في الصميم: جماعات التجهيل في الكويت
الحقيقة إنه لأمر محير، فوزارة التربية هي المعنية بتعليم النشء، أما نواب الأمة فعليهم محاسبتها إذا ما قصرت في واجبها الموكول اليها، ولكن ما نراه على مدى السنوات الماضية أن مجموعة من نوائب المجلس أخذوا على عاتقهم تلبية مطالب ناخبيهم أو تنفيذ أجندات أحزابهم، وعرقلة أي توجه ولو على استحياء من إصلاح ما خربه السابقون، وقد يكون جل همهم أن يفوزوا في الانتخابات حتى يخرجوا وقد امتلأت جيوبهم الفارغة بملايين من أراد إنجاحهم، وقد يكون سببا آخر وهو أيضا مهم ولا نستبعده إطلاقا، فقد يكونون هم أصلا من مخرجات التعليم الفاسد والمزور.المؤسف أن بعض النواب لا يستوعبون، أو قد لا يكون التعليم من ضمن اهتماماتهم، بأن نتائج انحدار مخرجات التعليم على الوضع العام الكويتي صار مدمرا، وهذا حقيقة هو الحاصل، فهناك تقهقر وتردٍّ في المستوى العام لكل مناحي الحياة بما فيها الأخلاقي.وقد كان مشهداً يبعث على الأسى والغضب أن يخرج تلاميذ، وبإيعاز من أولياء أمورهم وبعض نواب التجهيل، في مظاهرات مطالبة بعدم اعتماد الاختبارات الورقية، ونحن هنا لا نلومهم، لكننا نلوم أولياء أمورهم، وبعض النواب، هذا المشهد سبقه مشهد أسوأ منه قبل حوالي ثلاث سنوات كشف عن سوءات مدمرة أصابت المجتمع الكويتي أخلاقيا وتعليميا، وذلك حين خرج تلاميذ مدارس بصحبة أولياء أمورهم احتجاجا على منعهم من الغش، من يتصور أو يتخيل أن يحصل هذا في كويت القرن الحادي والعشرين، الأسوأ من ذلك أن بعض نوائب الأمة أيدوهم في ذلك.
وكان لابد لمثل هؤلاء النوائب أن يقفوا حجر عثرة أمام إصلاح وعلاج مشكلة مخرجات التعليم، وكشف الشهادات المزورة وإلا كشفوا مستورهم، مثل ذلك النائب حامل شهادة طب أتى بها من الخارج، ودخل بها كنائب بمجلس الأمة، ولكنه فشل حتى في أن يفك حرفا واحداً مما كتب له في مشهد مؤلم لمستوى بعض من ابتلي به مجلس الأمة، ويرينا كيف أن هناك نوائب لم يفوزوا لكفاءتهم وحنكتهم، ولكن لانتمائهم إلى جماعات لم تهمهم الكويت يوما ما. مستوى التعليم في الكويت فعلا متدنٍّ، التعليم في الكويت دمر حرفيا بمنهجية وكأنها متعمدة، مخرجات التعليم هي الأسوأ بين دول العالم، مستوى المعلمين لا يقال عنه إلا أنه دون المستوى في أغلبهم، شهادات مزورة بعشرات الآلاف، دروس خصوصية تحولت الى تجارة تكلف البلد مئات الملايين وفي الوقت نفسه دمرت التعليم على مدى عدة عقود سابقة، بعض حملة مخرجاتها يمسكون الآن بزمام أمور البلد، تنفيذيا وتشريعيا وفنيا وحتى طبيا، فماذا تبقى للكويت صاحبة رسالة التنوير في العهود السابقة لتفخر به، وماذا تبقى لنا نحن الذين عاصرنا النهضة التعليمية والثقافية والرياضية لنتباهى به إلا ذلك التاريخ المجيد.وللعلم لمن لا يعلم، أو لمن يعلم ولا يريد أن يصلح، فإنه في السنة التي تم فيها منع الغش بحزم ومعاقبة الغشاشين انكشف المستور، فقد تبين أن هناك الآلاف من الطلبة تخرجوا ودخلوا سوق العمل بسبب الغش، تبين أن الدرجات المرتفعة التي حصلوا عليها ما هي إلا نتاج فساد وتزوير، وهل أدل على ذلك من الرسوب الجماعي لطالبات نظام المنازل في إحدى مدارس منطقة الجهراء التعليمية، لأنهن لم يغششن؟ هل سمع أحدكم بمهزلة تعليمية كهذه؟كم نتمنى على وزير التربية أن يشكل لجنتي تحقيق من دولة متقدمة تعليميا كسنغافورة مثلا، واحدة لاختبار القدرات، والأخرى للتأكد من صحة الشهادات، على أن تبدأ عملية التحقيق مع من يشغلون مناصب مسؤولة، ولا نعتقد أن هناك من سيعارض، ما لم يكن هناك ما يخشاه، أو لأمر يخفيه.