من وقت لآخر أخصص بعضاً من وقتي في القراءة للتعرف على تطبيقات ومفاهيم النظم الإدارية الحديثة، وأثرها في تطور حياة الشعوب ورفاهيتها، دائما ما أَجِد الكثير من إخواننا الباحثين العرب، وخصوصا الكويتيين منهم، أول من يكتب حولها، لكني لا أجد لهذه المفاهيم أي أثر على الواقع الميداني إلا فيما ندر، وفي مجالات محددة، رغم العناوين البراقة وشهادات الجودة التي تتباهى بها معظم المؤسسات الحكومية. تطور المجتمعات العربية قد لا تنقصه العقول، ولكن ينقصه قلة القيادات المبدعة التي تمتلك الرؤية والشخصية في توجيه مواردها المادية وقيادة الطاقات والكفاءات البشرية وتمكينها بالمشاركة في رسم سياسات الإصلاح ووضع المسارات الاقتصادية ضمن مفهوم التنافسية والاستدامة العالمية.
الكويت قبل أربعة عقود كانت تحتل موقعاً متقدماً ضمن قائمة الدول التي تشهد نمواً اقتصادياً وتعليمياً وثقافياً، إلا أنها تراجعت كثيراً عن موقعها رغم الإمكانات المادية الضخمة ورغم انفتاحها على العالم بسبب السياسات الإقصائية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة باعتمادها منظومة المحاصصة والتعيينات البراشوتية التي لم تخرج يوماً عن صندوق دائرة المعارف الضيقة والواسطة دون أن تكلف نفسها عناء البحث عن الكفاءات والقامات العلمية التي يزخر بها المجتمع الكويتي.لن أتطرق للتعيينات الأخيرة وما صحبها من استياء وتذمر شعبي فهذا الأمر ليس بجديد، ولا يمكن تغييره إلا بإرادة القائد المستبصر صاحب الرؤية والإرادة والقدرة على المواجهة. فقدان الثقة في الإدارة الرشيدة كما ذكرت ليس وليد اللحظة، فهو نهج لم ولن يتغير ما دام الاختيار للقيادات يعتمد ميزة "تمام يا أفندم" والولاء لصاحب الواسطة.قصة حقيقية لواقع التمكينفي يوليو ٢٠١٨ أعلن مساعد الرئيس التنفيذي للشؤون الترويحية في شركة المشروعات السياحية، حرص الشركة على تطوير قطاع السياحة والترفيه في البلاد، إلى جانب سعيها إلى ابتكار وسائل ترفيهية متميزة من خلال تنفيذ مشروع ما يسمى "شاطئ الشمس" باعتباره الوجهة المثالية لجميع أفراد العائلة خلال موسم الصيف.وأنا أقرأ هذا الخبر تحمدت وشكرت ربي بأن جائحة كورونا رحمتنا من هذه العقول الابتكارية، فهذا الشاطئ لم يكن سوى منصة ألعاب مائية مطاطية قابلة للنفخ.من الطبيعي أن هذا المشروع الجهنمي ناله ما ناله من استهجان المواطنين، لكنه لم يحرك شعرة من رئيس مجلس الوزراء السابق ولا من مجلس إدارة المشروعات السياحية بعد أن وصفه نائب الرئيس التنفيذي بأنه عمل ابتكاري، وأن الشركة تحرص على تطوير قطاع السياحة والترفيه من خلال مشروع النطاطيات. لا أعلم لماذا تذكرت كلمة "يا حرص" وأرجو ألا يسألني أحد عن معناها! على ما يبدو أن مفردة "الابتكار" تعريفها عند ربعنا غير عن مفهومها في العالم، وأنها لا تعني سوى إرضاء رب العمل مهما كانت النتائج، فلا صوت يعلو على صوت الرئيس.طاقات مهدرة لم تحصل على فرصتها بالمشاركة في البناء بسبب غياب الرؤية لمفهوم وأهداف التنمية، ولسياسات التمكين السخيفة التي مازالت كما هي.سؤال أخير:ماذا لو كان لدينا قائد يُؤْمِن بالكفاءات العلمية والمهنية الوطنية ويتيح لهم الفرص ذاتها التي أتيحت لأصحاب الحظوة، فهل ستكون الحال كما هي؟ ودمتم سالمين.
مقالات
القيادي المستبصر
01-06-2021