من صيد الخاطر: عندما يتخاصم الحمقى
![طلال عبد الكريم العرب](https://www.aljarida.com/uploads/authors/1002_1667931751.jpg)
لكل داء دواء يستطاب بهإلا الحماقة أعيت من يداويهاالأحمق معروف بين الناس، مذموم من عمومهم، يستدل عليه من أفعال يقوم بها لا يحسب حساب عواقبها، فهو سفيه أهوج، مغتر معجب بنفسه، كثير الأعداء، أصدقاؤه هم من على شاكلته أو من استمالهم بماله وجاهه، فاجر في خصوماته، وما أكثرها، ومن صفاته الخفة، والعجلة، والظلم، والغفلة، والخيلاء، إن استغنى بطر، وان افتقر قنط، وإن تحدث أفحش، وإن سئل بخل إلا لمصلحة، فالحمق داء لا دواء له، فيبدو أن الحمق غريزة لا تنفع معها الحيلة، فهو داء شفاؤه الموت، فالأحوط هو السكوت عن الأحمق وتجنب جوابه. وقد روي أن أحمقين اصطحبا في طريق، فقال أحدهما للآخر: تعال نتمنى على الله فإن الطريق تقطع بالحديث، فقال الأول: أنا أتمنى قطائع أغنام أنتفع بلبنها ولحمها وصوفها، فرد الثاني: أما أنا فأتمنى قطائع ذئاب أرسلها على غنمك حتى لا تترك منها شيئا، فقال الأول: ويحك، أهذا من حق الصحبة وحرمة العشرة؟ فتصايحا وتعاركا، واشتدت الخصومة بينهما حتى تماسكا بالأطواق، إلا أنهما اتفقا على يحكّما أول من يمر بهما، فحصل أن مر بهما شيخ يركب حماراً عليه زقان من عسل، فحدثاه بحديثهما، فما كان منه إلا أن أنزل الزقين وفتحهما وأسال ما بهما من عسل على التراب، ثم صاح فيهما قائلا: صب الله دمي مثل هذا العسل إن لم تكونا أحمقين.وروى جابر بن عبدالله قائلا: كان رجل يتعبد في صومعة فأمطرت السماء، وأعشبت الأرض، فرأى حماره يرعى في ذلك العشب، فقال: يا رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري هذا، فبلغ ذلك أحد الأنبياء، فهمّ أن يدعو عليه، فأوحى الله إليه: ألا تدعو عليه، فإني أجازي العباد على قدر عقولهم.فالحمق داء عظيم إذا ما ابتُلي المرء به في هذه الحياة، وهو شر كله، والأحمق عدو نفسه لما يسبب لنفسه من الضرر، فصاحبه كاسد العقل والرأي لا يحسن بهما شيئا، فما أكثر الحمقى والسفهاء بيننا! وما أخطرهم على الأمة إذا ما وسّدت إليهم زمام أمور العامة فتخاصموا عليها!ملحوظة: مقتبسات من التراث بتصرف كثير.