• هل يمارَس التجريب في المسرح؟

Ad

- التجريب بالمعنى هو أي عمل يقام في مختبر أو معمل لتقديم عمل جديد أو شكل جديد لتأكيد حقيقة أو لتغيير أمر معين، هذا بشكل عام، أما التجريب كاصطلاح في المسرح فهو تجاوز التقاليد المسرحية وتقديم شكل مختلف عن المسرح التقليدي، من خلال إثارة دهشة المتلقي بتقديم شكل لا يتوقعه على المسرح سواء بالنص أو بلغة الجسد أو الإضاءة أو التفاعل مع الجمهور مباشرة بشكل مختلف، والتجريب قد يستغني عن النص ويقدم عمله بناء على التعبير الجسدي أو إثارة مواضيع غير مخطط لها وغير معلومة النتائج مع الجمهور، فهناك صور كثيرة منه، فالتجريب لا شكل له، ولا تحكمه أية قواعد مسرحية متعارف عليها، فهو شكل يقدم لأول مرة، للمشاهد أو المتلقي، فمثلا في مسرح العبث عند بيكيت حين كتب مسرحيته في انتظار غودو، كان عملا تجريبيا في بدايته ولكن فيما بعد اصبح العبث مذهبا مسرحيا، وكذلك بريخت حين تمرد وأزال الحائط الرابع والتقى مع الجمهور وتحاور معهم وخاطب عقولهم بدلا من مشاعرهم، كان عملا تجريبيا على المسرح لكن فيما بعد ظهر لنا المسرح الملحمي وانتهت فكرة التجريب عند بريخت، لذلك التجريب هو ما يقدم لأول مرة ولا يتكرر.

• ما المسرحيات التي قدمت فيها التجريب ويمكنك إعطاءنا ملخصاً لها؟

- من خلال ما قدمته في المسرح لا يفترض بي ككاتب أو كمخرج تصنيف العمل إن كان تجريبيا أو غير تجريبي لأن هذا هو عمل نقاد المسرح، ولكن كملاحظة مني، لم أقدم التجريب لأجل التجريب، وحين تكون هناك لمحة تجريبية في أحد أعمالي فهي لخدمة النص أو العرض المسرحي التقليدي الأرسطي، ولم أقدم التجريب للتجريب، فقد أكون قدمت التجريب كلمحة صغيرة في مسرح تقليدي، مثلاً في مسرحية تاتانيا (في نهاية المسرحية قدمت شكلاً أعتقد أنه مختلف على الأقل في الكويت أو الوطن العربي لأنني لم أشاهد مثيله في أي عمل سابق وذلك من خلال عمل فلاش باك مسرحي على خشبة المسرح على طريقة السينما لكنه حي أمام الجمهور، حدث ذلك في المشاهد الأخيرة من المسرحية، بمعنى أن المتلقي يشاهد الممثلين الذين كانوا بالمشاهد السابقة ولم يتحدثوا بل كانوا خارج الحدث، حين كانوا يتحاورون دون أن نسمعهم، لكنهم الآن ومع نهاية المسرحية أعيدت بعض المشاهد السابقة من زاوية أخرى وأصبحوا في قلب الحدث ونستمع لحوارهم المؤثر في الحدث وكشف اللعبة) نحن هنا نشاهد ما شاهده المتلقي وما لم يشاهده رغم حضور المشهد أمامه، هذا ما قدمته خدمة للنص أساسا وهو نص أرسطي تقليدي لكن أعتقد أنها كانت لمحة تجريبية، وبرأيي لا يوجد عندنا مسرحيات تجريبية وأنا لم أقدم أي مسرحية تجريبية بشكل كامل إنما كانت لمحة أو لحظة فيها نوع من الابداع ونوع من الخروج عن المألوف والمتعارف عليه مسرحيا.

• هل تعد مسرحية "نكون أو لا نكون" شكلاً من أشكال التجريب خاصة إذا كان لا ينفي الموروث؟

- في مسرحية "نكون أو لا نكون" كانت هناك لي رغبة في أن أقدم هاملت كويتياً، فشخصية هاملت قدمت بأشكال متنوعة حول العالم بآلاف المرات قدم كجندي في الحرب الأهلية وابن زعيم في قبيلة الهنود الحمر وقدم ابن بحار .. إلخ، في الكويت لم نشاهد هاملت بهوية كويتية مع أن الشكل والإطار العام للوضع الاجتماعي لهاملت موجود في تراثنا، الأب والملك الذي يعادله نوعا ما النوخذة في التراث الشعبي، والانتقام والثأر والحب هي صفات ومشاعر إنسانية موجودة في كل العالم، في أوروبا وأميركا والكويت، لكن واجهتني عقبة السؤال: ما الجديد الذي سأقدمه حين أقدم هاملت كشخصية كويتية؟ لذلك حاولت ان أدخل هاملت الحقيقي مع هاملت الكويتي وأحدهما يكمل الآخر ولا يكرره إنما يكمله، مسرحية كاملة يقدمها هاملت الكويتي فهد بلهجته العامية وبخصوصية ثقافته التي تحكمها العادات والتقاليد المحافظة، وهاملت الدنماركي، شخصية شكسبير الأصلية بنفس الحوارات المترجمة عن مسرحية هاملت الاصلية، وهي كانت تجربة أردت تقديمها بالشكل هذا لتكون مختلفة عما قدم، ويمكن اعتبارها نوعا من أنواع التجريب في المسرح الكويتي.

• ما رؤية الفنان بدر محارب في أهمية التجريب بشكل عام؟

- من وجهة نظري أعتقد أن التجريب بمثابة ترف مسرحي، ففي أوروبا والدول العريقة بالمسرح شاهدنا التجريب بعد أكثر من ألف سنة من وجود المسرح عندهم، أتوا بالتجريب المسرحي بعدما هضموا وعاصروا وأخرجوا أفكارا ومذاهب ومدارس مسرحية عدة، بينما المسرح في منطقتنا العربية يكاد يصل عمره لمئة وسبعين عاما أو أقل من ذلك، ولذلك فتقديم عمل مسرحي تجريبي كامل قد يكون فيه نوع من الترف أو قد يكون صعب الفهم عند الجمهور المسرحي لحداثة نشأة المسرح لدينا مقارنة بأوروبا، لكن هذا لا يمنع من وضع لمحات تجريبية في النص المسرحي التقليدي ليتقبله الجمهور، ولا مانع أيضا من تقديم عمل تجريبي متكامل لكسر الروتين المسرح التقليدي وتقديم شيء مختلف بين فترة وأخرى، لأن المسرح التجريبي يحتاج إلى نوعية معينة من الجمهور يتقبله ويتفهمه، بينما الجمهور المسرحي عندنا قد اعتاد المسرح التقليدي، لذلك أرى أن تقديم مسرحيات تجريبية بشكل مستمر قد يبعد الجمهور عن المسرح، لكن لا مانع من تقديم مسرحية تجريبية بين فترة وأخرى، ولا مانع أيضا من تقديم لمحات تجريبية قصيرة في المسرح التقليدي ليتقبلها الجمهور ويتفهمها.

• مَن في الساحة في دولة الكويت يقدم مسرحاً تجريبياً؟

- في الكويت لا أرى مسرحيا يقدم مسرحا تجريبيا متكاملا كنهج في تعاطيه مع عمله المسرحي، ولم أشهد مسرحية تجريبية متكاملة من خلال لغة الجسد أو نص مسرحي تجريبي، ولكن من ممكن أن نذكر المخرج سليمان البسام الذي قدم لمحات تجريبية في بعض أعماله، ومن فئة الشباب نجد الفنان محمد الحملي يحاول أن يقدم التجريب في مسرحه ويسعى لتقديم تفرد او صيغ مختلفة في المسرح الجماهيري، وربما هو لا يقصد التجريب إنما يقصد تقديم المختلف لانتزاع دهشة المتلقي، كثير من المسرحيين هنا غير مطلعين على التجارب المسرحية في العالم كله، لذلك من الصعب ان نجد مسرحيا كويتيا يستخدم التجريب كنهج في أعماله المسرحية، ولكن توجد لمحات صغيرة في بعض المسرحيات من هنا وهناك.

• كلمة أخيرة تود قولها للمتخصصين والمهتمين بالمسرح عن التجريب.

- المسرح التجريبي قد يكون بالنسبة للجمهور لدينا في الكويت مبهماً وغير مفهوم، ولذلك أتمنى من كل مهتم بالمسرح التجريبي ويسعى لأن يقدم تجاربه المعملية المسرحية على خشبة المسرح أن يرأف بالجمهور ويقدم له المتعة من خلال التجريب كوسيلة لجذبه، ولا يقدم التجريب على المسرح بشكل معقد ومبهم وغامض إنما بالشكل المناسب لأنه كما اشرت إليك جديد بالنسبة لنا، والمسرح التجريبي مجهول لدى شريحة كبيرة من الجمهور المسرحي عندنا، لذلك فليحاول أن يبث جرعات مفهومة وممتعة ويدخل فيها التجريب من خلال لغة الجسد أو عناصر أخرى غير مسبوقة، لكن لا يغفل المتعة والوضوح لما يقدمه، وفيما بعد سيأخذ المسرح التجريبي مكانه تدريجيا من ضمن الأعمال المسرحية في الكويت، ويمكن أن يقدم بعد ذلك ما يشاء من تجاربه المسرحية، فالمسرح التجريبي شأنه شأن ألوان عديدة من المسرح، يجب أن يزرع الإمتاع ليجني جمهورا محبا ومتابعا له، وأن يعي الدرس من بعض الأعمال المسرحية التي كانت تقدم في المهرجانات المسرحية السابقة مسرحيات مبهمة وغامضة أشعرت الجماهير بتعالي أهل المسرح عليهم مما أدى لابتعادهم عن الحضور المسرحي.

محمد القلاف