شن الرئيس الإيراني حسن روحاني هجوماً لاذعاً ضد مجلس "صيانة الدستور"، الخاضع لهيمنة التيار المتشدد، متسلحاً بعاصفة انتقادات ضد القائمة النهائية لمرشحي الانتخابات الرئاسية التي أصدرها المجلس، أمس الأول، وخلت من أي منافسة حقيقية لرئيس السلطة القضائية الأصولي إبراهيم رئيسي، داعياً المرشد الأعلى علي خامنئي إلى التدخل، للحيلولة دون تحول الاستحقاق المقرر في 18 يونيو المقبل، إلى "جثة هامدة".وأكد روحاني، خلال كلمة في اجتماع الحكومة أمس، أنه بعث برسالة خطية إلى المرشد، أمس الأول، دعاه فيها للتدخل لإعادة نظر مجلس "صيانة الدستور" في القائمة النهائية للمرشحين التي أقصت أسماء بارزة في مقدمتها الرئيس الشعبوي السابق أحمدي نجاد، ورئيس البرلمان السابق المحافظ المعتدل علي لاريجاني، ونائب رئيس الجمهورية الحالي الإصلاحي إسحاق جهانغيري.
وقال روحاني، في كلمته التي بثها التلفزيون الرسمي: "كنا نريد أن يضاف مرشحون آخرون إلى القائمة، وطلبت مساعدة القائد إن أمكن وهو قلما تدخل في الدورات السابقة، وفي بعض الحالات تدخل".وانتقد الرئيس المعتدل استبعاد المرشحين، قائلاً إن "الانتخابات هي ضامن مشروعية النظام، ولا شرعية لقرارات النظام ما لم تكن مسنودة بالشعب. فجوهر الانتخابات هو المنافسة، إذا حذفتم ذلك، تصبح عملية الاقتراع جثة هامدة".وأشار إلى أن حكومته لا يمكنها فعل أكثر من ذلك، في إشارة إلى طلب تدخل المرشد.وشدد على أن الهدف من وراء طلبه، الذي يمثل إحراجاً علنياً لخامنئي، هو تحقيق المشاركة القصوى، في الانتخابات، التي سبق أن دعا لها المرشد، قائلاً إن "ذلك لا ينبغي أن يصبح شعاراً ويجب توفير أسبابه وشرعية النظام مرهونة بهذه المشاركة".وسأل مستنكراً: "ماذا حصل لنسبة %98؟" في إشارة إلى نسبة المشاركة الرسمية في استفتاء اعتماد مبدأ الجمهورية الإسلامية عام 1979 بعد الثورة التي أطاحت بنظام الشاه.وتابع: "لماذا تستمر هذه النسبة بالتناقص؟". وعلمت "الجريدة" من مصدر مطلع أمس، أن خامنئي أيد مبدئيا قرار "صيانة الدستور" الذي أصدر قائمة تشمل 7 مرشحين، هم بالإضافة إلى رئيسي، أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام القائد العام السابق لـ "الحرس الثوري" محسن رضائي، ومندوب المرشد بمجلس الأمن القومي سعيد جليلي، والبرلماني المحافظ السابق علي رضا زاكاني، ومحافظ البنك المركزي عبدالناصر همتي، ونائب رئيس البرلمان المحافظ أمير حسين قاضي هاشمي، والإصلاحي محسن مهرعلي زاده الذي لا يتمتع بثقل يذكر في الشارع السياسي.لكن المصدر أضاف أن المرشد لم يجب حتى الآن على رسالة روحاني، متحدثاً عن وجود توقعات قوية بين الإصلاحيين والمعتدلين أن المرشد سيتدخل لإضافة اسم أو اسمين على اللائحة.
انفجار وامتعاض
وجاءت كلمات روحاني في وقت انفجرت الساحة السياسية بين أكثرية معارضة وأقلية مؤيدة لقائمة "المرشحين الـ 7". ولم تقتصر الانتقادات على الإصلاحيين أو الوسطيين، بل قام عدد كبير من الشخصيات الأصولية بانتقاد "صيانة الدستور". وأكد مصدر في مكتب المرشد، أن الأخير استدعى أعضاء "مجلس الخبراء" إلى مكتبه لبحث القائمة الرئاسية، خصوصاً أنه كان مقرراً ألا يتم الإعلان عنها قبل أخذ موافقته النهائية، لكن وكالة أنباء "فارس" الموالية لـ "الحرس الثوري" قامت بتسريب اللائحة، ووضعت الجميع أمام أمر واقع. ووصل الأمر إلى حد قيام، إبراهيم رئيسي، المرشح الأوفر حظاً في حال اعتمدت القائمة الحالية، بانتقاد قرار "صيانة الدستور"، بشكل ضمني عبر بيان أكد فيه أنه يحاول البحث مع المجلس عن إمكانية إجراء تغييرات تجعل من الانتخابات "أكثر تنافسية".وأكد أحد أعضاء لجنة رئيسي الانتخابية لـ "الجريدة"، أن رئيس السلطة القضائية ممتعض من الحديث عن أن فوزه المحتمل أصبح بنظر العديدين مجرد "تعيين أو تنصيب"، وأنه لن يتوانى عن اتخاذ أي قرار بما في ذلك الانسحاب من السباق، إذا شعر أن الأجواء الشعبية ستكون ضده في حال فوزه وأن شرعيته سيكون مطعوناً بها.انتقاد واتهامات
وفي وقت سابق، انتقد رئيس مجمع "تشخيص مصلحة النظام" عضو لجنة "صيانة الدستور" آيت الله عاملي لاريجاني القائمة التي أقصت شقيقه، معتبراً أن هذا القرار لا يمكن الدفاع عنه بأي شكل من الأشكال.وانتقد عاملي لاريجاني إقصاء أخيه الذي يشغل حاليا منصب مستشار المرشد، مشيراً إلى أن التقارير الاستخباراتية التي استند "صيانة الدستور" عليها لإقصائه غير صحيحة.وبحسب تقارير، فإن سبب اقصاء علي لاريجاني هو أن ابنته حصلت على الجنسية الأميركية، وأن ابناءه وأولاد أشقائه مقيمون في دول غربية، وتقدموا بطلبات للحصول على جنسيتها، لكن مصدراً في "صيانة الدستور" ذكر لـ "الجريدة" أن سبب الإقصاء هو تقارير تتهم لاريجاني بعقد عدة لقاءات سرية مع بعض السفراء الغربيين بالداخل والخارج دون التنسيق مع المرشد أو الأجهزة الأمنية.ولفت المصدر إلى أنه تم اقصاء نجاد بالإجماع، وكانت هناك تقارير استخباراتية تؤكد قيامه باتصالات مع أعضاء من معارضة الخارج وقيامه هو وأنصاره بسرقة مستندات حكومية سرية، تكفي حتى لمحاكمته بالخيانة وزجه بالسجن.وأكد مقربون من نجاد وشهود عيان في "ميدان 72" بمنطقة نارمك، أن الأجهزة الأمنية حاصرت منزله بالتزامن مع إعلان "القائمة النهائية"، ومنعت مؤيدين له من الاقتراب وقيدت خروجه.وأفاد مقربون من الرئيس السابق بأن جميع اتصالاته انقطعت، منذ ليل الاثنين ـ الثلاثاء، بالتزامن مع تركيب أجهزة أمنية كاميرات مراقبة بكل المنطقة المحيطة بمنزله.على صعيد آخر، أشار روحاني في كلمته باجتماع الحكومة، إلى المباحثات النووية الجارية في فيينا بشأن عودة طهران وواشنطن إلى التزاماتهما بالاتفاق النووي المبرم عام 2015، متحدثاً عن "حصول اتفاق على القضايا الأساسية" مع تواصل الجولة الخامسة من المباحثات.وأضاف أن "القضايا المتبقية قابلة للحل أيضاً"، مشدداً بالقول "على أميركا حتماً أن تعود إلى التزاماتها أولاً وبعد تحققنا من ذلك سنعود لتعهداتنا" النووية.في غضون ذلك، وصف المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، برنامج تخصيب اليورانيوم في إيران بأنه "مقلق جداً"، ولا تنفذه سوى دول تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية.ورأى غروسي في تصريحات لصحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية أن إيران تخصّب اليورانيوم بنسبة "لا تصل إليها سوى دول تصنع قنابل" ذرية.