فضيحة التجسس على الحلفاء الأوروبيين تلاحق بايدن
الدنمارك تنأى بنفسها عن تورط استخباراتها بالتنصت الأميركي وأوروبا تطلب إيضاحات
عادت إلى الواجهة فضيحة تجسس واشنطن على الحلفاء الأوروبيين التي انفجرت عام 2013 بفضل المعلومات التي سرّبها إدوارد سنودن، عندما كان الرئيس الحالي جو بايدن نائباً للرئيس باراك أوباما، وكشف تقرير دنماركي أن الاستخبارات الدنماركية ساعدت واشنطن باستغلال اتفاق بين البلدين للتنصت على مسؤولين أوروبيين.
أحيا تقرير لـ «هيئة الإذاعة والتلفزيون الدنماركية» كشف أن واشنطن، بالتعاون مع الاستخبارات الدنماركية، تجسّست على سياسيين أوروبيين بارزين من بينهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الفضيحة التي خرجت الى العلن عام 2013 عندما كان الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن نائبا للرئيس باراك أوباما.
اتفاقية الكابل
ونقل التقرير عن 9 مصادر مطلعة لم يسمّها، أن «وكالة الأمن القومي الأميركية» (NSA) استغلت شراكة مبرمة في أواخر تسعينيات القرن الماضي مع وحدة تابعة للمخابرات الخارجية بالدنمارك تعرف بـ «اتفاقية الكابل»، وتنصّتت على كوابل الإنترنت الدنماركية للتجسّس على رسائل الجوال والمكالمات الهاتفية وسجل الإنترنت لقادة ومسؤولين رفيعي المستوى في ألمانيا والسويد والنرويج وفرنسا. وتستضيف الدنمارك، الحليف المقرب من الولايات المتحدة، عدداً من محطّات الإنزال لكابلات الإنترنت البحرية من وإلى السويد والنرويج وألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة.وتنص «اتفاقية الكابل» على سماح كوبنهاغن للولايات المتحدة بالوصول إلى كابلات الاتصالات السلكية واللاسلكية التي تمرّ من الدنمارك، بغرض مراقبة روسيا والصين.وأشار التقرير إلى وجود هذا التجسس ومعرفة الاستخبارات الدنماركية به في 2015 تحت اسم «عملية دنهامر». وفي حال تأكدت صحة هذا التقرير، فإن التجسس الأميركي كان يجري أثناء وبعد «قضية سنودن» عام 2013 التي تفجّرت عندما كشف المتعاقد السابق مع الاستخبارات إدوارد سنودن أن الحكومة الأميركية كانت تتجسس على مواطنيها وحلفائها. وقالت الإذاعة الدنماركية إنه، الى جانب ميركل، تجسست واشنطن على وزير الخارجية السابق فرانك شتاينماير، وزعيم المعارضة آنذاك بير شتاينبروك.
أزمة 2013
يُذكر أنه في عام 2013، كشف تقرير نشرته «دير شبيغل» استناداً إلى تسريبات سنودن، أن واشنطن تجسّست على هاتف ميركل المحمول منذ عام 2002، أي قبل عامين من توليها المنصب، مما أدى إلى أسوأ أزمة دبلوماسية بين واشنطن وبرلين منذ عقود.ولم ينف البيت الأبيض صراحة تلك الادعاءات في ذلك الوقت، لكنّه أعلن أن هاتف المستشارة ليس هدفا للتنصت حينها، ولن يكون كذلك في المستقبل. وأفادت مجلة دير شبيغل، حينها، بأن الرئيس السابق باراك أوباما اعتذر لميركل، وأقسم لها بأنه لم يكن على دراية بتلك الممارسات، وأنه كان ليوقفها فور علمه بها. وأضافت الصحيفة أن أوباما «لم يأمر بوقف تلك الممارسات، مما يعني أنها استمرت».وفي عام 2014، في أعقاب فضيحة سنودن، بدأت مجموعة عمل داخلية سرية في الاستخبارات الدنماركية النظر فيما إذا كانت وكالة الأمن القومي استغلت تعاونا تجسسيا دنماركيا - أميركيا يُدعى «إكس كي سكور» للتجسس على حلفاء الدنمارك.وتم تقديم تقرير المجموعة، الذي يحمل الاسم الرمزي «عملية دونهامر» إلى إدارة الاستخبارات الدنماركية العليا في مايو 2015. ولا يعرف ما الذي حدث بعد ذلك.تم إبلاغ برامسن بملف التجسس في أغسطس الماضي، بحسب تقرير هيئة الإذاعة الدنماركية. وبعد ذلك بوقت قصير، أقيل مدير الاستخبارات لارس فيندسن وسلفه، الذي كان في المنصب حتى عام 2015 توماس أرينكيل مع ثلاثة موظفين آخرين من مناصبهم، من دون الإعلان عن تفسير كامل لسبب الإقالة. وفي ذلك الوقت، ذكرت الحكومة أن تدقيقا أثار شكوكا في أن الاستخبارات أجرت مراقبة غير قانونية بين عامي 2014 و2020.وفي نوفمبر الماضي، تم الكشف أن الولايات المتحدة استخدمت الكابلات الدنماركية للتجسس على الصناعات الدفاعية الدنماركية والأوروبية من عام 2012 إلى 2015.ودعا سنودن، الذي يعيش الآن في روسيا، في تغريدة على تويتر إلى «كشف علني كامل» من قبل الدنمارك والولايات المتحدة.وصرح خبير الاستخبارات والأستاذ في «جامعة جنوب الدنمارك» توماس فيغنر فريس لفرانس برس بأن ما تم الكشف عنه هو «قطع جديدة من اللغز».وأضاف: «هذه بالضبط نفس فضيحة مساعدة الاستخبارات الالمانية الاميركيين على التجسس قبل بضع سنوات».والدنمارك، العضو في الاتحاد الأوروبي، من أقرب الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، وأرسلت قوات للقتال في العراق. وهي الدولة الاسكندنافية الوحيدة المنضوية تحت لواء حلف الأطلسي.ردود الفعل
وتوالت ردود الفعل الأوروبية على التقرير. وقال سكرتير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، كليمان بون، أمس، إن الأمر «خطر للغاية، ويجب التحقق مما إذا كان شركاؤنا في الاتحاد الأوروبي، أي الدنماركيين، ارتكبوا أخطاءً في تعاونهم مع الأجهزة الأميركية، ثم من الجانب الأميركي، ينبغي رؤية ما إذا كان قد حصل في الواقع تنصّت أو تجسّس على مسؤولين سياسيين».ولم يستبعد فكرة أن يترتّب على الأمر «عواقب فيما يخصّ التعاون» مع الولايات المتحدة.وتابع: «بين الحلفاء، يجب أن تكون هناك ثقة، تعاون أدنى، إذاً هذه الأحداث المحتملة خطيرة، يجب التحقُّق منها، ومن ثمّ استخلاص العواقب التي ترتّبها فيما يخصّ التعاون».وبينما طالب وزير الدفاع السويدي بيتر هولتكفيست من الدانمارك بـ «تقديم توضيحات»، صرح نظيره النرويجي فرانك باك جنسن، بأن هذه «المزاعم تؤخذ على محمل الجد».وفي برلين، أبدى رئيس اللجنة البرلمانية المشكّلة للتحقيق في القضية، باتريك زينسبرغ، عدم مفاجأته بالأمر، وقال إن حالات التنصت كهذه هي ممارسات شائعة، ويجب تفهُّم نظام أجهزة الاستخبارات.من ناحيته، قال الناطق باسم الحكومة الألمانية، شتيفن زايبرت، في مؤتمر صحافي، إن «برلين على علم بالتقرير وعلى اتصال بجميع الهيئات الوطنية والدولية ذات الصلة للحصول على توضيح». من جهتها، أكدت وزارة الدفاع الدنماركية أن التنصّت المنظم، بوجه عام، على الحلفاء المقربين أمر غير مقبول.وتعليقاً على التقرير الجديد، قال سنودن (اللاجئ في روسيا) إن الرئيس الأميركي جو بايدن «متورط بعمق في هذه الفضيحة منذ البداية»، لأنه كان نائباً للرئيس باراك أوباما وقت حدوت عمليات التجسس.ودعا سنودن الى الكشف العلني عن كل المعلومات ليس فقط من قبل الدنمارك، بل أيضا من قبل «شريكها الرئيسي»، في إشارة الى واشنطن. وفي وقت سابق غرّد سنودن ساخراً «لماذا لم يحذّرنا أحد من قبل؟».