يختصر أحد تلاميذ المرجع الديني آية الله علي السيستاني في النجف، بكلمة قلق «استثنائي» نزاع الدولة والميليشيات في العراق، بجملة مستويات من المخاوف حيال تصادم يكبر مع فصائل موالية لإيران ينضوي تحتها سبعون ألف مقاتل عراقي مع أسلحة ثقيلة ودروع، خرجوا من حرب «داعش» الطويلة جيشاً لا يخضع للدولة، ويتحدث قادته يومياً عن إسقاط حكومة مصطفى الكاظمي.وتحفل وسائل الإعلام العراقية بإشارات عديدة تكشف قلق المرجع الأعلى من تطور الأمور، رغم حذره من التدخل في تهدئة الفصائل وإجبارها على الخضوع للقانون، بعد حادثة اقتحام الميليشيات مقرات الحكومة أمس الأول إثر اعتقال قيادي كبير في الفصائل بتهم قتل ناشطين وقصف أهداف أميركية وعراقية لمصلحة طهران.
وقالت مصادر سياسية رفيعة لـ«الجريدة»، إن المفاوضات بين الكاظمي والفصائل لم تتوقف لحظة واحدة بشان تسليم المعتقل رغم أن الكاظمي خرج متماسكاً حين انتزع من كل الوسطاء المحليين والإقليميين إقراراً بضرورة تواصُل التحقيق مع اللواء قاسم مصلح الذي يدير الحدود السورية - العراقية.وأضافت المصادر، أنه واحد من أخطر التحقيقات منذ سقوط نظام صدام حسين، إذ سيفتح شبكة معلومات رهيبة حول منظومة الموت والفساد والأسلحة العابرة للحدود، وهي ملفات سرية لما يعرف بـ«محور المقاومة» من طهران إلى بيروت ومسرح عملياتها الكبير في العراق.وسيكون الحشد الشعبي جزءاً من أربعة أطراف مسؤوليتها إتمام التحقيق، الذي تتوقع المصادر أن يستغرق أكثر من أسبوع، ويستتبع مزيداً من الاحتكاكات.
وقال مقربون من الكاظمي، إنه أصر على التحقيق لأن هذا مطلب حراك تشرين الشعبي، الذي يتهم اللواء مصلح بالتورط في قتل ناشطيه خلال تصفيات أسقطت ثمانمئة قتيل وأربعين ألف جريح منذ أحداث ٢٠١٩ الاحتجاجية المتواصلة حتى اليوم.وسيبدأ برلمان العراق بالتوازي بمساءلة نحو ١٦ من كبار ضباط الحكومة السابقة، برئاسة عادل عبدالمهدي، عن ظروف اغتيال الناشطين، وبينهم كبار الشخصيات المدنية والثقافية طوال الأعوام الثلاثة الماضية.ولم تتعرض الفصائل في تاريخها لهذا القدر من الاختبار والضغط، بينما نجحت الحكومة، بحسب مصادر أمنية، في جعل آلاف العربات التابعة للفصائل تتحرك بانسيابية وتخترق شوارع المنطقة الخضراء وكشفت عن مواقع سرية خطيرة ومراصد ومخازن أسلحة بعضها مضاد للدروع ومسروق من الجيش العراقي.وقال ضابط كبير: «الآن بات لدينا للمرة الأولى الخريطة السرية المتكاملة للميليشيات. نشعر أننا استدرجناهم إلى اقتحام مقرات الحكومة وهم بغباء كشفوا مواقعهم داخل الخضراء وخارجها».ويقول أنصار الكاظمي انهم لن يضطروا الآن إلى ضرب الميليشيات بل يديرون معها لعبة مناورات بينما تحلق طائرات إف ١٦ التي يمتلك العراق منها ثلاثة أسراب فوق منازل قادة الفصائل ومقراتهم طوال الليل وتبعث برسائل واضحة حسب تعبير الضابط الذي تحدث لـ«الجريدة».وقال رجل دين كبير في الحوزة، متحدثاً عن قلق مرجعية النجف: السلطة الروحية مع تطبيق القانون على الجميع، ولو تلقى السيستاني أمراً قضائياً بإخلاء منزله لفعل. والرأي العام سيكون في مواجهة مواقف مهمة خلال الأيام المقبلة.