بقايا خيال: ثورة في الكويت
وصلتني أمس رسالة من أطراف عدة عبر الواتساب و"تويتر" تقول: "مطيري ينزل في كرسي عازمي، وعجمي ينسحب إكراماً للمطيري، وشيعي يعلن تصويته للسني المطيري، وحضري يعلن دعمه للمطيري البدوي، ثم يحتفلون جميعاً في ديوان عازمي، شكراً لفسادكم الذي وحّد الشعب الكويتي بجميع طوائفه". انتهت الرسالة. في نظري وبرأيي المتواضع أستطيع أن أقول إن هذه الرسالة المعبرة لا تلخص نبض الشارع الكويتي فقط، ولا موقفه الثابت تجاه حكومة تعج بملفات فساد أساءت لسمعة الكويت على المستويين المحلي والخارجي، بل هي رسالة أوضحت بطريقة متحضرة وراقية أن ما جرى على الطرقات الكويتية "المتشعبة" اجتماعياً وديمغرافياً، يعد وبحق الأسلوب الكويتي الواقعي في الثورة "الراكدة" على حكومة يبدو أنها لا تقدر على رؤية المشهد الكويتي بأبعد من أنفها، وتعجز عن فهم النفسية الكويتية الطيبة و"الحليمة"، فجاء الرد في البدء تسونامياً عاصفاً، وكان الحدث بركانياً مزلزلاً. هذه الرسالة القصيرة التي انتشرت بين الكويتيين، كما النار في الهشيم، اختصرت بطريقة رائعة لا يعرفها إلا الأدباء العالميون من منزلة وليام شكسبير، وتشارلز ديكنز، ودانتي أليغوري، ومن أمثال فهد العسكر وعباس محمود العقاد، وغيرهم من عباقرة العصور السالفة الذين عايشوا مجتمعاتهم وسجلوا أحاسيسهم. هذه الرسالة بكلماتها القليلة كانت مجرد وصف لمقبلات (Appetizer) قبل عملية الاقتراع التي نتج عنها "أكلة" لذيذة لم يخرج بها المطبخ الكويتي من قبل، فالانتخابات التكميلية الأخيرة، سجلت سابقة في عدد الأصوات لم تحدث، ولن تحدث مستقبلاً، إلا إذا تمخضت أوضاع سياسية استثنائية أخرى عن ميلاد حكومة أكثر حجما بملفات الفساد، وأشد إيلاماً بـ"حقرانها" لنداءات الكويتيين المخلصين لكويتهم، وما أكثر المخلصين بيننا.
الدكتور عبيد الوسمي متفوق في تخصصه القانوني الذي يتطلبه التشريع البرلماني، ومتفهم لمتاهات السياسة ولم يخطئ حتى لفظياً بحق أي سياسي، ومتفاعل اجتماعياً لما يريده المجتمع ككل وما يحتاجه الكويتيون لضمان مستقبلهم، ومتفوه خطابياً في اختياره لتعبيرات تناسب الحدث دون أن يلقي به لفظ ما في أروقة المحاكم بتهمة التشهير أو التحقير. لهذا استطاع هذا "الموسوم" ببراعته البحثية الميدانية أن ينجح في استقطاب القبائل دون الغرق في قبيلته، وجذب إليه الشيعة دون العزف على أوتار نبذ الطائفية، وهي صفات غريبة مُزجت بفطنته البدوية ثم ألقت به في أحضان الحضر الذين استقبلوه استقبال الأبطال. الكل يقول إنها ثورة كويتية هادئة في وجه حكومة لا تقدر على تفسير أحلام الكويتيين، والكل يقر بأنها رسالة ثورية مؤدبة موجهة إلى حكومة لم ينتخبها الشعب، ولم يخترها الشعب، مع كامل احترامنا لشخوصها، والكل يشير إلى أنها جاءت دون إرادة شعبية، والكل يثبت أن هذه الحكومة لا تقدر على تحقيق طموحات الشعب، هذا إن لم تكن تعاند الشعب في غير مواقع العناد، ولهذا هم ينادون، ومن خلال هذه الرسالة المختزلة، بأن ما على الحكومة إلا الامتثال لرغبات الشعب.