر تقليص المدة، أو ارتفاع كلفة الفوائد على الدولة في حال زيادة مدة السداد، وفي الحالتين وبالقياس على تجارب سابقة تكون الحلول البرلمانية-الحكومية أقرب الى الشعبوية من كونها حلا فنيا أو جوهريا.ومادام القانون اختياريا لا إلزاميا لمستفيدي الرعاية السكنية، فإنه من المهم تحديد آلية المفاضلة التي سيحصل عليها المستفيد من القرض الاسكاني إن اقترض من البنوك التجارية أو من بنك الائتمان، كي يكون لتنفيذ أهداف القانون في خفض ضغط السيولة على بنك الائتمان أثر فعلي وملموس.الأزمة أعمق
ومهما وفّر التمويل العقاري من بدائل على الصعيد المالي، فإن حلول الأزمة السكانية أعمق من ذلك بكثير، فهي أزمة معقدة متعلقة بفلسفة الرعاية السكنية، فضلاً عن إدارتها من الهيئة المختصة أكثر من كونها مرتبطة بأعمال مقاولات وإنشاء مدن فقط.فمؤسسة الرعاية السكنية تعاني جموداً لافتاً في توفير الحلول وتنوعها، وهي المؤسسة التي تعلم أكثر من غيرها استحالة الاستمرار بسياسات التوزيع الأفقي الحالية إلى ما لا نهاية، لصعوبات متنوعة جغرافية وخدمية ومالية، ومع ذلك لا تبادر أبداً في طرح أي منتجات مرتبطة بمحفزات كالتوسع في البناء العمودي او تصميم مساكن أقل حجماً من الحالية، بقياسات ذكية وبمزايا تفضيلية مثلاً في احتساب اسعار الكهرباء والماء، مع سرعة تسليمها للراغبين فيها.كما أن مؤسسة الرعاية السكنية تعاني قصوراً في فهم طبيعة دور القطاع الخاص، فتحصره بتكلفته العالية على الدولة بنظام المناقصات على المقاولين، في حين يتيح لها قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص أن تنشئ مدنا سكنية جديدة بتنفيذ وإدارة وتشغيل شركات -لا شركة واحدة فقط- مساهمة كويتية عامة تساهم فيها الدولة والقطاع الخاص (محلي أو أجنبي)، إلى جانب المواطنين، تكون فيها التوزيعات الاسكانية غير ربحية، مقابل أن تنتفع الشركة بالأراضي التجارية والاستثمارية والخدمية في المدينة، وبذلك تتحقق اهداف عديدة، منها تحوُّل الدولة من منفذ للمشاريع الى مساهم من ناحية ومبسّط للإجراءات ومشرف على الجودة من ناحية أخرى، في حين يتولى القطاع الخاص في المقابل مهمة سرعة التنفيذ وجودة التشغيل، كما يتحمل أيضا تكاليف التشغيل، لا سيما الطاقة الكهربائية.الأمن الاجتماعي
وبقدر ما يقدم التمويل العقاري من معالجات تمويلية فإنه سيغطي جانبا من أزمة السكن، التي ترتكز في أصلها في كونها أزمة ندرة لا أزمة تمويل، مما يتطلب توفير الأراضي المتاحة فعليا للسكن والتطوير، والعمل على إعادة القطاع السكني لوضعه الطبيعي كجزء من منظومة الامن الاجتماعي وليس مجالات الاستثمار والمضاربة، وهنا يجب العمل على وضع ضريبة تصاعدية على تداولات السكن الخاص لكف يد المضاربين عنها.لا شك أن التمويل العقاري يمكن أن يمثل بداية صحيحة لمعالجة الجانب التمويلي، إذا أحسنت الدولة -على غير عادتها- التنفيذ، لكنه بالتأكيد ليس كافيا في معالجة اضخم قضية خدمية بالكويت وُضعت على رأس اولويات الحل، قبل نحو 10 سنوات، ولا تزال متضخمة دون حل حتى اليوم.