قوتان متصارعتان في المنطقة... الغلبة لمن؟
ثمة حراك سياسي واسع وقوي في المنطقة يهدف الى نشر السلام والاستقرار والهدوء ونبذ الخلافات وإنهاء التوترات والحروب عبر الحوار والحلول الدبلوماسية والاحتكام الى لغة العقل وطاولة المفاوضات، يقابله حراك قوي وواسع أيضا يدعو الى التشرذم والتناحر والحروب وتقويض السلام والاستقرار في المجتمع ونشر ثقافة الكراهية بين أفراده من خلال تكريس الخطاب الطائفي والعنصري والاحتكام الى لغة السلاح لإسكات الآخر وقمعه.الحراك الأول ظهر على المسرح السياسي بعد خسارة "دونالد ترامب" الانتخابات الأميركية ومغادرته البيت الأبيض وتولي "جو بايدن" الرئاسة الأميركية، ويمثله في منطقة الخليج ولي عهد السعودية محمد بن سلمان من خلال دعوة السلام التي وجهها لإيران وميليشيات الحوثي لحل خلافاتهم بالحوار والمفاوضات، وإنهاء سنوات من الصراع المرير الدامي بينهم، وفي العراق مازال رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني يتحرك بكل الاتجاهات لحل الخلافات الداخلية الكردية والكردية والخارجية مع بغداد بالطرق الدبلوماسية الهادئة والحوار البناء ومن أجل تحقيق هذا الهدف زار بغداد عدة مرات، وأجرى لقاءات شملت الرئاسات الثلاث وقادة الكتل والأحزاب الشيعية والسنية، واستطاع أن يحرك المياه الراكدة بين الإقليم وبغداد ويسهم في تقريب وجهات النظر بين الطرفين وينجح في إطلاق حصة الكرد من الموازنة التي أقرها البرلمان العراقي بعد فترة طويلة من التلكؤ والنقاش العقيم! وفي داخل الإقليم قام بزيارة مفاجئة لمدينة السليمانية معقل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس السياسي والغريم التاريخي لحزبه "الديمقراطي الكردستاني" ليقابل "لاهور جنكي" الرئيس المشترك لحزب "الاتحاد الوطني" الخصم العنيد المثير للجدل، ويضع أسسا جديدة للتعامل السياسي بينهما مبنية على السلام والمصالحة الوطنية، ولم يكن أحد يتوقع أن يلتقي "جنكي" بعد أحداث 16 أكتوبر من عام 2017 التي كان "جنكي" أحد أبطالها الرئيسيين الذي أمر قوات البيشمركة التابعة لحزبه وبشكل أحادي الجانب الانسحاب من مدينة كركوك الاستراتيجية وترك قوات "الديمقراطي" تحت رحمة فوهة مدافع قوات الجيش وميليشات الحشد الشعبي التي دخلت المدينة منتصرة، وبسطت سيطرتها عليها منذ ذلك الحين! وكما فاجأت مبادرة "بن سلمان" و"بارزاني" السلميتين المراقبين، كذلك فاجأتهم مبادرة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" السلمية لمصر واليونان، حيث دعاهما الى تطبيع العلاقات والسلام والحوار بعد أن كانت الأوضاع بينهم تتأزم وتسير نحو الأسوأ! ولكن السؤال المطروح من وراء انتشار ظاهرة السلام فجأة في المنطقة: هل "بايدن" له دور في هذا التغيير؟ طبعا من مصلحة أميركا أن تهدأ اللعبة قليلا لترتيب أوراقها من جديد!
ولكن هناك في المنطقة من يعكر صفو الاستقرار والسلام أيضا ويتحرك بقوة لإخضاع الشعوب لهيمنتها وبسط نفوذها ونشر ثقافتها "الراديكالية المتطرفة!" فيها، ويتمثل هذا الحراك في الميليشيات والفصائل والأحزاب التابعة لإيران المنتشرة في"العراق واليمن وسورية ولبنان" التي تعتمد السلاح والقوة القاهرة وإلارهاب لتحقيق أهدافها التوسعية.هاتان القوتان "قوة الشر والسلام" تتصارعان في المنطقة بإشراف وإدارة أميركية مباشرة، والغلبة في النهاية لمن تدعمه أميركا، وترضى عنه بما يتوافق ويتناغم مع مصالحها وأهدافها الاستراتيجية.* كاتب عراقي